مهرجان برلين السينمائي الدولي (8): سنوات ضوئية.. احترام المرأة

هيليان بونام كارتر
TT

* خمسة أسئلة لهيلينا بونام كارتر

* تجمع بطلة فيلم ألماني عُرض هنا قطع زجاج مكسور ومتناثر، وتضعها على حافة الكنبة، ثم.. تجلس عليها بهدف الانتقام من نفسها، بعدما لاحظت أن شريكها في البطولة ضحى بها لأجل امرأة أخرى.

وكنا في العام السابق شاهدنا بطلة فيلم آخر تؤذي نفسها على نحو أفظع، مستخدمة المقص، لأنها لم تعد تستطيع السيطرة على عواطفها. ما يعتبره الآخرون فنا، أراه بلاهة، وما يعتبرونه تعبيرا راقيا أراه سخفا. وفي حين أن هناك أساليب كثيرة تستطيع من خلالها الحديث عن مشاعر المرأة، فإن أكثر هذه الأساليب رداءة هو أن تأتي فجة ومفروضة وغير قابلة للمنطق أو التصديق.

ما الذي كان يضير المخرج الذي اعتقد أنه يكتشف الماء الساخن، لو أنه جهد قليلا ووجد طريقة أخرى للتعبير عن أزمة بطله، من دون هذه المشاهد التي يُقصد بها الاستحواذ على الاهتمام مجانيا. إحداث صدمة واعتبار أن إحداث الصدمة بحد ذاته هو فن عظيم.

في حديث الغرب عن المرأة وتقديرها، تراهم في خضم معايير مزدوجة. المرأة هناك نالت حريات وخسرت أخرى. ليس أن عالمنا يخلو من عيوب لكن من حسناته أن نساءنا ما زلن يتعاملن وأخلاقيات مزروعة في مكانها تحدد لهن خيارات لا يمكن أن تعود عليهن بالضرر إذا ما مورست، من قبلها ومن قِبل الرجل، على نحو منصف وصحيح.

حين ورد مشهد الجلوس على الزجاج المكسور، خفت على الزجاج أو على نفسي من الأذى، وقررت أنني شاهدت ما يكفي من الأفلام، ولا أريد أن أقع مريضا في أيام المهرجان الأخيرة. تركت الصالة وبحثت عن فيلم آخر.

* هذه المرة نراكِ من دون «ماكياج» في «خطاب الملك». نرى ملامحك الحقيقية بعد أدوارك المختلفة الأخيرة.

- كانت فرصة بالفعل لكي أظهر بملامحي الحقيقية قبل أن ينساني الناس. هل تتحدث عن أدواري في أفلام زوجي؟

* نعم في أفلام تيم بيرتون كما في دورك في «هاري بوتر».

- أينما كنت لدي اهتمام كبير بكيف سأبدو، لأن الماكياج، كما لا بد تعلم، يصبح جزءا غير منفصل من شخصيتي. وحتى في «خطاب الملك» الذي ليس فيه ماكياج كثير، بل التركيز على الملابس التاريخية أساسا، كان ضروريا أن أشعر بأن كل شيء في مكانه لأن نجاحي مرتبط بما أرتديه وبتصفيف الشعر، كما أنه مرتبط طبعا بكيف سألعب دوري كممثلة. ما يختلف في الحقيقة هو أنك تحت كل ذلك الماكياج في أفلام مثل «أليس في أرض العجائب» أو في «تود سويني» أو «هاري بوتر»، تجد أن المخرج يتحدث إلى التقنيين ومديري التصوير وفناني الماكياج أكثر مما يتحدث للممثل. وأنا أفهم السبب بالطبع: لدي فرصة واحدة لإتقان كل ذلك الشغل على الممثل، ولا يريد للإضاءة مثلا ألا تكون مشاركة في التعبير أو الملابس أو الماكياج. كل شيء يصبح محسوبا وأنت في الوسط تماما.

