المرأة «أخت الرجال» مطلوبة في زمن التغييرات

ممارسة المهن الخشنة توحي بالثقة

آمال أبي خليل مع فريق عملها
TT

في الماضي القريب، كان لقب «أخت الرجال» يطلق على الفتاة الوحيدة بين عدة إخوان ذكور، وجدت نفسها وبصورة غير مباشرة تتأثر بخشونتهم فتقص شعرها وترتدي البنطال والحذاء الرياضي، ولا تضع الماكياج والإكسسوارات، وتساعد والدتها في حمل «جرن الكبة» أو إزاحة سرير غرفة النوم المصنوع من خشب الجوز ثقيل الوزن.

لكن في الظروف الاقتصادية اليوم وفي ظل التغييرات الجذرية التي طرأت على نمط العيش لدى اللبناني، فإن هذا اللقب صار يرافق المرأة التي تمتهن مهن الرجال مثل ميكانيك السيارات والسنكرية وقيادة سيارات الأجرة، وحتى في مهنة الحراسة الشخصية وغيرها.

وتقول آمال أبي خليل، التي تعمل في السنكرية وتملك فريقا كاملا من الرجال يساعدها في مهنتها، إنها دخلت هذا المجال عن سابق تصمم وتصوير، عندما اقترح عليها زوجها الذي يعمل في مجال الطيران (قبطان طائرة) أن يحضر لشركة سنكرية تكون ملجأه ومورد رزقه عندما يبلغ سن التقاعد، فبادرته بضرورة تنفيذ فكرته في أسرع وقت ممكن، على أن تتسلم مهامها شخصيا إلى حين موعد تقاعده.

وهكذا، التحقت آمال في شركة بريطانية خاصة في هذا النوع من العمل لتتلقى تدريبا كاملا ولتشتري بعدها المعدات المتطورة اللازمة لتنفيذ عملها. ومنذ ثماني سنوات حتى اليوم، تمارس آمال هذه المهنة وتساعدها شقيقتها وفاء إلى جانب ثمانية رجال، ليشكلوا معا فريقا متميزا في مجال السنكرية. وتقول إن المرأة باستطاعتها أن تعمل في جميع الميادين وهي تتقن أداءها بشكل لافت. وتضيف أنها تصر على أن يرتدي فريقها المساعد البرنص الأبيض وأحذية نظيفة لماعة، فما إن يدخل أي منزل أو ورشة عمل حتى تفوح منه رائحة ذكية. فبرأيها أن العمل الذي ينطبع بلمسة أنثوية، لا بد أن يكون الترتيب والنظافة والدقة في التنفيذ أهم ركائزه. وتقول وفاء أخت آمال ردا عما إذا كانت السنكرية تؤثر على مظهرها الخارجي وعلى أنوثتها بشكل عام: «نخرج أختي وأنا من المنزل بكامل أناقتنا، نضع الماكياج ونلون أظافرنا ونسرح شعرنا وكأننا نداوم في مكتب أي شركة عادية».

وتنحصر طبيعة عمل آمال وشقيقتها والفريق المساعد لها في اختصاص واحد وهو ضغط أساطل المياه وتنظيف المجاري، وليس في تركيب الأدوات الصحية والحنفيات وما شابه. وعما إذا كان الفريق المساعد من الرجال يبدي انزعاجه من تلقي أوامره من امرأة، تقول آمال: «بتاتا، لأننا نتعامل مع بعضنا بتهذيب، لكن الأمر لا يستغني عن بعض التجاذبات أو المشاجرات العادية، إثر اقتراف أحدهم خطأ ما، وهو الأمر الذي قد يحدث في أي عمل جماعي».

من جهتها، تضطر ماري سعد التي تعمل كبائعة كعك أمام أحد مستشفيات بيروت، إلى حمل أكياس الكعك من الأفران إلى موقع عملها، وكذلك إلى الوقوف لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، تؤكد أنها سعيدة في عملها وأنها على الأقل سيدة نفسها، فلا أحد يقلق راحتها. وتقول ماري، التي تعتبر المرأة الوحيدة التي تبيع الكعك في بيروت، إنها في البداية كانت تشعر بالخجل ثم تأقلمت مع الجو وصارت تجد متعة في ممارسته. وتضيف: «الزبائن بغالبيتهم يفضلون الوجبة النظيفة من يد نظيفة فيقصدوني من كل حدب وصوب، أما أناقتي فهي الديكور الوحيد الذي ألجأ إليه للفت انتباه المارة، ولا سيما زوار المستشفى الذين يجدون في الكعكة مع الصعتر أو الجبنة أطيب وجبة سريعة يتناولونها بنهم».

