إفلاس «بوردرز» يهز صناعة بيع الكتب

التراجع يعزوه البعض إلى الإقبال المتزايد على الكتب الإلكترونية في السوق

ستغلق الشركة 200 فرع من مجموع 650 وتسرح الكثير من موظفيها البالغ عددهم 19500 شخص خلال الأسابيع القادمة
TT

تقدم سلسلة متاجر التجزئة «بوردرز»، بعد 40 عاما حددت فيها معالم عصر المتاجر الضخمة لبيع الكتب، إلى الحماية من الإفلاس يوم الأربعاء الماضي، أخذت صناعة الكتب تتساءل عما سيجري لاحقا، وربما عن ما سيكون التالي.

تعود مشكلات «بوردرز» إلى سلسلة من الخطوات الاستراتيجية الخاطئة، وسرعة تغيير المديرين التنفيذيين للشركة والفشل في فهم الثروة الرقمية والمشكلات في عدد من النواحي في طريقة عمل «بوردرز» ذاتها. لكن في الوقت الذي رأى فيه الكثير من العاملين في هذه الصناعة المتقلبة الأخبار على أنها كانت متوقعة، إلا أنهم كانوا مدركين للصورة الكبيرة بأنه في عالم سريع التطور لبيع الكتب هناك دائما هامش بسيط للخطأ. ويقول مايكل سورس، المحلل المالي في «ستاندرد آند بور»: «تواجه صناعة بيع الكتب الكثير من الصعوبات في الوقت الحالي. فقد شهدنا تحولا واضحا، عندما بدأت متاجر الكتب في خسارة ريادتها، ودخول عدد كبير من متاجر الكتب السوق الأميركية، ومن ثم أتوقع أن يتواصل هذا التراجع في ظل الإقبال المتزايد على الكتب الإلكترونية في السوق».

كانت سلسلة «بوردرز» ينظر إليها في السابق على أنها أذكي سلسلة متاجر بدأت عام 1971 كمتجر للكتب المستخدمة في «آن أربور» بولاية ميتشغان. وخلال التسعينات، بدأت تلك الصورة في الذبول مع بدء حملة التوسعات الكبيرة للسلسلة، وساعدت في القضاء على الكثير من متاجر الكتب المستقلة. والآن، يتوقع أن تغلق الشركة 200 فرع من فروعها وتسرح الكثير من موظفيها خلال الأسابيع القادمة. تنتشر الفروع التي أعلن عن إغلاقها في عدد من الولايات منها ثلاثة في مانهاتن و35 في كاليفورنيا و15 متجرا في شيكاغو. وتدير الشركة أكثر من 650 متجرا ويعمل بها 19.500 شخص. وقالت «بوردرز» إن متاجرها ستظل مفتوحة خلال عملية إشهار الإفلاس وأن برنامج جوائزها لا يزال فاعلا، مشيرة إلى أن الشركة ستواصل تقديم كروت وقسائم الهدايا. وقد أدرجت الشركة ملف إشهار الإفلاس الذي تقدمت به إلى محكمة الإفلاس في مانهاتن 1.29 مليار دولار ديونا وأصولا بقيمة 1.27 مليار دولار. وبحسب الملف، فإن الشركة مدينة بـ272 مليون دولار إلى 30 من كبار دائنيها غير المضمونين - من بينها 41.1 إلى مجموعة «بينغوين» الأميركية. من جانبهم، عبر الناشرون، الذين أبدوا أسفا كبيرا على خسارة هذه الشركة العملاقة، عن أملهم أن يكون الإفلاس فرصة للشركة في إعادة اكتشاف نفسها مرة أخرى، لكنهم كانوا متشككين في الوقت ذاته في قدرة الشركة على التغلب على المصاعب المالية التي تمر بها. وقالت الشركة للناشرين يوم الأربعاء إنها تعمل على إعداد خطة طويلة الأمد لإعادة انطلاقها مرة أخرى. ويقول مايك إدواردز، رئيس الشركة في بيان له: «بات من الواضح بشكل كبير في ضوء مناخ تراجع إنفاق المستهلكين، أن مناقشاتنا الجارية مع الناشرين وبائعي الكتب الآخرين وافتقار الشركة إلى السيولة، فإن مجموعة (بوردرز) لا تمتلك مصادر رأس المال الكافية التي تمكنها من أن تكون منافسا قويا وكذلك الأموال الضرورية للمضي قدما في استراتيجية عملها للتواجد مرة أخرى بنجاح على المدى الطويل».