* كيف يختلف التمثيل مع زوجك المخرج بيرتون عن التمثيل مع مخرج آخر، لنقل مثل توم هوبر، صاحب «خطاب الملك»؟

- أوه.. كثيرا. بعد العمل على نحو متواصل تقريبا مع المخرج ذاته يصبح الفهم مشتركا وسهلا بين الممثل والمخرج. الكلام بينهما قليل، إلا في حالة أن مشهدا يتطلب ما يجب على المخرج والممثل التداول بشأنه. في أحيان يكون الممثل هو الذي يريد أن يفهم شيئا إضافيا، وفي أحيان أخرى يكون المخرج هو من يريد إضافة ذلك الشيء. تيم وأنا لا نتحدث إلا في المسائل المهمة، لأن طريقة عمله تتضمن توجيه التعليمات قبل التصوير، والتأكد من أن الممثل استوعب المطلوب. وأعتقد أن هذا هو أيضا شأنه مع جوني دب الذي يظهر في أفلامه. لكن حين الوقوف تحت إدارة مخرج جديد أو مخرج لم يتم التمثيل معه من قبل، فإن المسألة فيها تأسيس تعارف مشترك بينه وبين الممثل. مع توم هوبر كان ذلك سهلا لسببين: هو شخص سهل التواصل معه، ولديه خبرة في إدارة الممثلين، أعتقد أنها بادية على الشاشة، ودوري هو مساند بكل معنى الكلمة. التركيز على شخصية كولين فيرث لأنها أساسية وجوهر الموضوع.

* وبالنسبة للتمثيل مع جوني دب في أكثر من فيلم؟

- أعتقد أن المسألة تبقى في صميم العمل كما الحال لو أنني مثلت مرة واحدة مع أي ممثل آخر. جوني أصبح مقربا من العائلة كصديق، لكن حين التصوير كلنا نعمل بالسعي ذاته لإتمام العمل في صورة حرفية جيدة. لا أريد أن أشيع بأننا لا نبتسم ولا نتحدث حول الغداء في أمور لا علاقة لها بالعمل، لكن التصوير يأخذ منا كل جهد ممكن، وهذا طبيعي.

* مرشحة للأوسكار من جديد. هل من تطلعات؟

- لا. على الإطلاق. أساسا ستكون مفاجأة كبيرة لي إذا ما أعلن فوزي. ستشاهد ذلك على محياي إذا ما تم فوزي؛ سأقف على المسرح وأحاول أن أتماسك. لا أدري. هذا سؤال نظري على بساطته وموضوعيته. لكني لا أريد أن أتخيل نفسي على المنصة، دعني أُفاجأ فليس هناك أجمل من المفاجأة.

* فيلمان من إسرائيل لا يخلوان من فلسطين

* ليس هناك تمويل فلسطيني لصنع أفلام جديدة، وإن كان فهي ستجد نفسها حائرة بين سياسات وتوجهات متناقضة، كما ليس هناك من حماس أوروبي لإنتاج أفلام عن فلسطين، إلا إذا كان مخرجوها الفلسطينيون من نخبة إيليا سليمان، باعتبار أعماله، التي كان آخرها «الزمن الباقي»، برهنت عن جدواها المادي. إذن البديل هو أن تتحدث السينما الإسرائيلية عن أمور فلسطينية. ليست تلك المرة الأولى، لكن الساحة الآن خالية لهذه السينما لكي تنفرد بما تود قوله.

فيلمان في عروض المهرجان آتيان من الدولة العبرية؛ الأول ضمن المسابقة، والثاني خارجها، وكلاهما يشتركان في جانب آخر غير كونهما إنتاجين إسرائيليين، وهو أن كل منهما يتحدث عن امرأتين.

