الفن التركي المعاصر في مزاد علني في بريطانيا

روائع «أكيافاس» تتصدر أول مزاد لبيع لوحات فنية معاصرة في دار «بونهامز» للمزادات

لوحة «دراويش الصوفية» للمصور محمد جونيلي ولوحتان من أعمال إيرول أكيافاس
TT

بات خبراء الفن المعاصر مقتنعين، كما يبدو، بأن الفن التركي الحديث وصل إلى مرحلة متقدمة من «النضج»، بحيث أصبح بالإمكان تنظيم مزاد علني خاص به خارج تركيا، وتحديدا في قاعة المزادات في «بونهامز» في لندن يوم الثلاثاء 5 أبريل (نيسان) المقبل. ويأمل منظمو المزاد في أن 84 لوحة ستحظى بالاهتمام الدولي على غرار ما حصل لكثير من الفنانين الشرق أوسطيين، خصوصا في السوق الفنية البريطانية التي تظهر مزيدا من الاهتمام بالأعمال الفنية العربية والإيرانية والتركية.

ولم تأت خطوة تنظيم هذا المزاد في لندن من فراغ، بل إن خبراء الفن في «بونهامز» لاحظوا خلال السنوات القليلة الماضية أن المزادات التي شهدتها تركيا حققت أسعارا مرتفعة للأعمال المعاصرة، مما يعكس النمو المتزايد لتلك السوق، مما شجعهم على نقل التجربة إلى لندن.

يتضمن المزاد 84 عملا تشمل اللوحات والصور الفوتوغرافية وغيرها، وتقدر القيمة المتوقعة بنحو أكثر من مليون جنيه إسترليني. وتعكس هذه الأعمال مختلف المدارس الفنية المعاصرة في تركيا، والتي أخذت في السنوات القليلة الماضية تفرض ذاتها على المستويين الإقليمي والدولي.

وغالبية الفنانين المعروضة أعمالهم ما زالوا أحياء، ويعتبر عدد منهم من المخضرمين. وقال لندرو كيري، المتحدث باسم صالة مزادات «بونهامز»، لـ«الشرق الأوسط»، إن سوق الأعمال الفنية في تركيا تحظى باهتمام بالغ، على مستوى المزادات والزبائن أيضا، بما لدى تركيا من إرث ثقافي وتاريخي كبير.

ويعتبر الفنان إيرول أكيافاس (1932 - 1999) من أبرز الفنانين التجريبيين في تركيا، إذ استطاع أن يدمج تراثه التركي العريق بمؤثرات غربية حصل عليها خلال إقامته في فلورنسا وباريس ونيويورك، حيث عمل في مجال الهندسة المعمارية.

واشتهر أكيافاس بأعماله الفنية المتأثرة بالعمارة الحديثة، لكنه استوعب دائما التراث الإسلامي المتمثل في الصوفية والخط العربي والمنمنمات. ومن ثلاث لوحات ستعرض في المزاد، واحدة تقدر بسعر يتراوح بين 50 و70 ألف إسترليني.

ومن أعمال إيرول أكيافاس اللافتة في المزاد لوحة ازدانت باسم الرسول الكريم، وبها أحرف وعبارات تركية قديمة، معروضة بسعر يقدر بما بين 50 و70 ألف إسترليني، ولوحة أخرى بعنوان «ميراس الثامن» بها عبارات وصور لعمائر ومساجد قديمة، معروضة بنفس الثمن أيضا. ويأتي هذا المعرض الرئيسي الذي يضم تشكيلة واسعة ومتنوعة من أكثر الأعمال الفنية التركية المعاصرة طموحا وجودة وتميزا، بهدف تعزيز الروابط الفنية بين عالم الفن التركي المعاصر وعشاق الفن في أوروبا. ويعد المعرض منبرا مرموقا يعكس الفن التركي الأصيل، وحدثا فريدا ذا قيمة كبيرة لجامعي الأعمال والقطع الفنية والمستثمرين ومحبي الفن المعاصر في الغرب. وستضم التشكيلة المعروضة قطعا فنية ثمينة رائعة من الأعمال الفنية الرئيسية لنخبة من الفنانين الأتراك أمثال هالوك أكاكشه، ونازيف توبكوجلو، وسلمى جربز، وتانر سيلان، وانسي إيفنر، والمصور الفوتوغرافي محمد جونيلي الذي يقدم لوحة مهمة تحت اسم «دراويش الصوفية»، وهو من مواليد استانبول عام 1955، وشارك من قبل في معرضين في اسطنبول عامي 2006 و2007، ومعظم أعماله موجودة في متحف الفن التركي المعاصر في اسطنبول. وجمعت الأعمال المعروضة بين مختلف المدارس الفنية من الكلاسيكية الحديثة إلى التجريد. أبرزها في إطار الفن التشكيلي، كل من لوحات الفنان أحمد أوران ومراد موروفا وانسي إيفنر. تجلى ذلك في لوحات أوران، وهو من مواليد مدينة شنكل السياحية عام 1957، ودرس الفنون في الأكاديمية الوطنية ما بين 1977 و2000، ثم أكاديمية فيينا للفنون، وتتحلى موهبته في براعة أسلوبه في الفن التجريدي على الزجاج، سواء من حيث مزج الألوان الزيتية مع الاحتفاظ بنقائها، أو التقنيات المستخدمة بتناغم مدهش، والتي تدفع المشاهد إلى الاستغراق في جماليات عوالمها. وتتصدر لوحة في غاية الأهمية للرسام التركي الشهير «إيرول أكيافاس» بعنوان «نهاية المقابلة» مبيعات أول لوحات فنية تركية حديثة ومعاصرة في دار بونهامز للمزادات بالعاصمة البريطانية لندن يوم 5 أبريل (نيسان) المقبل. ويعود تاريخ إبداع اللوحات المزدوجة المرسومة بالقلم الرصاص والأكريليك والزيت والوسائل الممتزجة على القماش إلى عام 1982، وتظهر في الدليل النهائي لعمل أكيافاس وهو «إيرول أكيافاس.. حياته وأعماله» بواسطة دوست أوغلو، وهالدوناند بيرال مادرا. ويقدر سعر هذه اللوحة بمبلغ يتراوح بين 280.000 و340.000 جنيه إسترليني.

