موقع أميركي للمواعدة حقق نجاحا كبيرا في الهند.. من دون قصد

مليونا مستخدم هندي يتزايدون بـ 7 آلاف شخص يوميا

حقق الموقع نجاحا بارزا على الرغم من أن المواعدة عبر الإنترنت داخل الهند لا تزال من المجالات الناشئة
TT

عام 2008، أطلق ثلاثة من الشباب في مانهاتن موقع «Ignighter.com»، وهو موقع على شبكة الإنترنت للتعارف بين الرجال والنساء يركز على الشباب في عقد العشرينات. وسعى الشباب إلى إضفاء طابع مميز على الموقع عبر الاستعانة بأعضاء للعمل في تنظيم لقاءات بين مرتادي الموقع - مثل الذهاب السينما أو الخروج في نزهة في «سنترال بارك» - برفقة مجموعة من الأفراد في محاولة لإزالة بعض التوتر الذي يسيطر على اللقاءات من هذا النوع.

خلال العام الأول للشركة، بذل المؤسسون الثلاثة - كيفين أوكي (26 عاما)، ودانييل أوسيت (29 عاما)، وآدم ساكس (28 عاما) - جهودا كبيرة للإعلان عن موقعهم واستضافوا حفلات ونشروا لافتات داخل الجامعات، ونظموا حملة كبيرة عبر «فيس بوك».

بحلول نهاية 2008، كان لدى «Ignighter.com» خمسين ألف مستخدم داخل الولايات المتحدة، وهو رقم جيد، لكنه ليس ضخما بما فيه الكفاية بمقارنته بمواقع المواعدة الأخرى التي تضم كثيرا من المنافسين الأقوياء.

في أبريل (نيسان) 2009، أثناء تصفحه إحصاءات زوار الموقع، لاحظ أوسيت، المسؤول عن التسويق، أن هناك حركة إقبال كبيرة من سنغافورة وماليزيا والهند وكوريا الجنوبية.

وقال ساكس: «لم نول هذا الأمر أدنى اهتمام بادئ الأمر، ثم رأينا أن هذا الأمر مثير للاهتمام».

بحلول يونيو (حزيران)، لم يعد بإمكان القائمين على الموقع الاستمرار في تجاهل هذه الحقيقية، وبخاصة في ما يتعلق بالهند التي فاق عدد الزائرين المنتمين إليها في ذلك الوقت أي دولة آسيوية أخرى. كان الموقع يجتذب المئات من المستخدمين يوميا، بصورة أسياسية من مدن مثل نيودلهي ومومباي وحيدر آباد وتشيناي.

وأوضح ساكس: «في يناير (كانون الثاني) 2010، اتخذنا قرارا بأن نجعل من موقعنا موقعا هنديا للمواعدة». واليوم، يضم الموقع قرابة مليوني مستخدم مسجل بالإضافة إلى انضمام 7 آلاف آخرين يوميا أصبح «Ignighter.com» أكثر المواقع الإلكترونية الهندية للمواعدة نموا.

وتكشف الأرقام أن عدد المستخدمين الذين يجتذبهم الموقع من الهند في أسبوع واحد يماثل عدد من يجتذبهم من داخل الولايات المتحدة في عام كامل. الشهر المقبل، من المقرر أن يفتتح الموقع مكتبا له في الهند وأن يوظف أكثر من عشرة موظفين محليين. وقد توقفت الشركة عن تطوير موقعها الأميركي، رغم استمرار عمله.

ومع تدفق التمويل على المواقع الإلكترونية الناشئة بصورة عامة، لفت «Ignighter.com» وإمكاناته داخل الهند أنظار المستثمرين. هذا الشهر، حصلت الشركة على تمويل بقيمة 3 ملايين دولار. والملاحظ أن 40 في المائة من المستثمرين بها يتخذون من الهند مقرا لهم، ومنهم راجان أناندان، المسؤول التنفيذي الأول لـ«غوغل» في الهند. داخل الولايات المتحدة، يلقى الموقع دعما من «بوينت جوديث كابيتال»، و«فاوندر كوليكتيف»، و«جي إس إيه فنتشر بارتنرز» وآخرين.

