عمل النساء المسلمات في صيد الأسماك مثال نادر على تحرر المرأة في كشمير

تراجع كميات الأسماك يرجع إلى التلوث الناجم عن مياه الصرف الصحي

صيادون يصطادون الأسماك في بحيرة دال (أ.ف.ب)
TT

على مدار الأعوام الـ21 الماضية، وفي الوقت الذي كان معظم الناس ينامون فيه ببيوتهم على اليابسة، كانت حميدة، 40 عاما، تتعاون مع زوجها لصيد الأسماك من بحيرات في كشمير.

ومع تحرك الشمس نحو الغروب، تكدس حميدة القارب بأوعية ممتلئة بالطعام وفراشين يمكن طيهما. وبعد أن تطمئن إلى أن أطفالها الثلاثة خلدوا إلى النوم، كانت تتولى التجديف، بينما ينشر زوجها موهد جبار شبكة الصيد على الماء محملة بطعم كثير لاجتذاب السمك. وتضطر الأسرة في بحثها عن السمك إلى التحرك لأميال بعيدا عن شواطئ بحيرة دال الشهيرة، ليدخلوا بالقارب إلى المياه العميقة لبحيرتين مجاورتين (نيغان وولار).

بعد طرح شبكة الصيد، يتناول الزوجان الطعام مع أبنائهما، ثم يعدان القارب للنوم. ومع بزوغ أول أشعة الشمس، تجدف حميدة لتوجه القارب نحو العودة إلى دال ليك، بينما يفرغ زوجها الشبكة من السمك الذي علق بها.

وإذا كانت حصيلة الصيد طيبة، توقظ حميدة أطفالها لتخبرهم بالنبأ السار، ليتحولوا بعدها إلى الأب مطالبين بالحصول على بعض الحلوى احتفالا بالصيد الثمين. ولدى بلوغهم الشاطئ، تسارع حميدة إلى الذهاب إلى السوق لبيع السمك وهي غير واثقة مما إذا كانت ستفلح في بيع كل السمك الذي بحوزتها أم لا.

في الأيام التي يحالفها خلالها الحظ، لا تتعدى عملية بيع السمك ساعتين متنقلة من عتبة منزل لآخر لعرض السمك. وفي نهاية اليوم، تعود لزوجها حاملة ما بين 6 و7 دولارات.

في غضون فترة قصيرة من زواجها، أفاقت حميدة، التي تنتمي لأسرة لا تعمل بالصيد، على حقائق وصعاب حياة الصيد. وعن ذلك، قالت: «بالتأكيد، هي حياة لا تناسب سوى نمط معين من الأشخاص، بما تتطلبه من عمل دؤوب لساعات طويلة، وتحمل ظروف مناخية سيئة. تعلمت فن الصيد من حماتي وزوجة شقيق زوجي».

وعلى الرغم من أن حميدة تأقلمت مع حياتها الشاقة باعتبارها مشيئة الله، فإنها تحرص على إبعاد سليمة، ابنتها البالغة 10 أعوام، عن هذه الحياة. وتعكف سليمة حاليا على تعلم غزل الشال، مثلما الحال مع الكثير من الفتيات داخل مجتمعها.

وعلقت حميدة على ذلك بقولها: «حرصت على إقصاء ابنتي عن هذا العمل».

ربما يبدو ذلك غريبا بالنسبة لمن هم من خارج المنطقة، لكن الحقيقة أن عمل المسلمات في صيد الأسماك يعد مثالا نادرا على تحرر المرأة داخل كشمير. على مدار الأعوام الـ100 الماضية على الأقل، سارت الأوضاع على النحو التالي: النساء تبيع السمك بالأسواق، بينما يبقى الرجال في المنازل. لم يعد هناك أي عوائق أو كبت للتمييز على أساس النوع. وجرى تقسيم الأدوار بحيث يصطاد الرجال وتبيع النساء السمك.

ولدى سؤال موهد جبار، زوج حميدة، حول ما إذا كان شعر بأي غضاضة في السماح لزوجته بالتوجه إلى السوق لبيع السمك، أجاب: «في مجتمعنا، لا يذهب الرجال إلى السوق قط لبيع الأسماك. هذا الأمر قائم منذ قرون».

