عزة بيضون: لم أعان من لقب «كارهات الرجال».. وخطابنا النسوي المستقل «غائب»

قالت لـ «الشرق الأوسط»: أدعو لـ«الرفق» بالرجل العربي وتفهم «الأزمة الوجودية» التي يمر بها

د. عزة شرارة بيضون («الشرق الأوسط»)
TT

في سرب مختلف، تحلق عزة شرارة بيضون، الباحثة اللبنانية في شؤون المرأة والجندر؛ فعلى الرغم من النظرة التقليدية لنساء بلدها بأنهن النموذج العربي «السوبر» للتحرر والمساواة الجندرية، فإن مؤلفات وأبحاث بيضون ما زالت مهمومة بواقع المرأة اللبنانية تحديدا والنساء العربيات عامة، من خلال أطروحاتها العلمية حول «النسوية» وأحوال المرأة، وقضايا العنف واتجاهات العقلية الذكورية، مما جعلها أحد الأسماء البارزة في الحركة النسوية العربية المعاصرة.

وقد حاز كتابها «الرجولة وتغير أحوال النساء» على اهتمام المعنيين بالأبحاث الجندرية، وجاء كدراسة ميدانية، مُنحت عليها جائزة العلوم الاجتماعية لمنظمة المرأة العربية عام 2007، حيث تطرقت في ثنايا الكتاب إلى لقب «كارهات الرجال» الذي ترى أنه استراتيجية نجحت في فرض الصمت على النساء، واعتبرت أن «الجندر ليس ما يتم (فعله) بنا فحسب، بل إن الجندر هو ما (نصنعه) نحن بأنفسنا».

وبيضون التي تلتقيها «الشرق الأوسط» اليوم في حوار قصير تم إجراؤه عبر البريد الإلكتروني، تؤكد أنها حساسة تجاه كل أنواع التمييز، بما فيه التمييز ضد الرجل، قائلة: «أنا من الداعيات للرفق بالرجل العربي!»، بينما تعترف بأن رغبة كثير من النساء العربيات في احتفاظ الرجال بامتيازاتهم الجندرية مسألة «باعثة على الإحباط»، وترى أن اللجوء إلى مفردات عالمية للقضية النسائية في العالم العربي هو أمر طبيعي، نتيجة غياب الخطاب النسوي المحلي المستقل عن التيارات السياسية والطائفية والقبلية.. فإلى نص الحوار:

* لقب «كارهات الرجال» الملازم للنساء اللواتي رفضن التمييز اللاحق بالمرأة.. هل عانيتِ منه؟

- في لبنان قلما نجد في الكلام المتداول ما يبرر وصف النساء بـ«كارهات الرجال»، سواء كن مناضِلات نسويات أم كن نساء عاملات في الشأن العام. وفي لقاءاتهم المشتركة، فإن الطرفين، النساء والرجال، يلتزمون أصول «اللياقة» في التخاطب. ومنذ انطلاق الحركة النسائية اللبنانية في عشرينات القرن الماضي، كانت النساء حذرات من إعلان الصراع الصريح مع الرجل، وتبنين استراتيجية استمالته إلى قضيتهن، وطلب مناصرته في طلبهن لإحقاق المساواة الجندرية؛ وحجة الحركة النسائية في ذلك كانت، على الدوام، أن رفع التمييز عن المرأة في المجالات جميعها يحرر المرأة من الجهل والتخلف، ويجعلها أكثر ملاءمة لمشاركة الرجل في العمل على تقدم المجتمع، أو على تحريره من المستعمر أو على تنميته إلخ.. وذلك بحسب الخطاب الرائج والراهن.

