تحت سطوة النسخ من الإنترنت.. تجارة الأقراص المدمجة تضعف في البلقان

إيفانا يوسيبوفيتش لـ«الشرق الأوسط»: القرصنة تهدد تجارتنا.. وزبائن يتوقعون انقراضها

ذكرت إيفانا سببا آخر لا يخلو من غرابة وهو أن الناس لا يستمعون للموسيقى في الشتاء فهذه التجارة تنتعش فقط في الصيف («الشرق الأوسط»)
TT

تنتشر محلات بيع الأقراص المدمجة، سي دي، والتي تحتوي على الأغاني والموسيقى، والأفلام، والمسرحيات، وغيرها، كالإشاعة في مدن البلقان، سواء في أماكن مستأجرة، أو حتى في الشارع، بعد أن اختفت تماما أشرطة الفيديو التقليدية، التي كانت سائدة، وكانت سوقها رائجة، قبل ظهور الأقمار الصناعية، والستالايت، فضلا عن الإنترنت.

ورغم أن أسعار الأقراص المدمجة التي تحتوي على أغان، وأفلام، وألعاب أطفال، وغيرها، زهيدة نسبيا حيث لا يتعدى السعر الـ2.5 يورو، إلا أن التجارة تشكو كسادا.

وقالت، إيفانا يوسيبوفيتش (28 سنة) لـ«الشرق الأوسط»: «افتتحنا هذا المحل قبل 3 سنوات، وكنا نعمل في مكان آخر، لكن المردود المادي بالكاد يسد الإيجار ويوفر بعض الضروريات» وتابعت «كان الوضع أفضل في السابق، سواء على مستوى المبيعات أو إيجار الأشرطة، لكن التكنولوجيا أفسدت الكثير من أوجه التجارة السابقة، بما في ذلك محلات بيع أشرطة الفيديو، ثم الأقراص المدمجة، سي دي» واشتكت يوسيبوفيتش ممن وصفتهم بالمتطفلين الذين ينسخون الأقراص المدمجة ثم يبيعونها في الشارع «بإمكانكم السير في أي شارع، وعد نقاط بيع الأقراص المدمجة التي تحتوي على أغان وأفلام، إنها تتوالد كالفطر» وأردفت «عمليات النسخ ممنوعة، ولكنها موجودة ومنتشرة وتتكاثر باستمرار رغم كساد السوق، وتراجع المبيعات» وحول ما إذا كانت هناك أسباب أخرى وراء تراجع المبيعات أشارت إلى أن «الكثير من الناس يجدون ضالتهم في الإنترنت فينسخون ما يشاءون دون الحاجة لمحلات بيع الأفلام والأغاني والألعاب وغيرها، مما يمكن نسخه على الأقراص المدمجة».

وذكرت إيفانا سببا آخر لا يخلو من غرابة وهو أن «الناس لا يستمعون للموسيقى في الشتاء، فهذه التجارة تنتعش فقط في الصيف». واستدركت قائلة «في الصيف يعود المهاجرون، ويأتي إلينا الكثير من السياح، والكثير منهم يريد معرفة أوجه الفنون في بلادنا فيسألون عن الموسيقى المحلية، والأغاني الشعبية، والأفلام المنتجة في المنطقة، وبعضها مشهور كأفلام دانيس تانوفيتش، ومنها الأرض المحايدة، الذي حاز على الأوسكار في مهرجان فينيسيا، وغير ذلك».

ومن المحلات المشهورة في سراييفو، محل مغازة، الذي يملكه الفنان المشهور، دينو ميرلين، مرشح البوسنة في مسابقة يوروفيسيون، أو يوروفيسيوشن، السنوية. وقالت نرمينة سولوفيتش «محل مغازة، افتتحه الفنان المشهور دينو ميرلين، منذ 22 عاما، وقد قام ببيعه لنا قبل بضع سنوات، ونحن راضون عن الإيرادات، سواء بالبيع المباشر أو عن طريق الإنترنت، علما بأن الكثير من الناس يجدون الطريقة الوحيدة للحصول على الأشرطة بالمجيء إلى محلنا، ولذلك نحقق مبيعات جيدة». وعن نوع الزبائن الذين يرتادون المحل قالت «أكثرهم من المحبين والمعجبين بدينو ميرلين. وهواة جمع أقراص السي دي، التي تحتوي على أغانيه وكذلك الأجانب». ولاحظت «الشرق الأوسط» وجود آلات موسيقية، من بينها، آلة «الغيتار» فسألت صاحبة المحل عما إذا كان هنالك علاقة بين تجارة السي دي، والآلات الموسيقية فأجابت «بالطبع لا يمكن إنتاج أغان من دون آلات موسيقية، ولكن الأمر مختلف عند البيع، فالأغاني والأفلام المسجلة على الأقراص المدمجة في متناول الجميع، أما الآلات الموسيقية فهي للفنانين، أو طلبة معاهد الموسيقى، والهواة الذين يتدربون على العزف».