وأوضح سيان مارش، أحد الشركاء المؤسسين لـ«بوينت جوديث كابيتال» في بروفيدنس برود آيلاند، وأحد المستثمرين في الموقع، أنه من المعتاد أن يفاجأ القائمون على المواقع الإلكترونية الناشئة بأن السوق ليست على الصورة التي كانوا يتخيلونها، لكن غير العادي أن يختاروا الإنصات لما تخبرهم به السوق. ورغم أن إنشاء موقع للمواعدة بين الهنود لم يكن هدفهم الأصلي، قرر مؤسسو «Ignighter.com» تحويل المسار في لحظة حرجة. وشدد مارش على أنه «من المهم أن يتميز المرء بالمرونة عندما يكون من أصحاب الأعمال، وأن يذعن لمتطلبات السوق والعملاء».

لكن كيف وقعت هذه المصادفة السعيدة؟

يعتقد أوسيت أن بعض الشباب في الهند قرأوا عن هذه الخدمة في المنتديات المعنية بالتكنولوجيا مثل «ماشابل» و«تيك كرنش». ومن هناك، تطور الأمر لأسباب منها أن المواعدة عبر شبكة الإنترنت داخل الهند لا تزال من الصناعات الناشئة. ورغم أن عليها إقبال في المدن الكبرى مثل مومباي وحيدر آباد، فإنه لا يزال ينظر إلى مسألة ظهور رجل وامرأة غير متزوجين معا في مكان عام في الأجزاء ذات الطابع الحضري الأقل من البلاد باعتبارها من المحاذير.

الملاحظ أن مسألة وجود مجموعة تيسر إقناع الآباء والأمهات، ممن يساورهم القلق حيال سلامة أبنائهم والتزامهم الخلق الحسن، بتقبل الفكرة. وقد دفع ذلك روهان بهاردواج (23 عاما)، لإنشاء صفحة له على «Ignighter.com» الشهر الماضي. يعمل بهاردواج لدى موقع «Exclusively.In»، وهو متجر إلكتروني عبر شبكة الإنترنت يبيع سلع هندية فاخرة، ومثلما الحال مع الغالبية العظمى من أقرانه، لا يزال يعيش مع والديه. وقد سمع عن «Ignighter.com» من رئيسه في الولايات المتحدة - وهو الرئيس التنفيذي لـ«Exclusively.In»، التي تشارك «Ignighter.com» في مبنى إداري واحد في مانهاتن - ومن ابن عمه في كندا.

وكون بهاردواج مجموعة مع اثنين من أصدقائه وعمل بمثابة «سفير» هذه المجموعة وسأل اثنتين من الفتيات في العشرينات من العمر من نيودلهي لمقابلتهما. وبالفعل، رتبوا لقاء، وكان اللقاء الثاني في «هارد روك كافيه» في «ساكيت ديستريكت سنتر». ومنذ ذلك الحين، خرج في موعدين آخرين مع هذه المجموعة.

بالنسبة لأشخاص مثل بهاردواج، يملأ «Ignighter.com» فراغا يسمح لهم بالجمع بين نشاطات شبكات التواصل الاجتماعي وتكوين صداقات بعيدا عن شبكة الإنترنت من دون التعرض للضغوط التي تمارسها مواقع الزواج التي تهيمن على فضاء مواقع المواعدة الإلكترونية الهندية. وعلق بهاردواج على ذلك قائلا: «المواعدة الجماعية فرصة رائعة لم تتح من قبل».

إلا أنه في إطار ثقافة لا تزال فكرة المواعدة جديدة بها نسبيا، ربما يتعمد نجاح «Ignighter.com» في جزء منه على التغييرات الاجتماعية.