كان من بين النواحي التي تقدمت الشركة فيها بصعوبة بالغة بيع الكتب عبر الإنترنت، حيث تأثرت الشركة بصورة كبيرة بمنافسة مواقع مثل «أمازون» و«بارنز آند نوبل»، كما لم تنجح المتاجر الكبيرة مثل «وول مارت» في إقامة تجارة نشطة للكتب عبر الإنترنت، مما جعلها تتخلف عن اللحاق بـ«بارنز آند نوبل». وفي عام 2001، ربطت تجارتها للكتب على الإنترنت بموقع «أمازون»، لكنها انتظرت حتى عام 2008 لإعادة تدشين موقعها الإلكتروني. وقد أسهمت التقلبات في هيكل شركة «بوردرز» في إحساس بنوع من عدم الاستقرار على مدار السنوات العديدة الماضية. ففي الوقت الذي عملت فيه المتاجر الأخرى على خفض أو إلغاء أقسام الموسيقى والأفلام فيها، تخلفت «بوردرز» عن القيام بذلك لوقت طويل. كما افتتحت «بوردرز» عددا من المتاجر لها في الخارج، وهي الخطوة التي قال عنها محللون إنها أسهمت في إضعاف الشركة. فيقول مايكل نوريس، المحلل البارز في شركة سيمبا إنفورميشن، التي تقدم الأبحاث والاستشارات للناشرين: «لقد بالغوا في توسعهم. كان لديهم قناعة بأنهم إذا افتتحوا فرعا جديدا، فسيتمكنون من تحقيق النمو». ومع انطلاقة القارئات الإلكترونية دشنت «بارنز آند نوبل» قارئها الإلكتروني الخاص، ذا نوكي، الذي ينافس «كندل» القارئ الذي أنتجته «أمازون». في المقابل، كانت كتب «بوردرز» توزع على ستة قارئات مثل «كوبو» و«فيلوسيتي ميكرو كروز»، وقارئ «سوني» للجيب بوكت إدشن زفرانكلين إني بوك وقارئ «صوتي أشبه بالريموت كنترول». لكن أيا من هذه القارئات لم يكتسب شهرة لدى المستهلكين مقارنة بالقارئات الشهيرة مثل «كندل» و«نوكي». وخلال السنوات الخمس الأخيرة، انخفض سهم «بوردرز» وانخفض عدد العاملين بالشركة من 35.000 إلى 19.500 عامل. كما انخفض حجم مبيعاتها في الربع الثالث من العام الماضي بمقدار 12 في المائة ليصل إجمالي خسارتها 74.4 مليون دولار. وخلال مناقشاتهم مع الناشرين في «بوردرز» العام الماضي، قالوا إنهم على يقين من أن الشركة المتعثرة قادرة على تجاوز عثرتها، حتى إن البعض اقترح إلحاق ركن بتقديم المشروبات في بعض الفروع لتوفير أجواء أكثر اجتماعية على المكان. وقال المديرون التنفيذيون أيضا إنهم يعتقدون أن هناك إمكانية كبيرة في اندماج «بوردرز» مع «بارنز آند نوبل». بدأت الأزمة في «بوردرز» مع ديسمبر (كانون الأول)، عندما توقفت الشركة عن دفع الأموال للناشرين مقابل الكتب المنقولة خلال موسم الإجازات. وسألت الشركة الناشرين قبول سندات إذنية لأموالهم التي لم يحصلوا عليها، وهو الاقتراح الذي درسه الناشرون، لكنهم رفضوه في نهاية الأمر. والآن، يقف الناشرون الذين تأثروا بعدم دفع «بوردرز» فواتيرهم، ليقرروا ما إذا كانوا سيواصلون شحن الكتب إلى الشركة. وكان العديد قد قالوا إنهم غير مقتنعين بذلك نظرا لحالة عدم الاستقرار المالي الذي تعيشه الشركة. بينما قال آخرون إنهم سيدرسون ما إذا كانت «بوردرز» قادرة على الدفع النقدي، وهو إجراء تقول «بوردرز» إنها مستعدة لقبوله. وقال المتحدث باسم إنغرام بوك غروب، تاجر الجملة يوم الأربعاء إن الشركة توقفت عن بيع الكتب إلى بوردرز - بناء على طلب «بوردرز» - لكنها ستستأنف شحن الكتب عندما تسنح الظروف الملائمة. وقد قبل الناشرون الكبار على مضض خسارة ملايين الكتب التي قاموا بشحنها إلى «بوردرز» خلال الإجازات، تضم قائمة دائني «بوردرز» الآخرين «هاتشت بوك غروب»، و«سيمون آند سوتشستر»، و«راندم هاوس»، و«هاربر كولينز ومالكوم». وقالت المتحدثة باسم «بيغوين» في رسالة بريد إلكتروني، إن «الشركة تأمل أن تتمكن (بوردرز) من الخروج من هذه المحنة كشركة أصغر لكن كبائع تجزئة أقوى وسوف نعمل عن قرب مع إدارة (بوردرز) لدعم هذا التحول». وتتابع «بيغوين» التطورات في شركة «بوردرز» عن كثب لشهور وقد اتخذت الخطوات الملائمة لتخفيف الأثر المالي لإفلاس الشركة على «بيغوين». وقالت «بوردرز» إنها استطاعت تأمين مبلغ 505 ملايين دولار للتمويل من مقرضين، أهمهم «جي إي كابيتال» للحفاظ على استمرار عملياتها خلال عملية الإفلاس. ويقدر أحد الناشرين أن هذا المبلغ كاف لتسيير الشركة لفترة تتراوح بين اثنين إلى أربعة أشهر. كانت شركة «جي إي كابيتال» قد قدمت لشركة «بوردرز» 550 مليونا كالتزام قرض، مشروط ببلوغ الشركة مراحل معينة، ومن بينها تأمين قرض بـ125 مليون دولار. ويأتي هذا المبلغ كجزء من محاولة لإقناع الناشرين بقبول السندات الإذنية في مقابل الأموال التي لم يحصل عليها الناشرون.

