من أفلام الدورة: فيلم عن ظل ابن الرئيس عدي صدام حسين

دومينيك كوبر كما يظهر في دور عدي في «بديل الشيطان».
TT

في أواخر العام الماضي عرض المخرج العراقي قاسم حول نسخته عن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين من دون أن يسميه في فيلمه «المغني». هناك شاهدنا كوميديا سوداء ذات طروحات سياسية حول حياة ديكتاتور عراقي يقيم حفلة عيد ميلاده في أحد قصوره والحفلة المحفوفة بشروط تُفرض على الحاضرين تحت عين رقابة إلكترونية تتنصت على كل همسة يتبادلها اثنان، تتحول إلى تنفيذ عقوبات من بينها عقوبة أن يغني المنشد الذي جيء به من القرية بسبب صوته البديع ووجهه إلى الحائط كونه جاء متأخرا عن الموعد رغم أعذاره. أيضا من بينها سحب امرأة من جلستها مع زوجها لأنها انتقدته والرئيس كون الزوج قام فأنشد شعرا بحياته مقابل سيارة «مرسيدس». المرأة يتم جلبها إلى غرفة تقع تحت الأرض ويقف في وسطها جزار ولا نعرف ما حدث لها بعد ذلك. وينتهي الفيلم بقيام «الديكتاتور» بسحب مسدسه وإطلاق النار على امرأة أخرى شربت ولم تكتم ما تشعر به حياله.

يا له من عيد ميلاد.

أما لماذا لم يسم المخرج الرئيس فيعود إلى أنه أراد الترميز إلى كل ديكتاتور كما قال لي. في الوقت ذاته لا يمكن لهذا الترميز أن يتم لأن كل شيء هنا عراقي وكل شيء هنا موقوت بحرب على الجبهة الإيرانية وكل شيء مرهون بتشخيص أحد الممثلين المطلوب منه أن يكون شبيها سلوكا وكلاما بصدام حسين. عرض الفيلم في مهرجان دبي الأخير وبعد نحو شهر عرض مهرجان سندانس فيلما له علاقة بفترة حكم صدام حسين بعنوان «بديل الشيطان». هذه المرة من دون رمز أو ترميز. الفيلم ذاته معروض في الدورة الحادية والستين الحالية في مهرجان برلين السينمائي خارج المسابقة.

من الطبيعي أن يبقى العراق محط اهتمام السينما العالمية (وهذا الفيلم الناطق بالإنجليزية من تمويل بلجيكي وإخراج النيوزيلندي لي تاماهوري) خصوصا في عالمنا الحالي حيث هناك موضوع لافت كل يوم في حياة الناس الأمنية والسياسية والاجتماعية، فكم من الوقت سيمضي من قبل أن تنتقل أحداث ميدان التحرير الأخيرة إلى السينما سواء المصرية أو الأميركية أو غيرهما؟ وهل في الأفق فيلم عن أزمة تقرير المحكمة الدولية يُطرح كفيلم تشويقي؟ ما نعرفه أن المنتج التونسي طارق بن عمار صرح أنه سيقوم بإنتاج فيلم عن التونسي محمد بوعزيزي، ذلك الشاب الذي حرق نفسه فأشعل ثورتين.

«بديل الشيطان» هو فيلم أكشن وتشويق منفذ جيدا وهو المتوقع من المخرج الذي قدم في تاريخه بضعة أفلام مشروطة بقدراته على الإثارة البصرية المفعمة بالتوقيت وحسن الإيقاع من بينها فيلم جيمس بوند سابق هو «مت في يوم آخر» وآخرها الفيلم الذي قام ببطولته كل من نيكولاس كايج وجوليان مور بعنوان «التالي» أو «Next» إنه عن لطيف يحيى الرجل الذي يشبه عدي حسين (ابن صدام) الذي كان كل ما هو مطلوب منه أن يقف أمام فوهة المخاطر ويواجه المؤامرات (حقيقية منها ومتخيلة) ممثلا دور ابن الرئيس العراقي. ليست حياة سهلة، لكنها بالنسبة للطيف، وكما يقدمها الفيلم وظيفة كوظيفة الطباخ أو المصور أو سائق التاكسي. طبعا هي خطيرة إذا مارسها وربما أشد خطرا لو رفض ممارستها.

والأمر، على هذا النحو، يشبه الممثل البريطاني الذي قام بالدور واسمه دومونيك كوبر، فهو دور خطر إذا قبل به من حيث أنه قد يخفق فيه تبعا لسلوكيات تختلف بين الثقافتين العربية والأوروبية، ومن الخطر أن لا يوافق عليه طالما أن مسيرته السينمائية إلى الآن ما زالت في الظل وتحتاج الفيلم الذي يستطيع القيام ببطولته ليبرهن عن استحقاقه. وهو يبرهن عن هذا الاستحقاق فعلا لاعبا الدورين المتوازيين: هو لطيف وهو عدي.

حسب سيناريو مايكل توماس، الذي كتب سنة 1939 سيناريو الفيلم التشويقي «روبي كايرو» من إخراج غرايم كليفورد وبطولة أندي مكدوول وويليام نيسن وفيغو مورتنسن، فإن لطيف كان لواء في الجيش وعلى شبه كبير بعدي حسين، والأخير طلبه مباشرة بعد أن نجا من معركة وقعت في قلب المدينة. واللقاء بينهما بسيط الشكل ومباشر. عدي قال للطيف إنه بحاجة إلى من يلعب ظله في الحياة العامة. هل يستطيع القبول؟ طبعا - هذا هو المطلوب. هل يستطيع أن يقول: أرجوك سيدي أعفني؟ لا فكلمة عدي، ككلمة أبيه أيامه، لا تتحول: «إذا رفضت فإن عائلتك ستباد». لطيف سيقبل على مضض والفيلم سيستخدم هذا «المضض» ليلعب عليه لأجل منح الشخصية ضوءا إيجابيا يُستخدم عادة في الأفلام البوليسية والتشويقية (كحال هذا الفيلم) لوضع الشخصية في إطار يُثير التعاطف.

دراميا ينجز المخرج هدفه الرئيسي: مقارنة بين البريء والمذنب. بين رجلين متشابهين كل منهما نسخة مناقضة للآخر. لكن ما يخفق فيه هو كم العنف الذي يصر على تقديمه من دون فائدة. فالفيلم مناسبة للحديث عن القتل والاغتصاب والتعذيب وسوى ذلك مما كان سائدا في زمن غير بعيد. في الثمانينات أخرج الياباني الراحل أكيرا كوروساوا «ظل المحارب»، عن ذلك المواطن البسيط، في زمن بعيد، الذي من شدة شبهه بـ «اللورد» الذي يحكم المقاطعة، يتم تعيينه ظلا له: سيتصرف تماما كما لو كان هو «اللورد» باستثناء أن الحاشية تعرفه وستبقيه مربوطا بحبلها تهينه متى تشاء وتدفعه إلى الموت حين تريد، وسوف يحارب عنه. بقعة يمكن إزالتها بالغسيل. الفيلم الرائع (تحت اسم «كاغاموشا») لا يزال متوفرا على أسطوانات، ولو كان حاضرا لشوهد مرة أخرى كونه أفضل فيلم عن موضوع الإنسان البديل الذي يواجه معضلات حياته انطلاقا من شبهه بمن يحكم البلاد.