الحضور الثقافي العربي في المناسبات الدبلوماسية بالخارج.. العادات والتقاليد

السفير الكويتي في سراييفو محمد فاضل خلف لـ «الشرق الأوسط»: دأبنا على التعريف بقيمنا الاجتماعية التي نعتز بها كثيرا

حضور واضح للبعد الثقافي السعودي في المناسبات الوطنية في الخارج («الشرق الأوسط»)
TT

تفتخر الشعوب الحية بعاداتها وتقاليدها الراسخة، وتعمل كل ما في وسعها لتجسيدها على أرض الواقع، سواء بشكل جزئي أو بشكل عام وكلي. وذلك بحسب تقويم كل شعب وأمة لموروثها الثقافي، ودرجة الاستلاب النابعة من الافتتان بالآخر، والهزيمة النفسية حياله. وكما قال ابن خلدون: «المغلوب مولع بتقليد الغالب»، وقد عبر المغلوبون العرب عن ذلك الاستلاب بمقولة «صدمة الحداثة» حتى غدا مستوى «تحضر» الفرد منهم يقاس بمقدار قطعه مع ماضيه وتراثه وموروثه الثقافي عامة. وهناك من يحافظ على تقاليده في بلده الأصلي، ولكنه يتحلل منها في الطائرة، وقبل الوصول إلى بلد الآخر المختلف، وقد يكون «النموذج» و«المثال» أو «الغالب». ويقال إن الإنسان سفير بلاده وشعبه وثقافته في الخارج، فماذا عن السفراء الحقيقيين لبلدانهم وشعوبهم وثقافتهم؟ وما مدى حضور تقاليد وعادات شعوبهم وأمتهم في المناسبات الدبلوماسية، وفي الخارج عموما؟

وقال السفير السعودي في البوسنة، عيد بن محمد الثقفي، لـ«الشرق الأوسط»: «الحضور الثقافي على مستوى العادات والتقاليد في المناسبات الدبلوماسية والنشاطات في هذا المجال بالخارج صفة لازمة للحراك السعودي، فمن الأهمية بمكان، ولدواعي الضرورة والحرص على إثبات الوجود الحضاري، وعطاءاته المختلفة، نحرص على إبراز الرموز الثقافية كالزي التقليدي للرجال والنساء في المناسبات الوطنية والمشاركات الثقافية في الخارج لاطلاع الشعوب الأخرى على عاداتنا وتقاليدنا، وصناعاتنا التقليدية، كالأطعمة والمنسوجات إلى جانب التطور العمراني والصناعي ومجالات الإبداع الثقافية الأخرى في المملكة».

ووصف عملية التكامل بين الماضي بمستوياته المختلفة، والحاضر بانشغالاته المتعددة، والمستقبل بأحلامه وتطلعاته ووعوده المتنوعة بأنها «كالشجرة المثمرة لا بد لها من جذور، وجذع، وأوراق، وثمار، أما الأوراق فهي الوسائل التي تتغير بتغير الزمن، لكن البعض يريد تغيير الجذور، أو الجذوع، وإذا ما ترك يفعل ذلك فإن الشجرة سوف تموت».

وأشار السفير الثقفي إلى نشاطات مركز خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود الثقافي في سراييفو، والذي يقوم بنشاطات ثقافية مميزة، فقال: «مركز خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود الثقافي يقوم بدور مهم ومميز في هذا الجانب، فهو ينظم فعاليات ثقافية وأيام سعودية يعرف فيها بالحراك الثقافي السعودي على مستوى التراث والصناعات التقليدية وكل ما له علاقة بالموروث الثقافي جذورا وجذوعا وتطورا على مستوى العطاء والإبداع. ومنها الندوات والمعارض والفن التشكيلي، والصور الفوتوغرافية للمنجز على مختلف الأصعدة».

