المطبخ الفرنسي يبكي على الأطلال

فقد بريقه وتعدت مطابخ العالم عليه.. واليوم يجتمع أشهر الطهاة الفرنسيين لإنقاذه

آلان دوكاس الذي يشعر أمام أضواء الكاميرات بنفس الراحة التي يشعر بها أمام موقده (أ.ف.ب)
TT

في الماضي كانت مطابخ العالم تحلم بالحصول على شهرة المطبخ الفرنسي الذي يعرف بنكهاته المتنوعة وأطباقه الكثيرة وطرق تقديمها الراقية، كما توصف أجواء المطاعم الفرنسية بالهدوء والرومانسية الحالمة، ولطالما كان المطبخ الفرنسي يجسد مطبخ البحر الأبيض المتوسط بأسلوب حر ومميز، لكن اليوم بدأت شهرة هذا المطبخ العريق تتباطأ، وبدأ المطبخ يفقد بريقه وضاعت أسماء أهم الطهاة الفرنسيين بين أسماء الطهاة العالميين الأوروبيين والأميركيين لدرجة أن الطهاة الاسكندنافيين أصبحوا يتفوقون على الفرنسيين في المسابقات العالمية، وأصبح الطهاة القادمون من صقيع السويد وألمانيا يحتلون أهم المواقع على ساحة الطهي التي تشهد منافسة حادة عالميا بعد أن أصبحت مهنة الطهي في أيامنا هذه توازي احتراف لعبة كرة القدم من حيث الشهرة والمدخول المادي لممتهنها.

ولسوء حظ باريس أيضا، أصبحت اليوم طوكيو من بين أهم عواصم الأكل في العالم، ولكي يزيد وجع فرنسا ونعيها لمطبخها، سرقت لندن شهرة باريس بعدما أصبح لقبها اليوم عاصمة المأكولات والمطابخ العالمية، نسبة لعدد المطاعم العالمية فيها وتقديمها مأكولات أكثر من 300 بلد ومدينة.

من المعروف عن الطهاة الفرنسيين عنجهيتهم وتكبرهم، فيما يخص مطبخهم، إلا أنهم وصلوا اليوم إلى طريق مسدود وكان لا بد من دق ناقوس الخطر والاعتراف بالهزيمة ورفع قبعاتهم وطلب المعونة والتركيز على سبل وحلول لهذه المشكلة، وكان الحل هو اشتراك خمسة عشر من أشهر الطهاة الفرنسيين للترويج للمطبخ الفرنسي.

وأساس الفكرة يرتكز على تأسيس الطهاة منظمتهم الجديدة غير التقليدية مؤخرا، الذين أطلقوا عليها اسم «مدرسة الطهي الفرنسي» خلال اجتماع على الإفطار عقد في الطابق الأول من مطعم برج إيفل.

ورغم ما هو معروف عن الطهاة الفرنسيين من الأنانية، فإن الطهاة اجتمعوا معا من أجل إنقاذ سمعة الطعام الفرنسي، وهم يخططون للعمل مع السياسيين في فرنسا للبحث عن سبل للترويج للمطبخ الفرنسي.

وقال جوي سافوي، وهو طاه من المصنفين ضمن أرقى طهاة العالم، إن «المطبخ الفرنسي هو أساس التذوق في جميع أنحاء العالم.. يمكننا قول ذلك دون أدنى شعور بالمبالغة أو التبجح».

وأوضح سافوي أن عددا لا يحصى من الطهاة في جميع أنحاء العالم تدربوا في فرنسا « من يرد أن يفتتح مطعما جيدا بحق يجب أن يطلب مساعدة الفرنسيين أولا».

ويبدو أن شهرة المطبخ الفرنسي في طريقها للزوال، فالطباخون الإسكندنافيون تمكنوا من اقتناص المراتب الثلاث الأولى في مسابقة بوكوس دور (المسابقة العالمية للطهاة) في يناير (كانون الثاني) الماضي. فحازت الدنمارك الجائزة الكبرى، تلتها السويد بالفضية ثم النرويج بالميدالية البرونزية. ويبدو أن المطاعم الفرنسية هي الأخرى تلقت ضربة مماثلة، حيث تضم طوكيو وليس باريس أكبر عدد من الطهاة المصنفين ضمن صفوة طهاة العالم الحائزين على نجوم ميشلين للتميز.

