التوقيت الصيفي.. كل حسب ساعته

الأردن يبدأ العمل به نهاية الشهر * المغرب يكلف مكتب دراسات حول جدوى اعتماده طوال العام * في مصر يوفر الطاقة ويمنح الجسم وقتا أطول للراحة

فيلاديمير بوتين رئيس وزراء روسيا خلال زيارته لمركز المراقبة في غرينتش («الشرق الأوسط»)
TT

الرباط: لطيفة العروسني القاهرة: عالية قاسم

* تعتزم روسيا إلغاء التوقيت الشتوي بشكل دائم وذلك بعد ثلاثين عاما دأبت خلالها أكبر دولة في العالم (من حيث المساحة) مثل الكثير من بلدان العالم على اعتماد توقيت صيفي وآخر شتوي لتنهي بذلك النقاش المعتاد بشأن مميزات الانتقال إلى التوقيت الشتوي وسلبياته.

بينما تواجه بعض الدول العربية مشكلات تتعلق بالتوقيت الصيفي لأسباب سياسية وجغرافية مثل الضفة الغربية، فعلى الرغم من اعتماد السلطة الفلسطينية لتوقيت صيفي، فإنه لا ينطبق على القدس ولا على قطاع غزة حيث إن لكل منهما توقيتا صيفيا يبدأ وينتهي في توقيت مختلف.

ففي موسكو وعد الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف مواطنيه بانتهاء القلق النفسي مع الانتقال بشكل دائم للتوقيت الصيفي بدءا من يوم الأحد المقبل، السابع والعشرين من مارس (آذار) الحالي.

وكان الرئيس الروسي قد وجه في شهر فبراير (شباط) الماضي بعدم عودة روسيا للتوقيت الشتوي في فصل الخريف المقبل ليؤثر بذلك مرة أخرى على عقارب الساعة بعد أن خفض عدد المناطق الزمنية في بلاده من 11 منطقة إلى 9 مناطق.

وعن تقديم عقارب الساعة بواقع 60 دقيقة في إطار الانتقال للتوقيت الصيفي قال ميدفيديف «لم يعد علينا خوض هذا الأمر المزعج سوى مرة واحدة، لأن الانتقال للتوقيت الصيفي يعني دائما ساعة نوم أقل».

وأكد الرئيس الروسي أن تغيير التوقيت مرتين كل عام في روسيا سيتوقف للأبد، وذلك لأسباب «ليس آخرها تلك الأبقار التعيسة».

ويرى علماء روس أن تغيير التوقيت لا يكاد يوفر طاقة.

بل إن أركادي دفوركوفيتش، المستشار الاقتصادي لميدفيديف، يعتقد أن عدد ساعات الإضاءة نهارا يرتفع في بعض مناطق روسيا بواقع 7 إلى 17 في المائة.

واستشهدت وسائل إعلام روسية بدراسات علمية ذهب أصحابها إلى أن نسبة الإصابة بجلطات صدرية ترتفع بواقع مرة ونصف المرة بسبب تقديم الساعة في التوقيت الصيفي والعودة لتأخيرها في التوقيت الشتوي، «بل إن حالات الانتحار ترتفع بواقع 66» بسبب هذا التنقل المستمر بين التوقيتين.

وأظهر استطلاع للرأي أن 60 في المائة من المواطنين الروس يؤيدون هذا التغيير الذي وجه به رئيسهم.

ومع ذلك فإن أطباء يرون أنه من الأخطاء الشائعة أن تغيير التوقيت يتسبب فعلا في آلام جسدية. وعن ذلك قال الجراح الروسي سيرجي نيكونوف «يرد علينا الآلاف من المرضى في العام، لم نرصد مثل هذا التأثير عليهم».

غير أن خبراء يحذرون من أن عدد ساعات الظلام في شمال روسيا سيزداد، رغم طولها الحالي بالفعل، وأن ذلك ربما كانت له عواقب محزنة على نفوس المواطنين هناك.

ولكن منتقدين لسياسة الكرملين تجاه التوقيت الصيفي والشتوي يرون هذه السياسة قصيرة النظر لسبب آخر غير هذه الأسباب، ألا وهو أن إلغاء التوقيت الشتوي يزيد الفارق الزمني مع بلد مثل ألمانيا على سبيل المثال، وهي أهم شريك تجاري لروسيا داخل الاتحاد الأوروبي وذلك بمقدار ثلاث ساعات.

وبينما غير بلد مثل جورجيا، وهي دولة سوفياتية سابقة، توقيته منذ زمن طويل ليصبح مقاربا لأوقات العمل في الغرب، نجد أن روسيا تسير في الاتجاه المضاد.

ويرى خبراء روس أن زيادة الفارق الزمني لبلادهم مع الغرب في أشهر الشتاء يصعب التعاون الاقتصادي، بما يعنيه ذلك من خسائر اقتصادية.

ومن ناحية أخرى فإن جهات مثل الشبكة القومية للسكك الحديدية في روسيا سيسرها كثيرا إلغاء التوقيت الشتوي بما يعنيه ذلك من التخلص من أعباء إعداد مواعيد جديدة للقطارات مع كل انتقال لتوقيت مختلف.

