معرض فني في مراكش يقدم قراءة تشكيلية لـ«مواقف» النفري

لحسن فرساوي أعطى الحرف فرصة كي يحلم وينتشي ويتكلم

لوحة بعنوان «الحروف» («الشرق الأوسط»)
TT

يحتضن بهو المسرح الملكي بمراكش معرضا للفنان التشكيلي لحسن فرساوي، يحتفي فيه بالحرف، ويقدم، من خلاله، قراءة تشكيلية في كتاب «المواقف» لمحمد بن عبد الجبار بن حسن، الملقب بالنفري، وذلك بتوظيف الحرف العربي والاشتغال على جمالياته الممكنة.

وقال فرساوي لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحرف، في المعرض، يخرج من إطار الممارسة التقليدية للخط العربي، بحيث لا يوجد، هناك، انضباط لأي قاعدة أو قياس. هناك، فقط، إعطاء فرصة للحرف كي يحلم، وينتشي ويتكلم»، وإن «الحرف في المعرض هو العمود الفقري لكل العمل، كما أن حضور الألوان يعكس غموض النص، من جهة أن كتاب (المواقف) لا نعثر على نص أكثر غموضا منه، ولعل هذا الإيغال في الغموض هو الذي أعطى هذه التركيبة من الألوان».

من جهته، استعرض الناقد والباحث محمد آيت العميم، في تقديم للمعرض، حمل عنوان «لحسن فرساوي من سريالية الفضاء إلى صوفية الحرف»، المسار الفني لفرساوي، فقال إن التجربة التشكيلية عنده كانت تنضج في هدوء وصمت، وكان الملمح البارز فيها هو ارتباطها بالفضاء السريالي، حيث كانت صور التمرد بادية، كما رفض الواقع والإحساس بالألم، لتعرف التجربة طفرة حقيقية حين ارتباطه بكتاب «المواقف»، فكان أن انعكس عمق النص الصوفي وتوتره صورة جلية في تجربته الأخيرة، حيث أضحى الحرف في اللوحة يتمتع بنوع من الحرية والصفاء والحركية والإشراق، وبالتالي فقد يكون هذا التراوح بين الصوفية والسريالية عودة لتأكيد أطروحة أدونيس في كتابه «الصوفية والسريالية». هذا الارتباط بين تجربة فرساوي ومواقف النفري، بشكل خاص، والصوفية بشكل عام، ظهر جليا في العناوين التي أخذتها اللوحات المعروضة، حيث نكون مع «كينونة» و«هوى» و«حب» و«انخطاف» و«المحبة» و«موسيقى» و«أبجدية القمر» و«حلم» و«صلوات الحروف» و«كاف للأمل» و«شطحات شغف» و«حرف» و «وجد» و«رقصة الحبر»، وغيرها.

وشكل كتاب «المواقف» مفاجأة لجزء كبير من الشعراء العرب المعاصرين، إلى درجة أن الشاعر السوري أدونيس أطلق على مجلته اسم «مواقف» إعجابا بكتاب النفري، الذي رأى فيه بعض الكتابات النقدية مثالا للتفوق اللغوي على صعيد الشعر والنثر العربيين، وأنه، بالإضافة إلى تأسيسه لمذهب صوفي جديد، تميز بأسلوب رمزي ذي صياغة رفيعة، تحققت فيه أرقى درجات البلاغة، مع التشديد على أنه رغم أن «مواقف» و«مخاطبات» النفري كتبت نثرا، إلا أنها تدخل في حيز الشعر، الحداثي منه على وجه الخصوص، وكأن النفري قد فتح باب الحداثة الشعرية العالمية، وسبق قصيدة النثر بألف عام.

ورأى بعض الكتابات النقدية أن نثريات النفري اشتملت على مقومات شعرية، لها سمات نثرية، ولكنها في الواقع، كانت رؤية متقدمة في عصر لم يقم لها وزنا، وربما ذلك لأسباب تخص ذلك الزمان، في مقدمتها خروجها عن المألوف، من حيث الشكل والمضمون.

ومن بين أجمل المواقف التي يتضمنها كتاب النفري، نجد «موقف البحر»، حيث نقرأ: «وقال لي: ظاهر البحر ضوء لا يبلغ، وقعره ظلمة لا تمكن، وبينهما حيتان لا تستأمن»، و«قال لي: إذا وهبت نفسك للبحر فغرقت فيه كنت كدابة من دوابه»، و«قال لي: الدنيا لمن صرفته عنها وصرفتها عنه، والآخرة لمن أقبلت بها إليه وأقبلت به علي». كما نجد «موقف الأدب»، حيث نقرأ: «وقال لي: كل ما جمعك على المعرفة فهو من المعرفة». و«قال لي: أنت ابن الحال التي تأكل فيها طعامك وتشرب فيها شرابك». كما نجد «موقف معرفة المعارف»، حيث نقرأ: «وقال لي: من اغترف العلم من عين العلم اغترف العلم والحكم، ومن اغترف العلم من جريان العلم لا من عين العلم نقلته ألسنة العلوم وميلته تراجم العبارات فلم يظفر بعلم مستقر ومن لم يظفر بعلم مستقر لم يظفر بحكم»، و«قال لي: من لم يغترف العلم من عين العلم لم يعلم الحقيقة ولم يكن لما علمه حكم، فحلت علومه في قوله لا في قلبه». ومن بين أشهر ما خلفه النفري من كلمات نجد جملة «كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة». وتنقل بعض الكتابات التاريخية أن النفري، الذي ولد بالعراق، قد توفي عام 375 هجرية (965 ميلادية).