أسواق «الكرفانات» تنتعش في بغداد

أصحابها يبيعون على الأرصفة هربا من الإيجارات العالية والضرائب.. وأمانة العاصمة تهدد بإزالتها

بائع مصابيح غاز في أحد أسواق العراق (أ.ب)
TT

تعتبر أرصفة بغداد خير مكان للعمل التجاري المربح، وخير نصير لأصحاب الدخل المحدود والعاطلين عن العمل لكسب قوتهم اليومي؛ ففي سنوات الحصار الذي فُرض على العراق في تسعينات القرن الماضي شاع استخدام ما يطلق عليه العراقيون «البسطيات»، وهي مناضد توضع فوق الأرصفة وتكدَّس فوقها أنواع مختلفة من البضائع، وحسب الاختصاصات، سواء أكانت ملابس أم سجائر أم مواد غذائية أم إلكترونية، وأحيانا توضع هذه البضائع فوق الرصيف مباشرة. أما اليوم ومع اتساع أعداد العاطلين، وبينهم خريجو الجامعات، بل وأصحاب الحرف وصغار التجار الذين تركوا محلاتهم لارتفاع بدلات الإيجار، لجأ هؤلاء لاستخدام الأكشاك مختلفة الأحجام، ويسميها العراقيون «الكرفانات» ووضعها فوق الأرصفة في المناطق التجارية، مثل الكرادة وبغداد الجديدة والكاظمية، أو في المناطق الشعبية ووسط الأحياء السكنية وفي المناطق المتروكة، لتتحول إلى صالونات حلاقة ومكاتب عقارات ومحلات لبيع الأغذية والملابس.

يقول أبو مصطفى (55 عاما)، ويعمل خياطا للملابس النسائية والرجالية: «تركت المحل الذي كنت أعمل فيه لبعده عن سكني ولارتفاع بدل إيجاره واستأجرت كرفانا بقيمة 300 ألف دينار (250 دولارا) لأمارس المهنة الوحيدة التي أجيدها ولكن ما إن ثبتت قدمي في المحل الجديد القريب من منطقة سكني إلا وفوجئت بقرار الإزالة من قبل البلدية بحق المحال المتجاوزة».

وفي أحد الأحياء السكنية نصبت أم مازن كرفانا لها قرب دارها خصص كصالون للحلاقة النسائية تقول: «إن إيجار المحل في منطقتنا يبلغ 900 ألف دينار (750 دولارا)، فضلا عن أن صاحب العمارة يطلب إيجارا لمدة سنة؛ لذا قررت أن أشتري كرفانا صغيرا بـ2.5 مليون دينار (أكثر من ألفي دولار) ووضعته قرب داري لأوفر لقمة الخبز لزوجي المقعد وأطفالي الصغار بعيدا عن الإيجار ومفتشي الصحة والبلدية».

ويؤكد رياض طالب (57 عاما) لوكالة الأنباء الألمانية، أن «الكرفان الذي يشغله كدلال للعقارات (سمسار) مؤجر من قبل الجمعية». ويضيف أنه كان يملك مكتبا كبيرا في حي آخر، إلا أنه اضطر لتركه بعد أعمال التهجير التي جرت عام 2006.

إلا أن الكرفانات لم تقتصر على هذه المهن، بل تجاوزتها لتكون دكاكين جزارة ليبيع اللحوم والأسماك، ويعلل القصاب أبو كرار سبب إقبال الزبائن على محله إلى أنه «يبيع اللحوم بأسعار مخفضة لأنه لا يدفع تكاليف الكهرباء والإيجار والضرائب الأخرى؛ فهو يتخذ الكرفان والساحة التي حوله كحظيرة لتربية الأغنام والأبقار تمهيدا لبيعها أو ذبحها؛ لذا فإن سعر كيلو اللحم لديه 12 ألف دينار (10 دولارات تقريبا) مقارنة بـ16 ألف دينار (13 دولارا) سعره في السوق».

وتباينت آراء المواطنين الساكنين بالقرب من الكرفانات، بعضهم طالب الجهات البلدية بإزالتها لما تسببه من إزعاج وضوضاء وفضلات ترمى بالقرب من دورهم، والبعض الآخر نظر إلى القضية بنظرة إنسانية وحمل الجهات الحكومية مسؤولية إفراز المجتمع فئة تعتاش على العمل المضني في مناطق متجاوز عليها تعود للدولة دون خدمات أو رقابة من المراكز الصحية أو متابعة الجهات الحكومية ذات العلاقة.

لكن المهندس أسامة مهند طالب الحكومة بتحديد مواقع لوضع الكرفانات بشكل مرتب وتجهيزها بالكهرباء والماء أو بناء محلات تجارية حديثة بدلا عنها، مما يسهم في التخفيف عن كاهل تلك العوائل ويجبر أصحاب العمارات على تقليل بدلات الإيجار ليكون باستطاعة أصحاب المهن الحرة العمل فيها.

واعتبر حكيم عبد الزهرة، الناطق الرسمي باسم أمانة بغداد أن «كل تجاوز على الأراضي والشوارع يخالف التصميم الأساسي للعاصمة فإنه غير شرعي ومناف للقانون ومرفوض ولا يمكن القبول به».

وأضاف حكيم أن «أمانة بغداد تقوم بين فترة وأخرى بحملات لرفع مثل هذه التجاوزات المتمثلة بالكرفانات والأكشاك الموجودة في الشوارع أو الساحات أو أي شيء من هذا القبيل، التي يعتبر وجودها في هذه الأماكن غير مشروع».

وشاطرت هيئة خدمات بغداد في مجلس المحافظة الأمانة الرأي بعدم وجود شرعية وقانونية لهذا النوع من المشاريع. وتقول عضو الهيئة نوال صادق تقي: «إن هذه الكرفانات وغيرها من المشاريع المماثلة لا يوجد لديها أي وجود شرعي على أرض الواقع»، مستدركة: «إنها تكتسب الشرعية في حال إذا كانت هذه الكرفانات أو الأكشاك مؤجرة بعد عرضها للمزايدة ورسوها على أحد المزايدين وفق قانون بيع وإيجار أموال الدولة على أرض تابعة لأمانة بغداد أو للمحافظة».