لايدي غاغا تبدد غيمة باريس في عرض «موغلر»

أصداء زلزال طرد جون غاليانو يتردد اليوم أكثر مع عرض آخر تشكيلة له لدار «ديور»

TT

إذا كان زلزال جون غاليانو قد هز عالم الموضة في الأسبوع الماضي، ولا تزال أصداؤه تتردد في كل أنحاء العالم، بين مصدق وغير مصدق، فإن هذا الصدى سيتردد اليوم الجمعة أكثر من أي يوم مضى. فاليوم ستقدم فيه دار «ديور» عرضه الأخير في متحف «لو رودان». طبعا هو لن يكون موجودا، ولن يحيي الجمهور في آخر العرض وهو متقمص شخصية قبطان أو ربان أو نابليون وغيره من الشخصيات التي انتهت نهاية تراجيدية مثله، لأنه كما يقال توجه منكسرا إلى الولايات المتحدة لدخول مركز تأهيل وعلاج يستعيد فيه أنفاسه ويرتب أوراقه بعد هذه النهاية التي لم يكن أحد يتوقعها.

فبالنظر إلى تاريخه مع الدار، الذي يمتد عبر 14 سنة، لا يمكن إلا الشعور بالحسرة على هذه النهاية، التي كان يفضل جميع محبيه أن تكون بطريقة أفضل يحتفظ بها بقليل من ماء الوجه. لكن على ما يبدو فإن عبقريته لم تشفع له في وجه ماكينة إعلامية لم يكن بإمكان «ديور» تجاهلها. فالأزياء الجاهزة للبيع، بل إن الموضة عموما بالنسبة للكثير من دور الأزياء والمجموعات التي تملك هذه البيوت، تجارة. وعندما تقول نجمة مثل ناتالي بورتمان إنها لن ترتدي أي زي من أزيائه بعد الآن، لأنها لا تريد أن يرتبط اسمها باسمه، فإن هذه إشارة إلى أن أرباح الدار مهددة، عدا مكانتها، وبالتالي كان ضروريا بالنسبة لها، لكي تجنب نفسها أي خسائر، أن تضحي بغاليانو وبمستقبله، ليس معها فحسب، بل ككل.

بسبب دراما غاليانو كانت غمامة سوداء تخيم على أسبوع باريس منذ البداية، وكان لا بد من شخص بحجم لايدي غاغا لكي يغطي عليها فتتوقف الأحاديث والتكهنات حول مصيره وملابسات طرده وتبعات كل هذا على مستقبله المهني وحالته النفسية، وهلم جرا. وهذا ما كان، من وسط هذه الغمامة أطلت لايدي غاغا معلنة أنها جاءت إلى باريس كعارضة. وفجأة نسي الجميع ولو لوقت قصير جون غاليانو وأصبح عرض دار «موغلر» عرضا ساخنا، كونها ستشارك في أول عرض يقدمه الشاب نيكولا فورميشيتي للدار. غني عن الذكر أن الأمر يعتبر بالنسبة لأي مصمم شاب خبطة إعلامية لا تقدر بثمن، لأنها لم تلفت الأنظار إلى عرضه فحسب، بل استقطبت له حضورا مهما، وإن لم يخيب بدوره التوقعات، وقدم عرضا متكاملا نجح في انتزاع ابتسامات من أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية، لم تتمكن من إخفائها عن عيون من كانوا يراقبونها على الرغم من محاولتها الاختباء وراء نظاراتها السوداء الضخمة. وهذ يعني أنه دخل نادي المصممين الذين يتوقع لهم مستقبلا في باريس التي باتت تحتاج إلى دماء شابة. ظهرت لايدي غاغا في قطعتين، الأولى بالأسود والثانية بالأبيض، لكن القاسم المشترك بينهما أنهما يبدوان من عالم آخر، كأنهما مستوحيان من الخيال العلمي، أو ربما هو فقط تأثير لايدي غاغا.

ما جعل العرض شيقا، إلى جانب مساهمتها الفعلية فيه كعارضة، أنها هي التي أنتجت وجمعت الموسيقى التي جعلت كل الحضور يتحرك يمنة ويسرة وهو يدق بأقدامه على الأرض وكأنهم ينتظرون فقط إشارة خفيفة لكي يحولوا منصة العرض إلى ديسكو. أما كيف نجح فورميشيتي في تحقيق هذه الخبطة الإعلامية فبحكم معرفته السابقة بالمغنية وتعاملها معه كخبير أزياء. وعندما وقع عليه اختيار دار «موغلر» ليصبح مصممها الفني، طلب منها المشاركة، ولم تمانع، لأنها بدورها مسحورة بعالم الموضة، رغم أن الأزياء التي قدمتها أول من أمس تختلف عما تعودت عليه. فهي ليست بتلك الغرابة التي تثير الصدمة، بل العكس يمكن لأي امرأة أنيقة وواثقة من نفسها أن تأخذ منها قطعا توظفها بالشكل الذي يتماشى مع أسلوبها بسهولة. لكن هذا لا يعني أنها غيرت الدفة تماما وعرضت أزياء موجهة لامرأة هادئة أو كلاسيكية، لأن الفستان الأبيض الذي يفترض أن يكون لعروس لم يكن عاديا بالمفهوم التقليدي، ولا الماكياج المستوحى من فتيات الغيشا، وحتى الطرحة جاءت على شكل عاكسة ضوء أباجورة. لحسن الحظ كانت هناك أزياء تخاطب امرأة أنيقة وغير استعراضية، تمثلت في فساتين مفصلة وبسيطة باستثناء الأكتاف العالية بشكل لافت، وتنورات بتفاصيل على شكل كشاكش خفيفة تتماوج من جهة واحدة أو حتى بنطلونات بخصور عالية.