كل صباح، تقف النساء الكشميريات العاملات بمجال صيد السماك، ويعرفن باسم (غادي واجيني) بالكشميرية، داخل سوق السمك بمدينة سريناغار، عاصمة ولاية جامو وكشمير الهندية، بحوزة كل منهن أوعية ممتلئة بالسمك، وينادين لجذب المشترين قائلات: «غادي ما تشو» (أي: اشتروا السمك الطازج). ويبدين في عملهن مهارات تسويقية استثنائية. وينجحن في دفع الزبائن لشراء أكبر كمية ممكن من السمك كي يتمكنّ من العودة لمنازلهن باكرا لإعداد الطعام لأطفالهن. ويملك هؤلاء النسوة قوة تأثير كبيرة يصعب على أي عميل مقاومتها.

في نسمات الصباح الباكر اللاذعة البرودة، أخذت جيغاري، 70 عاما، مرتدية زيا كشميريا تقليديا، مكانا لها على الجسر المقام عليه سوق السمك. وتعد واحدة من الشخصيات الشهيرة المألوفة في السوق، وتعتبر حياتها بمثابة ملحمة من التقلبات والمآسي والفقر.

من ناحيتها، قالت سادار، 60 عاما، وتعمل في صيد الأسماك: «في مجتمعنا، نشعر بالفخر بارتدائنا غطاء الشعر والحلي الفضية التقليدية. لا يمكن أن أنتقل لخارج منزلي من دون هذه الأشياء، حيث ينتابني شعور سيئ للغاية إذا رأيت انحسارا في تقاليدنا بسبب سحر بوليوود المصطنع. انظروا إلى السائحين وكيف يحرصون على التقاط صور لأنفسهم وهم مرتدون أزياءنا التقليدية».

كانت جيغاري قد أجبرت وأسرتها على الرحيل عن بحيرة دال إلى مستوطنة في تيلبال الواقعة على ضواحي سريناغار، بسبب مشروع دال. لدى جيغاري نجلان، أحدهما معاق على نحو يجعله عاجزا عن القيام بأي شيء. أما الآخر فلا يزال يبحث عن عمل، ولا يرغب في الانخراط في مهنة الصيد التي يعتبرها مهينة. كما أن زوجها الذي لم يمتهن في حياته سوى الصيد، فيقبع في المنزل من دون عمل بسبب سنه الكبيرة ومشكلات صحية ألمت به.

ولم تجد جيغاري بدا من بيع السمك، باعتبارها المهنة التي قامت بها لأكثر من نصف قرن. في طفولتها، اعتادت جيغاري ارتياد السوق برفقة والدتها. والآن، تشتري جيغاري السمك من آخرين لتعيد بيعه في السوق لتعود لأسرتها في نهاية اليوم حاملة ما بين 100 و150 روبية (3 - 5 دولارات).

تشير التقديرات إلى أن نحو 200 أسرة تعيش على الصيد، تسكن غالبيتها على امتداد دال ليك من دون توافر الضرورات المعيشية الأساسية لها. ويتطلب الحصول على رخصة سنوية لممارسة الصيد دفع 500 روبية للحكومة. وتسود حالة من الغضب مجتمع الصيادين هنا، بسبب تراجع كميات السمك التي يحصلون عليها جراء تفاقم مستويات التلوث. المعروف أن مياه بحيرة دال ليك ارتفعت معدلات التلوث بها على نحو خطير جعلتها غير صالحة للشرب، أو حتى مجرد الاستحمام.

من جهتها، قالت سارة، التي تبيع السمك عبر التنقل من أعتاب منزل لآخر: «مع تلوث جميع الكائنات الموجودة بالمياه، بات من الصعب اصطياد السمك بكميات كبيرة. في وقت مضى، كان متوسط زنة السمك الذي نصطاده يوميا 10 كيلوغرامات، لكن الكمية انخفضت حاليا إلى النصف، بل ولا نصل لهذا المستوى إلا في الأيام التي يحالفنا فيها الحظ».