وقال ميهرين ريزفي، رئيس قسم الفن التركي في دار «بونهامز» للمزادات «نحن متحمسون جدا لتقديم مثل هذا العمل المهم في مشروعنا الأول للفن التركي الحديث والمعاصر. ويغطي هذا البيع إجمالا المجال ويعرض تشكيلة جديدة تقدمها هذه الثقافة الرائعة». وتجدر الإشارة إلى أن أكيافاس هو واحد من عدة فنانين كبار يشاركون بلوحاتهم في المزاد الذي يغطي تاريخ الفن التركي الحديث والمعاصر.

ومن حقبة ما بعد الحرب، تقدر لوحة «البيت» للرسام عابدين إلدير أوغلو التي رسمها في عام 1962 بمبلغ يتراوح بين 40.000 و60.000 جنيه إسترليني، وقدرت لوحة «لاعبو كرة القدم» للرسام فكرت موالا بمبلغ يتراوح بين 15.000 و20.000 جنيه إسترليني.

وتضم قائمة الفنانين الأتراك المعاصرين البارزين الذين تباع أعمالهم في المزاد الرسام برهان دوغان جاي الذي يتم تمثيله بلوحة «ألكسندر المتجول» التي رسمها عام 1977، وهي واحدة من أبرز اللوحات المؤثرة في سلسلة ألكسندر والس (والتي تقدر بمبلغ يتراوح بين 70.000 و90.000 جنيه إسترليني).

وتعرض أعمال أخرى من هذه السلسلة في المجموعات الدائمة الموجودة بمتحف غوغنهايم في مدينة نيويورك ومتحف بيناكوتيك للفن الحديث في مدينة ميونيخ الألمانية. ويظهر بيدري بايكام أيضا بعملين كبيرين هما لوحة «بوهيميا كريستيانا» (هانز غيغر وآخرون)، والتي يقدر سعرها بمبلغ يتراوح بين 30.000 و50.000 جنيه إسترليني، ولوحة «عروس البحر» التي يقدر سعرها بمبلغ يتراوح بين 30.000 و50.000 جنيه إسترليني.

وبرفقة هؤلاء وأسماء بارزة أخرى، سوف يعرض المزاد أيضا أعمالا من إبداع عدد من الفنانين الأتراك البارزين، مثل سلمى غوربوز (المولودة عام 1960) بلوحتها «الشاعر» التي يتراوح سعرها بين 32.000 و36.000 جنيه إسترليني، والرسام كزبان أركا باتيبيكي (المولود في عام 1956) بلوحته «أحمر داكن 2»، والتي يتراوح سعرها بين 15.000 و20.000 جنيه إسترليني، والفنانة فاطمة تولين (المولودة عام 1949) بلوحتها «الألم الأصفر» التي تم رسمها عام 1992، والتي يتراوح سعرها بين 22.000 و26.000 جنيه إسترليني، والفنان عصمت دوغان (المولود في عام 1957) بلوحته «المستشرق»، وهي قطعة من الوسائل المختلطة مثل الأكريليك على صورة بالأسود والأبيض ومرآة محدبة معلقة على الخشب (يتراوح سعرها بين 14.000 و18.000 جنيه إسترليني).

وقد اشتهرت تركيا منذ زمن بعيد بتقاليد رعاية الفنون. واليوم قد تأثر الفن التركي بالكثير من المفاهيم، مثل السياسة والتقاليد الاجتماعية وتراث الدولة العريق. ويمثل هذا المعرض الأصالة والدينامكية للفن التركي المعاصر، ويعد ذا ثقة كبيرة في تعزيز مساهمته في التوعية بالفن التركي المعاصر في سوق الفن الدولي.

وتميزت لوحات أحمد جينشتكين الأشبه بالأيقونات، بخصوصية أسلوبه الفني المتمثل في شفافية الألوان والعناصر المحدودة المستخدمة في لوحاته التي تصور وجوها هادئة تخيم عليها السكينة، بعيدا عن الازدحام السكاني، حيث إن التقنية التي استخدمها مغلفة بطبقة شفافة أشبه بالسيراميك. أما لوحات إيفنر بالحبر الصيني على الشاشة الحريرية فتصور انطباعاته عن عالم متخيل يعكس معاناة الواقع الإنساني من خلال أشباح الإمبراطورية في السيادة. وقد تميز عمل الفنان ياجيت يازجي، وهو من مواليد 1969، ببراعته في تركيب لوحة فنية من الزيت، ترحل بالمشاهد إلى عوالم أخرى أكثر إنسانية ورحابة من خلال خطوط وأعمدة ومعدن ومساحات لونية كسر حدتها بتحولها إلى منحنيات ودوائر متماوجة ومتناغمة مع إيقاع الموسيقى الكلاسيكية.