* أيعني ذلك أن «نسويات» لبنان بعيدات عن هذه التهمة الذكورية؟

- ما أحاول قوله إن الرجال لم تتوافر لديهم المسوغات ولا التبريرات التي تسمح لهم بإطلاق لقب «كارهات الرجال» على النساء عندنا، وذلك لأن هؤلاء النساء لم يطرحن قضاياهن، ولم يطالبن برفع التمييز اللاحق بهن بمواجهة الرجل، إنما بمواجهة النظام الاجتماعي المتخلف، القائم على الطائفية والعشائرية. ثم إنني لا أقول إن الرجال اللبنانيين يساندوننا في مطالبنا الرافضة للتمييز اللاحق بنا؛ فهذه المطالب تقع في أسفل سلم اهتماماتهم. لكنهم، في المقابل، ليسوا ناشطين ضدنا، فنحن لا نعرف في بلدنا ظاهرة الفتاوى التمييزية التي تشهدها بلدان أخرى. غير أن هؤلاء الرجال يتركوننا نصارع، وحدنا، القوى المناهضة للمرأة. وهذه القوى تقودها عندنا المؤسسات الدينية من كل الطوائف التي تقف حاجزا صلبا في وجه تعديل قوانين الأحوال الشخصية الطائفية البالية، مثلا، التي لم يطرأ عليها أي تعديل منذ أكثر من ثمانين سنة! وينضم إلى القوى المناهضة للمرأة السياسيون المتمسكون بنظامهم الطائفي البائس. هؤلاء يمنعون عن أولاد المرأة المتزوجة من غير اللبناني، مثلا، حصولهم على الجنسية اللبنانية بحجة عدم المساس بتوازن طوائفهم الأثير. وصانعو القرار من هؤلاء الرجال يتحججون بخصوصيتنا الثقافية ويتلكأون في تعديل مواد من قانون العقوبات، مثلا، تنطوي على تمييز فاضح للمرأة، وتتعارض مع أبسط حقوق الإنسان.. إلخ.

وللإجابة على الشق الأخير من سؤالك، أقول إنني أنا شخصيا، لم أعانِ من لقب «كارهة» الرجل؛ وذلك على الرغم من الغضب الذي لا أخجل في إظهاره، في حال شهدت تمييزا ضد المرأة. لكنني، وبحكم نسويتي، حساسة تجاه كل أنواع التمييز. وهذا يشتمل على التمييز ضد الرجل أيضا. فأنا، من الداعيات لـ«الرفق» بالرجل العربي وتفهم «الأزمة الوجودية» التي يمر بها في أيامنا الحاضرة، ومحاولة فهم الأسباب الكامنة خلف العنف العظيم الذي يمارسه على المرأة، لا لقبول ذلك العنف، بالطبع، إنما لمناهضته بشكل أكثر فعالية؛ لأن فهم أمر ما يسمح بالوقوف بوجهه بطريقة أنجع. والطريقة الأكثر فعالية، في حال العنف مثلا، تشتمل على دعوة الرجل إلى فهم أسباب عنفه على المرأة، وجعل «الفاهمين» منهم شركاء لنا في مناهضته.

* ماذا عن رغبة كثير من النساء العربيات في احتفاظ الرجال بامتيازاتهم الجندرية، ألا تحبطك؟

- معك حق. إن رغبة بعض النساء العربيات، وربما أغلبيتهم، في احتفاظ الرجال بامتيازاتهم الجندرية باعثة على الإحباط. لكن فهم أسباب تلك الرغبة ووظائفها في الاقتصاد النفسي للمرأة يزيل مشاعر الإحباط، ويضع رغبة هؤلاء النساء قيد التحليل والفهم، ومن ثم قيد التغيير.

فحين تتنازل المرأة عن حقوقها، هي تتخلى في الوقت نفسه عن مسؤولياتها وعن حريتها؛ فتربح بذلك راحتها من القلق المرافق لتحمل المسؤولية، وتتخفف من إدارة الحرية المتعلقة بخياراتها الحياتية؛ والقلق الذي تحدثه الحرية في نفوس الأفراد من الأمور المدروسة في علم النفس الاجتماعي. صحيح أن المرأة العربية المعاصرة أصبحت أكثر تأهلا للإمساك بزمام أمورها من أمها وجدتها من الأجيال السابقة، لكن يبدو أن الشروط المادية لهذه الحرية (العلم والعمل مثلا)، إن كانت ضرورية لتفعيل الحرية على الأرض، فإنها غير كافية، وينقصها على الأرجح، تراكم من النماذج والقصص الناجحة كي تترسخ أنموذجا شائعا صالحا للاقتداء به. أيضا، يرى الباحثون في الذكورة أن فحولة الرجل الجنسية محتاجة لأن يشعر بعلو شأنه بالمقارنة مع المرأة - شريكته. هكذا، فإن النساء يعملن على خفض ذواتهن أمام شركائهن من أجل بعث الوهم في نفوس هؤلاء بأنهم ذوو شأن عال. لذا، فإن المرأة حين تعزف عن طلب المساواة مع الرجل، فهي تقوم بحفظ إحساس شريكها بالتفوق، وبقدراته الجنسية؛ فهي تحدس بأن هذه القدرات قائمة على إحساسه بالتفوق، فتربح، عبر قبولها من دونيتها، قدراته هذه، مضافا إليها تضميناتها النفسانية والاجتماعية.