ومن المتوقع أن يتحمل أكبر حاملي أسهم في الشركة - شركة «برشنغ سكوير كابيتال ماندجمنت» المملوكة لويليام أكمان، ورئيس مجلس إدارة المجموعة والمدير التنفيذي، الممول بينت إي ليبو - القاسم الأكبر من الأضرار جراء إفلاس الشركة. وكان أكمان وليبو قد رفضا ضخ استثمارات جديدة في الشركة في الوقت الذي سعت فيه إلى البحث عن تمويلات جديدة. وكان أكمان، بحسب أحد المصادر المطلعة في الشركة، قد اقترح العام الماضي إقراض «بوردرز» نحو 960 مليون دولار لتمويل دمج الشركة مع منافسها الأكبر «بارنز آند نوبل»، ولا يزال أكمان يدعم قيام اتفاق كهذا، لكن في حال تمكنت «بوردرز» من خفض عدد متاجرها. وتحاول الكثير من متاجر التجزئة، ومن بينها «أمازون» ومتاجر مستقلة أخرى، الاستفادة من خفض متاجر «بوردرز». وستكون «بارنز آند نوبل» أكبر المستفيدين من ذلك، بحسب بيتر والستروم، محلل مبيعات التجزئة في شركة «مورننجستر إكويتي ريسيرش»، الذي أشار إلى أن العملاء سيتوجهون إلى أقرب تاجر تجزئة آخر بعد إغلاق «بوردرز». كما يعطي ذلك «بارنز آند نوبل» الفرصة أيضا لتعزيز مكانتها بين الناشرين ومالكي العقارات، فيقول والستروم: «هل سيدفع ذلك (بارنز آند نوبل) للعودة مرة أخرى والقتال من أجل معدلات أقل مع مالكي عقاراتهم؟ أم أن ذلك سيحفز (بارنز آند نوبل) إلى التوصل إلى اتفاقات أفضل مع الناشرين والموزعين». صراع بوردرز كشركة عملاقة يختلف كلية عن نشأتها، فتذكر سوزان أورلين مؤلفة رواية «لص البستان»، كيف كانت تقضي ساعات في «بوردرز» في السبعينات، فتقول: «كنت طالبة في ميتشغان وكانوا يرحبون بي بحفاوة. كان متجرا رائعا للكتب، أصغر حجما وإنسانية إلى حد بعيد، شيء كأنه صنع يدويا».

* خدمة «نيويورك تايمز»