وحول النشاطات في الدول الصغيرة والكبيرة أكد الثقفي على أن «النشاطات الثقافية في الدول الصغيرة له وقع وتأثير يفوق ذلك الحاصل في الدول الكبيرة، وتجارب الدول الكبيرة تؤكد ذلك، فهي حريصة على العمل في الدول الصغيرة، فالحراك الثقافي كالنشاط الاقتصادي يحكمه قانون السوق، وغالبا ما تكون الدول الصغيرة أكثر طلبا وأشد تأثرا بما يعرض عليها».

من جهته قال السفير الكويتي في البوسنة، محمد بن فاضل خلف، الذي احتفلت بلاده قبل فترة قصيرة بمرور 50 سنة على استقلالها، و20 سنة على تحريرها، و5 سنوات على تولي أميرها مقاليد الأمور في البلاد: «هذه أهم المناسبات العزيزة على الكويت في هذا العام، وقد دأبنا على التعريف بعاداتنا وتقاليدنا التي نعتز بها كثيرا في المناسبات المختلفة، وفي مقدمتها ملابسنا التقليدية، والصناعات الشعبية، والفلكلور، والفن التشكيلي، والشعر، وذلك أثناء الاحتفالات بالأيام الوطنية، والمشاركة في الفعاليات الثقافية بالخارج». وتابع: «في هذه المناسبة لن يكون الحضور الثقافي الكويتي كبيرا في الخارج، بسبب الانشغال بالأفراح في الداخل».

وأشار السفير خلف إلى مشاركة الكويت في الكثير من المهرجانات الثقافية في الخارج بزخم كبير في السنوات الماضية، وفي الكثير من الدول، ومن بينها المشاركة الفاعلة والمميزة في مهرجان شتاء سراييفو، العام الماضي، حيث حضرت الصناعات التقليدية، وفن السدو الكويتي، والإبداع في مجال الرسم، وكذلك الفرق الفلكلورية الكويتية، وغيرها من الفعاليات التي تعرف الشعوب الأخرى بمدى رسوخ وقدم الأشكال الثقافية المميزة في الكويت. وأضاف: «التعريف بالثقافة في جانبها التراثي أهم عنصر لتغذية الحوار بين الحضارات، فهي الوحيدة القادرة على إقناع الآخر بأنه ليس وحيدا في العالم، بل هناك جذور مختلفة لربيع التعايش الذي يجب أن يسود. ففي الكويت هناك علاقة وثيقة بين الإنسان والصحراء والبحر، وهو ما خلدته أهازيج الفرسان في الصحراء، وتواشيح الصيادين في البحر، ومن كليهما تم استخراج النفط ومن ثم إضفاء لون جديد من الحياة المعاصرة الوفية لماضيها بافتخار واعتزاز، والمتطلعة إلى مستقبلها بكل حرص وإصرار، فمن ليس له ماضٍ ليس له مستقبل». وأردف: «لا تزال الصحراء والبحر مصدر فخر واعتزاز للكويتيين، وفيض كل منهما على الآخر، فما يستخرج من الصحراء يصدر عبر البحر، ومن مياه البحر المحلاة تسقى الصحراء العطشى فتخرج كنوزها خضرة وفاكهة وثمارا وخضراوات، وذلك في الشمال والجنوب على حد سواء».

وكان اللباس التقليدي للنساء والرجال في الكويت لافتا في ذكرى مرور 50 عاما على استقلال الكويت، و20 سنة على تحرير الكويت، و5 أعوام على تسلم أمير الكويت الشيخ صباح أحمد الصباح مقاليد السلطة في الكويت، وهو ما ساهم في رفاهية شعب الكويت، وزيادة الاستثمارات الكويتية في البلاد الإسلامية العربية وغير العربية منها، وتزايد دور الكويت الفاعل على الصعيد الدولي.