ويمكننا الكلام عن وظيفة إضافية لخفض الذات أمام الرجل تقوم بها المرأة - الأم لكونها الأكثر دراية بهشاشة أبنائها الذكور. هي أيضا تحاول الحفاظ على المنظومة الجندرية القائمة، لأنها تحفظ، بذلك، المحيط الحاضن لموقع ابنها المكتسب بفعل انتمائه البيولوجي. وهي لا تتوانى عن استخدام بناتها من أجل غرضها هذا. فهي تجعلهن يخفضن ذواتهن أمام إخوتهن الذكور تمرينا للطرفين على الأيام الآتية: الابن، الرجل الحاصل على الامتيازات، والابنة، المرأة المسلوبة الامتيازات؛ وذلك «أمانة» منها على تنفيذ الدور الذي أوكل إليها: التنشئة على الأدوار الاجتماعية، وترسيخ تراتب الأدوار الجندرية، من بينها. فهي تشعر بالرهبة أمام هذه المنظومة ولا تملك ما يعينها، لوحدها، على مخالفة قواعدها بمفردها، فتنصاع لها مدفوعة بالرغبة بحفظ مكانة أبنائها الذكور فيها. إن وضع موقف المرأة الرافضة للمساواة الجندرية في سياقه النفس - اجتماعي يزيل عن ذلك الموقف صفته الاعتباطية. وهو ما يساعدنا نحن النسويات لنتعامل مع هذه المرأة دون إطلاق الأحكام عليها. إن معرفة الأسباب الكامنة خلف اتجاهات المرأة القابلة بالتمييز الجندري في السياق الاجتماعي والثقافي للمرأة يفضي بنا لأن نقاوم الإحباط الذي تذكرين، ويجعلنا قابلين بالتحدي الكبير أمام الحركة النسوية في عالمنا العربي: جعل النساء نصيرات لأنفسهن في العمل على إحقاق المساواة الجندرية.

* ثورة الاتصال قربت الناس، لكننا لم نشهد تبادلا في الخبرات النسوية ولم تستفد النساء العربيات من تجارب نظيراتهن بالدول المجاورة كما هو مأمول.. ما تفسيرك؟

- لست متأكدة أن قصور التقريب بين الناس في بلادنا العربية خاصية نسائية، بل أجد أنه صفة عامة لبلداننا. الناس في لبنان، مثلا، يزورون البلدان الأوروبية والأميركية والآسيوية أكثر مما يزورون البلدان العربية. ثم ألا تستغربين عدم وجود شبكة من السكك الحديدية، مثلا، تربط البلدان العربية ببعضها، وتسمح بالانتقال السهل بينها؟

لكن بالعودة إلى سؤالك، أشير إلى أنه حين بدأ لبنان، مثلا، يستعيد عافيته من حروبنا، عُدنا للاتصال بالنساء العربيات؛ لكن ذلك حصل لا بمبادرة منا ولا من النساء العربيات، إنما بمبادرة من الأمم المتحدة التي كانت بصدد التحضير للمؤتمر العالمي الرابع للمرأة المعروف بمؤتمر بكين. فكان أن اجتمعت مجموعة كبيرة من النساء العربيات في عمان تحضيرا لذلك المؤتمر. وتداعت بعدها الاجتماعات واللقاءات بيننا في مؤتمرات وندوات لا تحصى، لكن غالبا بالتشارك مع الأمم المتحدة ومنظماتها، أو منظمات أخرى عالمية حكومية وغير حكومية، وبتوسل مفرداتها ومقارباتها وأطرها النظرية للمسألة النسائية. إن اللجوء إلى مفردات عالمية للقضية النسائية عندنا أمر طبيعي في غياب خطاب نسوي محلي مستقل عن خطاب الأحزاب السياسية والطائفية والقبلية والجهوية.. إلخ. من جهات استتبعت النساء اللواتي قبلن راضيات، وحتى أمد ليس ببعيد، بذلك الاستتباع وبالالتحاق بأجندة الرجال فيها. ما أود قوله هو أن النساء العربيات يلتقين حاليا كثيرا، ويستفدن من تجارب بعضهن؛ وتلعب وسائل الاتصال الحديثة دورا مهما في ذلك. لكن تلك الاستفادة تتم ببطء، ونشرها في وسائل الإعلام غير جذاب. بل إن حكومات الدول العربية أصبحت تشارك في ذلك اللقاء.