في «أحمر شفاه» لجوناثان سيغال حكاية امرأتين فلسطينيتين، هما لارا (كلارا خوري) وإينام (ناتالي عطية)، تعيشان في لندن بعد سنوات طويلة من مغادرتهما فلسطين. إنهما من رام الله، وما شاهداه من أحداث ووقائع مأساوية جراء الاحتلال والهجمات الإسرائيلية وسوء المعاملة (باعتراف الفيلم، وليس برأي الناقد وحده)، باق معهما، يعودان إليه على شكل ذكريات تؤلمهما، بما في ذلك حادثة اغتصاب يقوم بها جنديان إسرائيليان.

لارا مسلمة وإينام مسيحية، لكن ذلك لا يؤثر على صداقتهما بل يعززها. ويبدأ الفيلم من زيارة إينام للارا المتزوجة وغير السعيدة، وإذ يتحادثان يبدآن باستعادة بعض الذكريات (بينها حادثة الاغتصاب المزدوجة) العاكسة لمدى الألم العاطفي والنفسي الذي لا يزال يعصف بهما.

النتيجة عمل، غالبه محصور داخل جدران منزل لارا مع توجهات درامية نفسية داكنة ومثيرة للاهتمام معا، كون المخرج إسرائيليا لديه ما يعلق به على الوضع الفلسطيني - الإسرائيلي. حادثة الاغتصاب بحد ذاتها مربوطة في الوعي الباطني للفيلم باغتصاب الأرض. وفي حين أن شخصية لارا خارجة عن التقاليد وجديدة من نوعها بالنسبة للشخصيات الفلسطينية (تشرب وتميل لبنات جنسها، على الرغم من أنها الآن متزوجة ولديها صبي في السابعة)، فإن قيام المخرج بتصوير المغتصب الإسرائيلي في زي عسكري يحمل رمزه بوضوح رابطا الفعل المذكور بالوضع الاستيطاني الممارس.

من ناحيته، نرى في فيلم «غير مرئي» قصة امرأتين إسرائيليتين كانتا تعرضتا للاغتصاب. هذه المرة المغتصب مدني واحد (وليس جنديين)، لكن تبعا للفيلم فإن هناك محاكاة مماثلة للفيلم الأول بين الاغتصاب الجنسي واغتصاب الأرض. فليلي (رونيت إلكابتز) مخرجة وثائقية متزوجة، وكثيرة الاهتمام بما يحدث للمزارعين الفلسطينيين على أيدي المستوطنين المتطرفين المحميين من قبل الجنود الإسرائيليين. في مطلع الفيلم هي هناك تصوِّر مزارعين فلسطينيين يحصدون غلة الموسم من الزيتون. لقطات حانية لهؤلاء العرب البسطاء وهم يعملون بجهد، هذا إلى أن يندفع المستوطنون والجنود معا طالبين من العرب الرحيل وترك الغلة في الأرض. بعض المزارعين يُقاوم لكنه يُعنف ويُضرب، وفي مشهد لاحق نرى النيران تحرق شجرة زيتون والمخرجة تطلب من الجنود تفسيرا لهذا الاعتداء.

ليلي ستلتقي مع مونتيرة تلفزيونية اسمها نيرا (إفجينيا دودينا) تراقب الفيلم الذي صورته الأولى، وكلتاهما لديها ما تبوح به للأخرى. فليلي تعاني من هجران زوجها الذي يتركها مغادرا وهو يعلن عن تبرمه من منوال حياتها وعملها «والفلسطينيين أيضا»، والثانية كانت طلقت زوجها، ولديها ابنة شابة تخبرها يوما بأن رجلا حاول الاعتداء عليها. هذا في الوقت الذي أدركت فيه كل من ليلي ونيرا أنهما كانتا تعرضتا لاغتصاب رجل واحد، وأنهما لا يستطيعان نسيان الحادثة، مما يجعلها محط استعادة خبر عن الإفراج عن المغتصب بعدما قضى بضع سنوات في السجن.

الفيلم كان يحتاج لنهاية أقوى، لكنه في معظمه عمل لا يخلو من حس فني بليغ. تمثيل جيد وموضوع منفتح على تفسيراته من دون تمييع.