في الأخير يخرج المرء من العرض وهو يشعر أن لايدي غاغا سرقت الأضواء من فورميشيتي لأن كل ما فيه كان عنها، بدءا من موسيقاها إلى أسلوبها. فحتى العارضات من مثيلات جيسيكا ستام وكوكو روشا وأليك ويك، كن بماكياج يحاكي أسلوبها وهن يتخايلن على المنصة مترنمات بأغنياتها التي كانت تصدح على الخلفية.

على العكس تماما من عرض «موغلر»، قدم التركي هاكان يلدريم تشكيلة معقولة جدا من حيث أناقتها التي تخاطب الواقع. فهذا المصمم ومنذ التحاقه بأسبوع باريس في الموسم الماضي وهو يؤكد أنه من المصممين الذي ستحسب لهم العاصمة الباريسية ألف حساب في المستقبل. لخريف وشتاء 2011 قدم مجموعة تضمنت الكثير من البنطلونات الواسعة بعدة خامات وألوان، تم تنسيقها مع قمصان بياقات وكنزات بياقات عالية وجاكيتات بسيطة، بينما نسق الجاكيتات الضخمة مع تنورات طويلة، ماكسي. قدم أيضا فساتين قصيرة تعانق الجسم، وتصاميم بإيحاءات رجالية تتماشى مع موضة هذا الموسم، لكنها في كل الأحوال تخاطب امرأة كلاسيكية عصرية تريد قطعا تبقى معها طويلا، ويمكن أن تلعب بها كيفما شاءت من دون أن تبدو وكأنها من موسم معين.

في تشكيلته الخامسة لدار «روشا» قدم المصمم السويدي الأصل، ماركو زانيني، تشكيلة أرادها أن تكون لامرأة أنيقة أولا وأخيرا، مهما كان أسلوب حياتها، وأينما كانت تعيش. للنهار كانت هناك الكثير من القطع الصوفية بألوان الأزرق النيلي والأحمر الخمري، نسقها مع تنورات من حرير بثنيات أو بليسيهات خفيفة تلامس الركبة بالكاد، إلى جانب قطع مفصلة بألوان الرمادي مع لمعة، فضلا عن تنورات مستقيمة ومعاطف من الكشمير أو فساتين ناعمة من قماش البروكار تنتفخ من الظهر بشكل عصري، نسقها مع قفازات من الفرو. هنا أيضا كانت هناك قصة حب خفية بين الأنثوي والذكوري في المجموعة المخصصة للنهار، زادتها القبعات المصنوعة من الفرو قوة.

أما للمساء فلعب على ألوان البشرة والأسود والمشمش، سواء في فساتين طويلة أو قصيرة من الساتان، بياقات عالية ومن دون أكمام أو دون أكتاف، بعضها منساب ببوهيمية ساحرة، وبعضها الآخر تهادى كشلال من البليسيهات المثيرة. لكن القاسم المشترك بين هذه الفساتين هي جيوبها المستترة، التي تأخذ بعين الاعتبار أن حقائب اليد أصبحت بأحجام لا تكفي لحمل كل ما تحتاج إليه المرأة، لهذا فهي قد تستعين بهذه الجيوب، إن لم يكن لوقفة واثقة ولا مبالية أو لتدفئة يديها، فلحفظ بطاقة ائتمان أو قارورة عطر ميكروسكوبية الحجم، أو دبوس ترفع به شعرها إلى أعلى بعد حفل راقص ترتفع فيه درجات الحرارة فجأة.

زانيني شرح أنه قبل أن يبدأ في تصميم هذه التشكيلة سأل نفسه: «كيف أحدد الأناقة؟»، وكان الجواب صعبا حتى بعد أن وسع نطاق بحثه. وفي الأخيرة توصل إلى أن الأناقة لا تحدد بأسلوب معين، وهذا ما دفعه لتصميم تشكيلة تحدد ما تعنيه الأناقة بالنسبة له شخصيا. ولا شك أن مفهومه سيروق للمرأة هذه المرة مقارنة بتشكيلته في الموسم الماضي، التي أثارت جدلا بين معجب ومستنكر. فقد عاد فيها إلى جذوره السويدية، الأمر الذي لم يرُق للكل، لكن ما قدمه أول من أمس كان عالميا، يتحدى المكان والزمان.

من جهتها شرحت الفرنسية آن فاليري هاش أنها لخريف وشتاء 2011 تبحث عن الجمال الداخلي، لكن ما يحسب لها أن ما طرحته كان جميلا أيضا من الخارج، يحمل كل بصماتها المنطلقة وميلها إلى المريح، الذي أخذ بعدا أكبر هذه المرة، فقد كانت بعض القطع مريحة كما لو كانت «بيجاما» تدعو لاحتضانها، خصوصا مع برودة الطقس في الخارج. كل القطع تميزت باتساعها وألوانها الهادئة وطبقاتها المتعددة، التي تخفي الكثير من العيوب، وتجعل الموضة لعبة ممتعة، إلى جانب معاطف وجاكيتات مفصلة بطريقة تحاكي الهوت كوتير. وهذا ليس غريبا على آن فاليري التي بدأت في هذا المجال وتألقت فيه، وكان بإمكانها الاستمرار فيه لولا الحالة الاقتصادية التي تطلبت منها التوقف لفترة تركز فيها على جوانب أخرى، أكثر تسويقا.