* كيف؟

- هل تعلم النساء العربيات، مثلا، أن الآليات الحكومية للنهوض بأوضاع المرأة التي أنشئت بعد مؤتمر بكين في كل البلاد العربية موجودة في منظمة جامعة لكل هذه الدول تابعة لجامعة الدول العربية؟ (أتكلم عن «منظمة المرأة العربية»). فاللجنة القانونية في هذه المنظمة، مثلا، تعمل على صوغ قانون للأحوال الشخصية يضمن تناسق هذه القوانين مع الاتفاقات الدولية التي وقعتها الدول العربية. هو قانون يطمح لأن يستفيد من تجارب النساء العربيات الأكثر نصرة للمرأة، من أجل تعميمها على بقية الدول العربية. ألا ترين معي أن هذا القانون سيكون ثمرة استفادة النساء العربيات بعضهن مع البعض الآخر؟

* خدمة «تجمع الباحثات اللبنانيات» تجربة لم تحصر نفسها في إطار الاهتمام بقضايا المرأة كعادة التكتلات النسوية المشابهة.. ما رسالتكن من وراء ذلك؟

- ما تقولينه صحيح؛ فالمتخصصات والباحثات في الدراسات النسائية والجندر لا يتجاوز عددهن أصابع اليد الواحدة. نحن مجموعة من نحو أربعين باحثة لبنانية، وأكثرنا أستاذات من مختلف المؤسسات الجامعية في لبنان؛ ونشاطنا البحثي يقع في ميادين مختلفة، اجتماعية ونفسية وصحية وفنية وتربوية.. إلخ. وما جمعنا لم تكن القضايا النسائية وشؤونها، إنما «الحالة النسائية». كنا بضع نساء نعمل في البحوث الاجتماعية، وكنا نسكن في غرب بيروت - وهذه البقعة من لبنان بقيت على قدر من التعدد الطائفي - في الثمانينات من القرن الماضي، زمن الحروب اللبنانية التي عزلت الناس في مناطق طائفية، وقلصت ساعات العمل في المؤسسات الثقافية، وخربت وسائل الاتصال فيما بين المثقفين، فبتنا شبه معزولات عن البعض الآخر، وعن العالم الخارجي. صحيح أن ما أقوله ينطبق أيضا على الباحثين الرجال، لكن، ولأننا نساء فإنه ينطبق علينا بدرجة أكبر بسبب وظائفنا الإضافية كربات بيوت وأمهات، التي حتمت علينا التزام بيوتنا أكثر من الرجال.

* وماذا حصل؟

- هكذا، تنادينا لنلتقي، ولكي نتبادل الخبرات والمراجع والأفكار فيما بيننا. ثم ما لبث أن انضم إلينا، بعد توقف الأعمال الحربية، مجموعة نسائية شبيهة من شرق بيروت لنؤسس معا «تجمع الباحثات اللبنانيات»، كانت غايته الأساسية «جمع الباحثات ودعم إنتاجهن والدفاع عن حقوقهن»؛ وذلك، أساسا، بتوفير فسحة للباحثات اللبنانيات من أجل اللقاء والتفاعل الفكريين، وبالعمل على استدراج دعم مالي من المؤسسات المانحة التي تشجع البحث. كما أننا نحاول دعم الباحثات الناشئات بدعوتهن للمشاركة في نشاطاتنا أملا في تحفيزهن إلى الانتساب إلى جمعيتنا. هذه هي «رسالتنا».

* أطلق «التجمع» مؤخرا كتابه السنوي «الممارسات الثقافية للشباب العربي».. ما المشهد الأبرز الذي لفت انتباهك في هذا العمل؟

- اسمحي لي أن أعرف قراءك، أولا، بكتابنا السنوي بشكل عام؛ فكتابنا الذي ذكرتِه هو المجلد الرابع عشر من سلسلة من المجلدات تناولنا في كل واحد منها موضوعا معينا بدا لنا راهنا ويستحق البحث. وتبادر إلى اختيار موضوع الكتاب السنوي، وتقوم بتطوير عناوينه، لجنة من التجمع، لكن الموافقة عليه تتم ديمقراطيا في هيئة التجمع العامة. وتقوم اللجنة التي طرحت الموضوع بعملية إصدار الكتاب في كل مراحلها. هذه اللجنة تتشكل كل مرة من الأعضاء مداورة. والجدير ذكره أننا نعمل على استكتاب باحثين من الرجال أيضا - لا من النساء فحسب؛ ونسعى، أيضا، إلى إشراك باحثات وباحثين من العالم العربي كله.

