جينو شويري تبتكر بورتريهات غريبة بمقاربة معبرة

ثمرات البطاطا أصبحت وجوها بشرية متعددة الملامح

جانب من أعمال الفنانة اللبنانية جينو شويري
TT

تعطيك إحساسا بأنه وجه فعلا وما على العين إلا الانبهار. هي صور لوجوه بشرية، رسمت على ثمرات البطاطا في محاولة لخلق شيء جديد وبأسلوب فريد من نوعه.

«اخترت حبات البطاطا، لأنها متعددة الأشكال كوجوهنا، والتي تتشابه معها في اللون والتجاعيد والتكوينات المختلفة الخاصة بكل وجه مع مرور الزمن عليه»، هكذا تتحدث الفنانة التشكيلية جينو شويري عن دوافع اختيارها لهذا الفن الغريب، معتبرة أن هذا ما يفسر قربنا إليها أكثر من أي شيء في الطبيعة.

وترى شويري أن رؤوس الناس شبيهة بثمرات البطاطا، مجتمعة كانت أم منفردة، والأخيرة كفيلة بأن تكون بورتريهات معبرة لكل وجه تحمله.

الافتقار إلى القدرة على الرسم بفعل كسر في اليد، دفع بالفنانة البيروتية ذات يوم للتوجه إلى المطبخ ليس لتحضير وجبة من البطاطا، بل بحثا عن شيء ما يعبر عن هوية الإنسان في أحد وجوهها بهدف المشاركة في أحد المعارض.

دقائق قليلة ويقع الاختيار على ثمار البطاطا التي وجدتها شبيهة بمعالم وجه الإنسان لتأتي فكرة الجمع بينهما.

لمدة عام ونصف، ظلت شويري تلتقط صورا في لبنان وإسبانيا لأناس تعرفهم وآخرين تراهم لأول مرة ولو في الشارع، غالبا ما كانوا يوافقون بفضل أسلوبها اللطيف.

الكاميرا ليست الطريقة الوحيدة، بل لذاكرة شويري دور أيضا في رسم وجوه منها المبتسم والحزين والعادي والصارخ لشخصيات سياسية مشهورة، ومنها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش والرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

الحال نفسه ينسحب على وجوه الأهل والأصدقاء والأقارب والفنانين اللبنانيين والعرب، إضافة إلى وجوه مواطنين لبنانيين وإسبان.

ما يزيد على الـ1500 حبة بطاطا تحمل إليك انطباعات متعددة، مفعمة بالرمزية بعد تحول كل ثمرة إلى وجه لا ينقصه إلا الكلام في عمل استغرق ستة أشهر بمعدل تراوح بين 4 إلى 12 ساعة يوميا.

في أكياس مخصصة تجمع شويري هذه الثمرات - الوجوه، لتقوم بتصوير كل واحدة منها مرة في الأسبوع لرصد تغيرات معالمها مع الوقت حتى تصاب بالعفن، وهي المرحلة التي يقابلها الموت عند الإنسان.

«إذا استطعنا في نهاية المطاف أن نتلمس ونتقبل فكرة المساواة والتشابه التي نجدها في ثمرات البطاطا مجتمعة، فإن خلافنا الناتج عن بعض أوجه الاختلاف بيننا يذهب أدراج الرياح»، تفسر شويري مكامن القوة في فنها.

أما اليوم، فإن شويري تفكر جديا في إقامة معرض يتضمن المراحل العمرية لكل ثمرة، لتثبت مدى تشابهها في تلك الخاصة بالإنسان. «لماذا نحن هنا؟ أولسنا نأتي ونذهب ببساطة؟ أولسنا مادة بسيطة لها مدة صلاحية؟ إذن كم نحن (هشون)!»، تقول شويري مستغربة.

أسئلة تحمل نفحات ثورية منطلقة من خلفية شخصية لإبداعات فنية غريبة ومضحكة لا حدود لها.

همس الخبرات الشخصية والمكتسبة هدفه التعبير عن أشياء غامضة وخاصة في مخيلة شويري، طرق لم تتوقف عند حدود الرسم على ثمرات البطاطا بل تعدتها إلى الرسم بمادة الإيكريليك على الكونفا ورشاشة البويا.

الأفكار المبتكرة انسحبت أيضا على جسم إنسان يحمل رأس أرنب ممسكا بالمنبه، وجسم آخر يحمل رأس ديك، الأول اختارته شويري رمزا لدقة الوقت والآخر رمزا أوضح للرجولة، وهذا جزء مما قصدت إيصاله في بعض رسوماتها.

وتشدد الفنانة اللبنانية على أن الغموض والغرابة في نتاجها الفني هو لترك المجال مفتوحا دائما أمام عدة احتمالات تسمح لكل متأمل بالرسومات أن يفهمها على طريقته الخاصة.

الأفكار لدى شويري غالبا ما تكون مشوشة في بداياتها، بينما الهدف هو محاولة فهم وجود الإنسان انطلاقا من فهم الذات بعد الغوص في أعماقها، وتعبيرا عن أحاسيس الفنانة وصولا إلى القواسم المشتركة للمجموعة البشرية.

لدى الفنانة التشكيلية لا يجد الندم مكانا له، لأن الحرية أصبحت أسلوبا للتعبير عما يختلجها من أفكار وأحاسيس عبر ترجمتها إلى إبداعات فنية.

شويري التي تركت مهنتها في الإعلانات، تؤكد أنه في الفن يمكنك أن تجد نفسك على حقيقتها، لأن كل شيء ينطلق من الذات دون أي تدخل خارجي معترفة بأن هذا متعب أحيانا، لكنه يكسبك الثقة بالنفس.

لا طريقة موحدة في الرسم، بل لكل فكرة طريقة خاصة للتعبير عنها، تحمل في ثناياها تجددا يذكرك بأن الفن إحساس جميل يتملك كل فنان قادر على الإقناع وتجميل الحياة أو تشويهها برؤيته الخاصة. ومن المعارض التي أقامتها، معرض «لعيونك» وهو مجموعة من الصور لعيون نساء عربيات.

وتختم شويري بأننا أينما كنا، نحن بحاجة إلى الفن خاصة في لبنان، متمنية أن تتمكن من إيصال رسالتها بشكل ومضمون صحيح. إشارة إلى أن أعمال الفنانة اللبنانية تم عرضها في كل من لبنان وإيطاليا وإسبانيا وقطر وبعض دول الخليج، وهي اليوم تستكمل استعداداتها لإقامة معرضين في نيويورك ولبنان قبل نهاية العام الحالي.