فيما يخص الدخل، أشارت النساء الفقيرات العاملات في الصيد إلى أن دخولهن اليومية تتراوح بين 100 و200 روبية يوميا، لكنها تتراجع أحيانا إلى 50 روبية فقط. وعندما يعجزن عن بيع كل السمك الذي تم اصطياده، يلقين بالسمك المتبقي إلى النهر.

ليست هناك مناسبات محددة يزيد خلالها الإقبال على السمك، لكن عندما يزداد الطلب على السمك بشدة عند إقامة أعراس أو حفلات كبرى أخرى، تكسب هؤلاء النسوة كثيرا من المال.

رغم توفير الصيد سبيلا للعيش لأعداد كبيرة، لا تضم كشمير سوقا رسمية للسمك. عن ذلك، قالت جيغاري، التي تعد الأكبر سنا بين العاملات في بيع السمك: «نريد مكانا محددا لبيع السمك فيه داخل المدينة، حيث تطردنا الشرطة وهيئة بلدية سريناغار من حين لآخر من على هذا الجسر، الذي أصبح مرتبطا بقوة ببيع السمك. وهم يزجروننا ويلقون بالسمك على الطرقات ويأمروننا بالرحيل».

وتوصلت دراسة أجرتها لجنة المنح الحكومية في نيودلهي داخل قسم علم النبات بالكلية الإسلامية، إلى أن هناك انحسارا في حجم الكثير من الأعشاب التي كانت متواجدة بكثرة من قبل في هذه البحيرات.

وأوضح دكتور إيه مجيد كاك، الخبير البيئي، أن «مياه الصرف الصحي الناتجة عن فضلات بشرية (40 ألف طن سنويا) والأخرى الزرنيخية (التي تفوق المعدل المسموح به بمقدار ألف مرة) تتحملان الجزء الأكبر من المسؤولية عن التلوث، حيث تتسببان في قتل الأسماك ومشكلات صحية بين من يعيشون على شواطئ البحيرة. وتكونت فوق مياه دال ليك طبقات سميكة من نبات أزولا، مما يترك تأثيرا فتاكا على الكثير من الكائنات الحية التي تعيش بالماء. ويزيد ذلك من صعوبة الصيد، وفي الكثير من الحالات يصعب بيع السمك لشكوى الكثيرين من إصابتهم بأمراض حساسية وعسر هضم بسبب تناول الأسماك. ويتعين على السلطات وقف تدفق مياه الصرف على البحيرة كي تستعيد البحيرة سابق عهدها.

ويعيش مجتمع الصيادين في بيئة تفتقر بشدة إلى السلامة الصحية، حيث تنبعث الروائح الكريهة الخانقة من أرجاء عدة مسببة الاختناق ومشكلات في التنفس للأطفال والبالغين. واختنقت جميع القنوات المحيطة بالمناطق السكنية بسبب تكون طبقا سميكة على أسطحها من نبات أزولا، مما اجتذب البعوض وحشرات أخرى ناقلة للأمراض.

من جهته، قال مير نسيم، نائب رئيس هيئة تنمية البحيرات والممرات المائية في كشمير، المسؤولة عن حماية البحيرة: «عملت القنوات والممرات المائية كأوردة لمنطقة دال. وترك كبتها تأثيرا شديد السلبية على تدوير المياه داخل البحيرة».

وقد أزالت الهيئة بالفعل الكثير من التعديات داخل وخارج البحيرة، وبذلت جهودا لإجلاء من يعيشون على شواطئها للحد من الاتجار في البشر.

وتعد ولار أكبر بحيرة في الهند وأكبر بحيرة ماء عذب في آسيا بأكملها، وتتلقى الماء من نهر جهلوم. في وقت مضى، شكلت بحيرة ولار مصدر 60 في المائة من إجمالي السمك المستهلك في كشمير، وسعيا للحد من تردي أوضاع البحيرة، فرضت هيئة تنمية البحيرات والممرات المائية في كشمير حظرا على صيد الأسماك من البحيرة طيلة العامين الماضيين، لكن الصيادين المحليين استمروا في صيد السمك.