كتابنا السنوي لهذه السنة موضوعه ما زال مطروحا في بلادنا العربية. وهو تناول إنتاج الشباب واستهلاكه للثقافة: نتكلم عن إنتاج واستهلاك الأفلام السينمائية والمسلسلات والبرامج التلفزيونية، عن الموسيقى وعن الغناء، ونتكلم عن المسرح كتابة وتمثيلا وإخراجا وجمعيات، نتكلم عن الإنتاج الأدبي، عن المطالعة بأشكالها، وعن الإنترنت ووظائفه المتعددة، وعن تزجية أوقات الفراغ والممارسات اليومية.. إلخ. من مواضيع تقع بمجملها تحت عنوان «الممارسات الثقافية» للشباب. وقد استجاب لنا 24 باحثا وباحثة من البلدان العربية: من المغرب والمشرق والجزيرة العربية، ومن الشتات. كما أفردنا قسما لشهادات الشباب وعيشهم للثقافة المعروضة في هذه البلدان. فتشكلت عبر إسهامات هؤلاء جميعا صورة غنية ومتنوعة ومتحركة لشبابنا العربي من الصعب وصفها بكلمات قليلة؛ لكن ما أستطيع قوله في هذه العجالة إن الشباب العربي، مقيما في بلاده كان أم مغتربا، لم ينفصل عن ثقافة الماضي، لكنه يبادر إلى استخدام وسائل التقنية الحديثة ويعمل، دون تردد، على مزج المحلي بالعالمي، سواء في إنتاجه للثقافة على أنواعها، أو في استهلاكه لمنتجات تلك الثقافة.

* الجيل الجديد من الشابات اللبنانيات.. بماذا اختلف عن جيل عزة بيضون؟

- لا أدري إذا كان بوسعنا وصف «جيل» من النساء بأوصاف شاملة. نتائج أبحاثي التي اتخذت النساء وشؤونهن موضوعا رئيسيا لها تتطلب مني الحذر في تعميم صفة ما على نساء من جيل واحد. أنا وصديقاتي في مطلع شبابنا، مثلا، لم نختبر التمييز الجنسي ضدنا، فكان أن أتيحت لنا الفرص نفسها التي أتيحت لأشقائنا الشباب في التعليم وفي الولوج إلى الفضاء العام وفي أكثر نواحي حياتنا الخاصة ؛ فنحن لم نُمنع، مثلا، من التعليم العالي بحجة ضرورة الزواج، ولم تحظر علينا المشاركة في المظاهرات، وتزوج بعضنا من رجال من طوائف دينية مغايرة لطوائفنا.. إلخ. كان يكفي أن أهتم بالشأن العام لأكتشف كم هي حالتي وصديقاتي خاصة، ولأرى بالملموس حجم العنف والتمييز السائد في مجتمعاتنا ضد المرأة.

* وهل تغير الوضع الآن؟

- لعل ما يميز المرأة من الجيل الجديد، إذا شئتِ تسمية النساء الشابات بذلك، هو عدم قبول التمييز الذي ما زال يُمارس عليهن، وكأنه قدر لا راد له. صحيح أنهن غير منخرطات بشكل واسع، مثلا، في التيار النسائي المدني المطالب بتغيير القوانين التمييزية ضد النساء، لكنهن يتجهن لرفض الخضوع لتضمينات هذه القوانين كل واحدة منهن بمفردها. يشهد على ما أقول تزايد أعداد الطلاق الذي تبادر إليه النساء في مجتمعاتنا، ويشهد عليه أيضا ارتفاع سن الزواج، وما ينطوي عليه ذلك من المخاطرة بالعزوبة الدائمة. وأخمن أن السعي للعلم وللعمل وللاستقلال المادي أصبح شرطا ملازما لهوية الشابة المعاصرة، ولم يعد ترفا أو امتيازا. أخمن أن شابات هذا الزمن أكثر حرصا على الاحتفاظ بزمام أمورهن، ويهيئن أنفسهن لذلك الاستقلال. ألا توافقينني رأيي في ذلك؟!