وقد تحولت قاعة الاستقبال في فندق «الهوليداي إن» بسراييفو إلى ديوانية كويتية، تعج بالضيوف من مختلف الثقافات، حيث طالب السفير محمد بن فاضل خلف موظفي السفارة جميعهم بارتداء اللباس التقليدي. وكان البعد الإنساني ماثلا من خلال حضور كوكبة من أيتام البوسنة الذين تكفلهم الهيئات الخيرية الكويتية، التي كانت ولا تزال كالغيث النافع أينما وقع نفع، وساهمت بدورها في الإشعاع وترويج الصورة الجميلة للكويت، كدولة رمز للتكافل والتضامن الإسلامي الإنساني في العالم.

أما السفير الإماراتي غير المقيم في سراييفو، عبد العزيز بن ناصر الشامسي، فقد أكد على أن العمل الإنساني، شكل مهم من أشكال الثقافة، فالثقافة مفاهيم وسلوكيات، كما هي موروثات تمثل أشكالا حضارية اعتمدها شعب من الشعوب عبر صيرورة الزمن، ومن ذلك «وجود مكتب للهلال الأحمر الإماراتي في البوسنة، ومشاركة جراحين إماراتيين في حملة تستمر ستة أشهر في البوسنة لإجراء عمليات جراحية لمرضى القلب، وتقديم دعم سخي لمدارس في البوسنة». واعتبر السفير الشامسي وجود السفارات الإماراتية بالخارج شكلا من أشكال الحضور الثقافي، كما أكد على أنه ستكون هناك سفارة دائمة لدولة الإمارات في سراييفو في المدى المنظور، تلبية لرغبة سياسيين، ومثقفين، وصحافيين بوسنيين، حملوا أحدهم رسالة بهذا الخصوص. وعن المشاركات الثقافية الصميمة لدولة الإمارات العربية المتحدة في تكثيف الحضور الثقافي على مستوى العادات والتقاليد في الخارج، نوه السفير الشامسي بـ«المشاركات الكبيرة في مدن الدول الأوروبية في برشلونة، بإسبانيا، والصين، وهي من أكبر المشاركات التي ساهمت فيها قطاعات ثقافية كبيرة في شنغهاي، وكذلك في برلين بألمانيا، ومعرض باريس، وذلك ضمن وفد مجلس التعاون الخليجي سنة 2010، وكانت تظاهرة ثقافية واقتصادية وسياسية، حيث شارك فيها وزراء ووكلاء وزارات، وأطلق عليها (الأيام الخليجية)، وشملت الأنشطة الثقافية المختلفة كالشعر والإصدارات والفلكلور والرسم، وساهمت فيها كما قلت عدة وزارات، كالثقافة، والسياحة، تحت إشراف وزارة الخارجية».

وتحدث عن الحضور الثقافي في الأيام الوطنية التي توافق 2 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، فقال: «في العيد الوطني تبرز المعالم الثقافية في جانبها التقليدي كالصناعات الحرفية، واللباس الوطني، فأنا قمت بتقديم أوراق اعتمادي بالزي الوطني، ولا يمكن أن نرتدي غيره، وبالأخص في هذه المناسبات، حتى إن الموظفين العاملين لدينا نستقدم لهم ملابس من دولة الإمارات لتمييزهم عن بقية المدعوين، فالتنوع أصل ثابت في الحياة، مهما تطورت الوسائل، وقربت المسافات». وأردف: «الحضور الثقافي في الخارج يجب أن لا يرتبط بالمناسبات، فهو إحدى رايات الوطن، ودليل على أن الدولة لها تاريخ ولها جذور، وأنا كدبلوماسي لمست السمعة الطيبة والذكر الحسن لدولة الإمارات في جميع المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية، وأفتخر بأني إماراتي في أي دولة في العالم، فهي ليست مصدرا للنفط، بل هي قبلة للسياحة، وموطن للاستثمار، وواحة للأمن والاستقرار، وهذا بفضل رئيسها الشيخ خليفة بن زايد، حفظه الله، ورئيس مجلس الوزراء محمد بن راشد، حفظه الله، حاكم دبي».