على خلاف الحال مع المواقع الأخرى المعنية بالزواج، يضع «Ignighter.com» مسؤولية التعارف الاجتماعي والمواعدة مباشرة في أيدي الشباب. في غالبية المواقع المهتمة بالزواج، توجد قوائم تضم أسماء الأبناء والبنات والأشقاء والأقارب. لكن ساكس قال: «في حدود علمنا، لا يوجد في موقعنا الكثير من الآباء والأمهات».

بوجه عام، تلقى مواقع الزواج في الهند ازدهارا، حيث تضم مواقع مثل «Shaadi.com» و«Jeevansathi.com» و«Bharat Matrimony» ملايين المستخدمين. وتقدر عائدات صناعة الزواج عبر الإنترنت في الهند بـ63 مليون دولار سنويا ومسجل بها عشرات الملايين من المستخدمين، طبقا لما ذكرته شركة «إمباور ريسرتش» المعنية بأبحاث السوق.

من جهته، أعرب غوراف ميشرا، من شركة «إم إس إل غروب»، التابعة لشركة «ببليسيز غروب» التسويقية، عن اعتقاده بأن «مواقع المواعدة لم تنجح في الهند. إن المواقع تنقسم إلى نوعين؛ إما مواقع شبكات تواصل اجتماعية أو زواج، أما مواقع المواعدة التقليدية، مثل (Match.com)، فلم تنجح في الهند».

بعد أن سمعت عن «Ignighter.com» من أصدقائها وزملائها، دخلت نافيا شريجوغي (26 عاما)، مهندسة تعمل في تشيناي، وتعيش في شقة مع اثنتين من زميلاتها، إلى الموقع وأنشأت صفحة لها عليه، لكنها أصيبت ببعض خيبة الأمل. وعلقت على ذلك بقولها: «معظم المسجلين في الموقع من المراهقين الذي لا يزالون في الجامعة ويرغبون في الاستمتاع بوقتهم ولا تبدو عليهم الجدية».

الواضح أن شريجوغي، مثل الكثير من بنات جيلها، لا يساورها قلق شديد حيال ضرورة مقابلة زوج المستقبل، حيث أشارت إلى أنها ستترك هذا الأمر لوالديها. وقالت: «لست بحاجة إلى القلق بشأن العثور على شريك لحياتي، حيث تبحث أمي وأبي في هذا المجال منذ عامين. كما أنني أحظى بالكثير من الأصدقاء والزملاء يمكنني الخروج معهم في عطلات نهاية الأسبوع، لذا لا أحتاج هذا الموقع». أيضا، اعترفت بأنها وصديقاتها يساورهن قلق حيال سلامتهن، في ما يخص مقابلة أغرب عبر مواقع المواعدة الإلكترونية.

ومع ذلك، اعترفت بأن الموقع بإمكانه جذب الكثير من الشباب ممن ينتقلون إلى المدن الكبرى، مثل تشيناي.

إلا أن ميشرا أبدى تشككه حيال إمكانية نجاح موقع مثل «Ignighter.com»، قائلا: «إن الهنديات لا يعرضن مجرد معلومات عامة عنهن على مواقع الزواج، بينما يفعل ذلك آباؤهم وأشقاؤهم. لذا؛ لا أتخيل أن تقدم هنديات على عرض معلومات عنهن على مواقع مواعدة. ومن أجل أن تبني موقع مواعدة ناجحا، يجب أن تكون هناك نساء».

إلا أنه طبقا للمعلومات الصادرة عن الشركة، فإن 40 في المائة من أعضاء «Ignighter.com» من النساء.

وعلى الرغم من أن سرعة التغيرات الثقافية والاجتماعية قد تحدد مدى نجاح الموقع داخل الهند، فإن هناك مؤشرات أخرى توحي بأنه يسير نحو النجاح، منها أن الهند تضم سوقا للإنترنت أقل تخمة عن نظيرتها الأميركية، ذلك أن نسبة صغيرة من السكان تتصفح الإنترنت، مما يخلق داخل الشبكة فرص تجارية واسعة أمام المواقع التي تظهر بها مبكرا.

* خدمة «نيويورك تايمز»