أشهر مقهى في طنجة زواره نجوم ومشاهير عالميون وعمره يقترب من قرن

يقدم الشاي الأخضر المنعنع لزبائنه ويتيح لهم تأمل مضيق جبل طارق في هدوء

«مقهى الحافة» المفضل للمشاهير من عوالم الفن والسياسة والثقافة، سواء المغاربة منهم أم الأجانب («الشرق الأوسط»)
TT

يوشك هذا المقهى أن يكمل قرنا كاملا، واشتهر هذا المقهى بأنه المكان المفضل للمشاهير من عوالم الفن والسياسة والثقافة، سواء المغاربة منهم أم الأجانب، ممن يتاح لهم زيارة طنجة، كما عرف عنه أنه المكان الذي يرتاده زبائن من جميع الجنسيات، اشتهر باسمه «مقهى الحافة» ويعد أشهر مقاهي طنجة على الإطلاق، حيث ذاع صيته في أوروبا وأميركا والعالم العربي.

لا بد لزائر المدينة، إن كان رساما أو شاعرا أو روائيا، أن يسأل عن «مقهى الحافة» الذي ورد ذكره في عدد من أشهر الروايات العالمية. المقهى ذو بناء بسيط ويقع على هضبة مطلة على مضيق جبل طارق، مقهى تغلفه البساطة من كل جانب، لكن حين تجلس فيه تسرح في أجواء من الرومانسية والهدوء، كراسيه وطاولاته بسيطة ولا توجد به تصاميم حديثة، إذ هو مكان يمنحك الهدوء لحظات الصفاء والشاعرية، تسرح فيه ببصرك لتطل منه على جبل طارق وأوروبا.

اعتبر عدد كبير من كتاب ومشاهير «مقهى الحافة» مصدر إلهام كبيرا وهدية من الطبيعة، تزيل عنهم الملل، ويزوره دبلوماسيون من دون ربطات عنق وبذلات، حيث يمضون الوقت في رشف الشاي وتأمل زرقة المضيق والتسلي بمشهد النحل الذي يتجمع حول أكواب الشاي الأخضر شديد الحلاوة.

وكان الإسبان من عشاق المقهى لأنه يضعهم مقابل شواطئ بلادهم، حيث تبدو الشواطئ الإسبانية قريبة جدا، وهي التي لا يفصلها عن البر المغربي أكثر من 14 كيلومترا.

يشتهر «مقهى الحافة» بأنه كان قبلة لشخصيات وعوالم مهمة من داخل المغرب وخارجه، أمثال الروائي الأشهر محمد شكري، وكذلك الطاهر بن جلون، الروائي الذي حصد عددا من الجوائز الأدبية الفرنسية والعالمية الرفيعة، والكاتب الأميركي بوول بولز الذي اختار الإقامة في طنجة منذ عام 1935، وكذلك المؤلف الأميركي تينسي ويليامز والكاتب الإسباني لويس إدواردو، الذي قال عن المقهى «مقهى الحافة جنة للباحثين عن التأمل، إنه مكان للراحة ونسيان الهموم أمام بحر يتمدد بين الشواطئ الأفريقية المغربية والشواطئ الأوروبية الإسبانية. في هذا المكان لا رفيق إلا كأس الشاي الأخضر الممزوج بمذاق النعناع».

ومن المشاهير الذين احتسوا كؤوس الشاي في المقهى أعضاء فرقة «البيتلز» البريطانية، ومغني الروك الأميركي الأسطورة جيمي هاندريكس، والمخرج المسرحي العالمي صامويل بكيت، كما يعرف مقهى الحافة بأنه شهد لقاءات جمعت بين أبطال الحركة الوطنية ومجاهديها وعلى رأسهم الزعيم المغربي علال الفاسي.

يقول عبد السلام الهواري، وهو واحد من أقدم مستخدمي المقهى، إنه قبل عام 1921، كان المكان مجرد خلاء، لا أثر فيه للحياة، ليس به إلا أشجار ومنعرجات وعرة لا يزورها ولا يمر منها أحد، لكن با محمد، مؤسس هذا المقهى، عمل لشهور طويلة في اقتلاع الصخور العملاقة وبعض الأشجار حتى حول ذلك المرتفع في المكان الموحش والمقفر، إلى مدرجات وحقل صغير شيد عليه مقهاه الذي سمي منذ ذلك الزمان بـ«مقهى الحافة».

ويتابع عبد السلام الهواري قائلا: «عندما فتح هذا المقهى أبوابه، كانت طنجة تعيش وضعا غريبا أشبه ما يكون بالسريالية السياسية. كانت طنجة تخضع منذ أوائل القرن العشرين، لحماية دولية، وكانت بلدان مثل إنجلترا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وغيرها تتقاسم السيادة على المدينة، وهذا ما جعلها مستقرا للكثير من الجنسيات، حيث تحولت إلى بوتقة تتمازج فيها الأصباغ البشرية فتعطي لونا واحدا للمدينة».

ويرى محمد العسوفي، واحد من الرواد الأوفياء للمقهى، أن مقهى الحافة ليس مقهى عاديا، لأنه يحمل في جنباته الكثير من الحكايات والكثير من ذكريات الماضي، إذ كان دائما المكان المفضل لزبائن من عينة خاصة جدا، ليس من المغاربة فقط، بل زبائن من كل الجنسيات ومن كل الأديان، مضيفا أن الكثيرين يعتقدون أن البحر هو الذي منح هذا المقهى شهرته، ويرى آخرون العكس ويقولون إن المكان هو الذي يمنح متعة النظر للمضيق، لكن في كل الأحوال فإن البحر والمقهى يتبادلان المصالح ويمنح كل طرف جزءا منه للطرف الآخر.