وأشارت إلى تنوع المبيعات في المحل، مما يعوض انخفاض الإقبال على بعضها «كما ترون لدينا الكثير من المعروضات، آلات العزف المختلفة، ومنها الآلات البوسنية المصنوعة يدويا، وكذلك لدينا أقراص السي دي، ولوحات الفن التشكيلي، والأسورة، وألعاب الكومبيوتر، والأغاني والأفلام المسجلة على الأقراص المدمجة». وحول ما إذا كان يتوجب على من يقوم بهذا العمل أن تكون لديه خبرة في الموسيقى، أو محترفا قالت «أنا وزملائي لم يسبق لنا دراسة الموسيقى أو التمثيل، وأعتقد بأننا لا نحتاج لذلك للقيام بهذا العمل، نحن نعتقد أنه يكفي أن تحب ما تعمله ونحن نحب عملنا». وحول تأثير الفنان الأشهر في البلقان دينو ميرلين، على عمل المحل أكدت على أن له تأثير كبير «يؤثر بشكل إيجابي، علما أن اسمه يساعد في المبيعات وهو السبب الذي زاد من مبيعاتنا عن طريق الإنترنت رغم وجود محلات أخرى». وحول التغييرات إن وجدت بين ما كان عليه الوضع قبل الحرب وبعدها أفادت بأن مبيعات أغاني دينو ميرلين، تسجل ارتفاعا «ليس لدي معلومات أو خبرة ولكن أنا متأكدة أن مبيعات أغاني دينو ميرلين على السي دي ترتفع والجمهور الذي يتوجه لحفلات دينو يزدادون، وهناك طلب كبير على منتوجات دينو ميرلين».

وعن المستقبل أبدت نرمينا تفاؤلا كبيرا «في المستقبل نفكر في زيادة العروض، نيتنا أن نجعل من هذه المغازة (اسم المحل) سوبر ماركت، يحتوي على الكثير من التنوع الفني، لتلبية الأذواق المختلفة، وحضور أوجه الثقافة المهمة والأشياء التي يمكن أن يقبل عليها الجمهور».

الشارع البوسني منقسم بين رافض للموسيقى، وغير مهتم، أو في حدود. وقالت عذراء سيارتشيتش (22 سنة) طالبة سنة ثانية علوم سياسية «اشتريت الكثير من الأغاني المسجلة على الأقراص المدمجة، وكذلك الأفلام، لأن الكثير منها غير موجود على الوسائل الأخرى المتاحة» وذكرت أنها لا تملك جهاز كومبيوتر، حتى تقوم بنسخ موسيقاها أو ما تريده من الإنترنت، لكنها تجيد استخدام الحاسوب والتعامل مع الإنترنت من خلال نوادي الإنترنت المنتشرة. صديقتها دينا إيدينوفيتش، (23 سنة) من السنجق، سنة ثالثة علم اجتماع أكدت على أنها لم تشتر في حياتها أقراصا مدمجة مسجلا عليها أغان أو ما شابه ذلك «لا أحتاج إلى ذلك إذ أن كل ما ترغب فيه موجود على الإنترنت.. لدي حاسوب وأعرف كيف أستخدم الإنترنت».

وترى دينا أن الناس الذين لا يزالون يلجأون لمحلات بيع ألعاب الأطفال المسجلة على الأقراص المدمجة أو ما شابهها، هم ممن لا يتعاطون أو يتعاملون مع الإنترنت أو تعودوا على التعامل بشكل تقليدي مع المنتوجات الجديدة. كما ترى أن «70% من الناس يحققون رغباتهم وحاجاتهم من خلال الإنترنت، متحدين المنع» واعتبرت المنع إجراءات من دون جدوى «هل بإمكان حكومة ما في العالم سجن 70% من مستخدمي الإنترنت». أما بالما أوميرفيتش (20 سنة) سنة أولى فلسفة فقد نفت هي الأخرى شراءها أغان أو أفلاما أو ألعابا من المحلات المخصصة لذلك «ليس لدي وقت، فأنا أدرس وأعمل في شركة للإنتاج المنزلي ولكن لدي صديقات يقمن بذلك بيد أن الأمر ليس ظاهرة» وأكدت أن الذين يلجأون لمحلات بيع الأقراص المدمجة ممن لا يتعاملون مع وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت. وتشاطر ألما، الكثيرين الرأي، بأن محلات بيع الأغاني والألعاب والأفلام المسجلة على أقراص مدمجة سيكون مصيرها الانقراض يوما من الأيام، لكن لا أحد يعرف متى، فذلك رهن بمدى انتشار الإنترنت في الأوساط الشعبية، ومدى توفر المساحات المطلوبة وسط زحمة الوقت والضغوط المتوالدة عن بعضها البعض.. الدراسة، والعمل، والمشكلات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وتلاطم الأفكار كموج البحار، لم تترك مجالا للرومانطقية كما يقولون.