«القوس الأسود».. رحلة محملة بالذكريات والأحلام من مكة إلى البندقية

في أول مشاركة للمملكة في أضخم معرض فنون في العالم

من أعمال شادية ورجاء عالم
TT

في أول مشاركة للمملكة العربية السعودية في فعاليات «بينالي البندقية»، وقع الاختيار على الفنانتين شادية ورجاء عالم لتقديم عمل مشترك يحمل اسم السعودية. وجناح السعودية في البينالي يقام بتكليف من د. عبد العزيز السبيل، وتقوم كل من منى خزندار القيمة على معهد «العالم العربي» في باريس، وروبن ستارت، خبير الأعمال الفنية، بالإشراف على الجانب الفني.

العمل، الذي يحمل اسم «القوس الأسود»، يعبر عن رؤية للفنانتين عالم، تحملهما من موطنهما في مدينة مكة المكرمة إلى مدينة البندقية، في رحلة يختلط فيها الماضي بتقاليده وعاداته وتراثه العبق بالحاضر الذي يستند بشكل كبير على الماضي، ويعتمد عليه في استشراف المستقبل.

في عالم شادية ورجاء عالم تتضافر الرؤية ما بين القاصة والمؤلفة رجاء والفنانة التشكيلية شادية، وهو ما يخلق حالة فنية فريدة. الفنانتان نشأتا في مكة، ودرستا الأدب الكلاسيكي، ولكن تجربتيهما الحياتية في مكة، التي تولدت عبر الالتقاء الدائم مع حجاج بيت الله الحرام، شكلت جزءا كبيرا من الخلفية الفنية وأيضا المفردات التي تستعملانها.

«القوس الأسود» هو وليد التعاون والتقاء الرؤى بين الفنانتين، وفيه تظهر التجربة المشتركة والرؤية الثنائية التي تنصهر في قالب واحد تعبر بالمشاهد من مكة إلى البندقية، على خلفيته تتلمس حكايات الخالات والجدات.

اللون الأسود أساسي في العمل، وهو إلى حد ما يمثل الماضي، الحكايات ورحلات الحجيج، كما يمثل لباس المرأة السعودية. تعلق الفنانة رجاء بقولها: «اللون الأسود يحيط بكل شيء حولنا، وهكذا رأيته خلال نشأتي، من الخيالات السوداء للمرأة (المرتدية العباءة)، ستار الكعبة، والحجر الأسود», اللون هنا هو إحدى مفردات الحياة اليومية للفنانة، وجزء من التراث البصري لأجيال متعاقبة. هذا ما يمثل الماضي في عمل شادية ورجاء عالم، أما الحاضر فتعكسه مرآة تمثل الجزء الثاني من العمل.

الرحلة هي الموضوع الرئيسي للعمل، أو على حد تعبير رجاء، «عالم الانتقال» المتأثر برحلات المكتشفين ماركو بولو وابن بطوطة، اللذين أقاما جسورا بين الثقافات المختلفة عبر أسفارهما.

تشير شادية عالم إلى أن العمل الفني هنا يحمل من تأثير ماركو بولو، وتقول إنها أرادت مثله أن تحمل مدينتها إلى أماكن أخرى من العالم.. «أن أحضر مكة إلى البندقية مستعينة بمفردات من حياتي، قوس أسود، مدينة مكعبة، وحفنة من حصى المزدلفة».

وتعليقا على أهمية مشاركة السعودية في بينالي البندقية، يقول روبن ستارت: «أعتقد أن المشاركة مهمة للفنانين السعوديين، خاصة أنهم اكتسبوا الكثير من الثقة في المشاركات العالمية في الفترة الأخيرة، وأعتقد أن ذلك قد يعود، ضمن عدد من الأسباب، إلى ازدهار الفن المعاصر والحديث في السعودية خلال الأعوام القليلة الماضية».

الفنانون السعوديون كانوا موجودين من قبل في بينالي البندقية عبر مشاركات وعبر معرض «حافة الصحراء»، الذي أقيم منذ عامين هناك، ولكن ستارت يشير إلى أن تلك المشاركات كانت على الجانب، ولم تحمل الصفة القومية مثل الجناح الحالي الذي يحمل ثقلا واضحا، خاصة أنه يقام تحت إشراف وزارة الثقافة السعودية.

الساحة الفنية السعودية الآن تمتلئ بأسماء كثيرة شاركت في معارض عالمية، ولهذا يجب السؤال عن آلية وسبب اختيار الأختين عالم لتمثيل المملكة في البينالي. يشير ستارت إلى أن عملية الاختيار أخذت في الاعتبار وجود عدد من الفنانين السعوديين المؤهلين بشكل كبير لإقامة معارض فردية، ولكن نظرا لأن المطروح هو المشاركة الأولى للسعودية في حدث فني عالمي، فإن الاختيار تم بدقة وحرص.

يقول ستارت: «قمنا بدعوة ستة من الفنانين لزيارة مدينة البندقية ومعاينة مكان الجناح، وطلبنا منهم إعداد تصور لعمل يصلح للعرض في هذا المكان، وبالفعل قمنا بمعاينة المشاريع التي أعدها الفنانون، ووقع الاختيار على مشروع شادية ورجاء عالم، الذي تواءم مع الرؤية التي كانت مطلوبة».

الرؤية لعمل فني في البندقية حكمت بعدة أطر، أحدها هو أن هذه هي المشاركة السعودية الأولى في البينالي، وثانيها هو أن الجناح يقع ضمن مساحة العرض الرئيسية في البينالي (الارسنالة)، كما أن العمل كان لا بد من أن يتبع الموضوع العام الذي اتخذه البينالي شعارا له هذا العام، ألا وهو «الاستنارة».

«القوس الأسود»، حسب ما يشير ستارت، «يمثل رحلة يقوم بها العمل وصانعتاه من مكة إلى البندقية، هي رحلة واقعية، ولكنها أيضا رحلة في الخيال والاكتشاف. الرسالة الأساسية في هذا العمل هي حركة العقل من المعلوم والمعيش إلى الغامض والمجهول، وهو ما نراه في التضاد في الألوان في العمل من اللون الأسود إلى الجانب المضاء».