وتشير ماري إلى أن دوام عملها حددته من السابعة صباحا حتى الظهر، وهي تصر على تغطية الكعك حتى لا يتلوث بغبار الطرقات ووقود السيارات المحروق، واصفة نفسها بأنها تعرف الأصول.

أما منى أيوب التي تعمل سائقة لسيارة أجرة، من ضمن مكتب يؤمن التوصيلات الخاصة (التاكسي)، فترى أن الزبائن عندما يعلمون أن من سيقل أولادهم من مكان إلى آخر هو امرأة، يبدون ارتياحا كبيرا لا سيما أن السيارة التي تقودها المرأة بشكل عام عادة ما تكون نظيفة ويسودها الترتيب. وتضيف: «أنا واحدة من فريق كامل من النساء اللاتي يعملن في هذا المجال في مكتب (بنات تاكسي) الذي أسسته سيدة لبنانية إثر تعرض ابنتها لتحرش جنسي من قبل سائق سيارة أجرة، فقررت أن تقوم بهذه الخطوة لحماية الأولاد من حوادث مماثلة، وقد طلت جميع سيارات التاكسي بالزهري (pink) التي باستطاعتك تمييزها من بعيد».

وتؤكد الاختصاصية في علم النفس فرنسواز مجدلاني، أن لقب «أخت الرجال» يرافق عادة الفتاة التي دفعتها تربيتها الصارمة من ناحية وثورتها على المرأة الضعيفة من ناحية ثانية إلى أن تتصرف بخشونة مع الآخرين، ولكن اليوم أصبح هذا اللقب يرافق صاحبة الشخصية القوية التي باستطاعتها أن تفرض نفسها على مجتمعها ومحيطها دون تعييرها بأنها من الجنس الناعم الضعيف.

ويختلف رأي الرجال غالبا في «أخت الرجال»، فبعضهم يعتبرها امرأة ولدت لتعمل فقط، بينما يرى فيها البعض الآخر جانبا لا يحبذه في المرأة إلا وهو فرض الأمور على الآخرين بخشونة، بينما تؤكد شريحة ثالثة أن هذا النوع من النساء يريح الرجل في كل النواحي، لأنها أهل للثقة، إن من جهة العمل أو إدارة المنزل، لأنها قوية الشخصية وتعرف ما تريد.

ويرافق لقب «أخت الرجال» النساء اللاتي يعملن في البرلمان اللبناني، وخاصة اللاتي اضطررن إلى دخول هذا المعترك بعدما فقدن زوجا أو أبا أو أخا سبق أن تبوأ مقعدا نيابيا أو حتى رئاسة الجمهورية، كما هي الحال مع النائبة السابقة نايلا معوض وزميلتيها صولانج الجميل ونايلا التويني. فالأولى والثانية دخلتا الندوة النيابية إثر خسارتهما لزوجيهما الرئيسين الشهيدين رينيه معوض وبشير الجميل للإبقاء على خطهما السياسي، أما الثالثة فقد حلت نائبا في البرلمان اللبناني إثر استشهاد والدها جبران التويني.

أما نور العلايلي التي تعمل في مجال الحراسة الأمنية لأحد المستشفيات، فتؤكد أن عملها لا يتطلب منها الخشونة، بل الدبلوماسية وحسن التعامل مع الآخرين، وأنها حتى الآن لم تضطر إلى استعمال القوة مع أحدهم، لأن الناس لديها نظرة أفضل بالنسبة إلى المرأة الحارسة الأمنية، فيبدون لها كل احترام. وتعتبر أن البدلة العسكرية التي ترتديها لا تقلل من شأنها كامرأة، بل تزودها بطلّة وهيبة جميلتين، لافتة إلى أن مظهرها الخارجي لا بد أن يحمل القليل من الجدية والرصانة بفعل طبيعة عملها.