وأخيرا، يمكن القول إن الطاهي الإسباني فيران أدريا، المعروف بمتابعته واختباره للتفاعلات الفيزيائية والكيميائية التي تحدث خلال الطهي والذي يمتلك معملا خاصا لذلك الغرض، حقق شهرة يمكن للطهاة الفرنسيين أن يحلموا بها فحسب. في عام 2007 صنف أدريا أفضل طاه على مستوى العالم من قبل الهيئة الأوروبية لتصنيف المطاعم.

ويأمل أفضل الطهاة الفرنسيين آلان دوكاس الذي يشعر أمام أضواء الكاميرات بنفس الراحة التي يشعر بها أمام موقده، في أن تتمكن «مدرسة الطهي الفرنسية» المؤسسة حديثا من أن تساعد على إعادة المطبخ الفرنسي لمكانته التقليدية المعهودة، ويأمل أن تنال جهودها دعم الدولة.

ويقول دوكاس: «فن التذوق في فرنسا يحقق عوائد تبلغ خمسين مليار يورو (سبعين مليار دولار)، إنه رابع أضخم نشاط خاص في فرنسا». وأضاف: «إنه يشعر بضرورة الاعتراف بذلك».

ويخطط دوكاس ورفاقه من الطهاة لإقامة ما يشبه المعرض للطهي الفرنسي في مبنى تاريخي في باريس.

وقال مارك هيبرلين وهو طاه من «الألزاس»، إن الطهي الفرنسي له رونق خاص، ذلك أنه يعتمد بشكل كبير على فواكه وخضراوات تزرع محليا وكذلك لحوم وأسماك فرنسية.

لقد كان هيبرلين يعمل في فندق أدلون قبل أن يتولى إدارة مطعم عائلته من أبيه، الذي ظل محتفظا بمكانته كطاه ذائع الصيت طوال أربعة عقود.

يشار إلى أنه بين مجموعة الطهاة الذين أسسوا مدرسة الطهي الفرنسية، لا توجد سوى امرأة واحدة، هي آن سوفي بك. ولا يستبعد دوكاس أن ينضم عدد آخر من كبار الطهاة للمنظمة الحديثة، التي منحوا رئاستها الفخرية لبول بوكوس (85 عاما). ويقول هيبرلين: «إنه بمثابة الأب لمعظمنا.. إننا ندين له بكثير من الفضل».

وتجري المجموعة أول اختبار تذوق في سبتمبر (أيلول) في أول مهرجان للتذوق، مستلهمة فكرة مهرجان الموسيقى الذي تقيمه فرنسا كل عام، وسيشجع مهرجان التذوق الشعب الفرنسي ليس فقط على تذوق بعض من أفضل الوجبات الفرنسية، بل ليتعلموا كذلك أفضل طرق طهي الأطعمة التي تعتمد على مكونات محلية.

الأمم المتحدة، كإحدى المنظمات العالمية ستوافق على الاعتراف بالمطبخ الفرنسي. وقرر خبراء منظمة التربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) أن وجبات المطعم الفرنسي بطقوسها وطرق تقديمها، تفي بالشروط التي من المقرر أن تضمها قائمة التراث الثقافي الإنساني.

وعلى أمل أن تعود فرنسا إلى خريطة بلاد المأكولات المميزة لا بد أن تتخلى عن تبني فكرة الأطباق السريعة التي ساهمت في أن تنعي البلاد خصرها النحيل، لتصبح اليوم على قائمة البلدان التي تعاني من السمنة الزائدة في أوروبا، بسبب انتشار مطاعم المأكولات السريعة والجاهزة وتخلي الفرنسيين عن مأكولاتهم التقليدية التي كان لها الفضل في حصول فرنسا على شهرتها العالمية في ميدان الأكل والطهي.