وفي رام الله أعلنت الحكومة الفلسطينية أنه تقرر بدء العمل بالتوقيت الصيفي في فلسطين هذا العام، اعتبارا من منتصف ليلة الخميس 31 مارس 2011، وذلك بتقديم عقارب الساعة 60 دقيقة.

ويعني هذه الإعلان أن عقارب الساعة ستتقدم ساعة واحدة في الضفة الغربية فقط، وهذا لا يشمل بطبيعة الحال القدس، التي تخضع للتوقيت الإسرائيلي، وغزة التي تخضع للتوقيت الحمساوي، إلا إذا أعلن عن ذلك في نفس التاريخ.

وفي مسافة واحدة ضيقة من رام الله إلى القدس إلى غزة، قد يختلف التوقيت في بعض السنوات، إذا ما تأخرت السلطة عن إسرائيل، وفعلت كذلك، حكومة حماس، وهو ما يسبب إرهاقا كبيرا للموظفين والعمال الذين ينطلقون من الضفة إلى إسرائيل أو من القدس إلى رام الله.

ولكن عادة، تتبع السلطة ما تقرره إسرائيل في هذا المجال. وربما بسبب عدم سيطرة السلطة على كل المناطق التي يجب أن تكون تحت سيطرتها، ودون إقامة الدولة، فإنها لم تبحث أساسا إمكانية وجدوى بقاء التوقيت الصيفي أو عدم التعامل معه أصلا، مثلما ذهبت قبل ذلك دول وقررت أخيرا روسيا. وقال غسان الخطيب، الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، لـ«الشرق الأوسط»: «لم نبحث الأمر قط، هذه الفكرة لم تناقش من قبل». ولا يوجد دراسات متخصصة في فلسطين حول جدوى التوقيت الصيفي والشتوي وأيهما أفضل وكم يوفر أو يعتبر عائقا للاقتصاد الوليد الذي يستند على المساعدات.

أما في إسرائيل، فيبدو أن هناك قرارا بالعمل بالتوقيتين الشتوي والصيفي، بعد أن ناقشت إسرائيل في سنوات سابقة إمكانية التثبيت على توقيت واحد.

وعين مؤخرا وزير الداخلية الإسرائيلي إيلي يشاي، أعضاء اللجنة الجماهيرية لدراسة قضية التوقيت الصيفي في إسرائيل حسب قانون تعيين الوقت الذي يبدأ به العمل حسب التوقيت الصيفي. ويعتقد أن تبدأ إسرائيل التوقيت في الأول من أبريل (نيسان).

وقال رئيس لجنة الطاقة في اتحاد الصناعيين الإسرائيليين نافا سيلع، إن التوقيت الصيفي يوفر للاقتصاد الإسرائيلي نحو 100 مليون شيقل.

وأضاف في تصريح صحافي أن توفير الكهرباء ينبع من توفير نحو 6 في المائة من استعمال الكهرباء، كالإضاءة والمكيفات الكهربائية التي ستقلل نحو 51 مليون شيقل (الدولار يساوي 3.60 شيقل) من المصروفات.

وتعتبر فترة التوقيت الصيفي في إسرائيل من أقصر الفترات في العالم، حيث تبلغ 170 يوما فقط، ومثلها أيضا يكون التوقيت في الضفة وغزة، إذ عادة ما تتبع السلطة إسرائيل في هذه المسألة، بينما معدل التوقيت الصيفي في الولايات المتحدة يصل إلى 239 يوما، و218 يوما في أوروبا.

وفي عمان يبدأ العمل بالتوقيت الصيفي في الأردن اعتبارا من منتصف ليلة 31 مارس الحالي بتقديم عقارب الساعة 60 دقيقة. وكان مجلس الوزراء الأردني قرر اعتماد مبدأ التوقيت الصيفي بتقديم الساعة 60 دقيقة اعتبارا من منتصف ليلة آخر خميس من شهر مارس من كل عام ويستمر العمل به حتى آخر جمعة من شهر أكتوبر (تشرين الأول).

وقال الخبير الفلكي عماد مجاهد، إن مركز التوقيت العالمي (غرينتش) في ضواحي العاصمة البريطانية لندن والأردن يسبق هذا التوقيت بساعتين وقد لجأت الحكومة الأردنية منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي إلى اعتماد التوقيت الصيفي لأنه يوفر فاتورة الطاقة الكهربائية والنفطية، مشيرا إلى أن التوفير وصل في العام الماضي إلى أكثر من 45 مليون دولار في بلد محدود الموارد مثل الأردن.

وكان بعض المختصين قد أعلن في تصريح قبل سنوات أن الأردن بحاجة إلى تقديم الساعة نحو نصف ساعة كي تنتظم ساعته مع دول مثل العراق وإيران ودول الخليج، إلا أن آخرين قالوا إن هذا الموضوع بحاجة إلى قرار سياسي من كل دول المنطقة في الشرق الأوسط ودول الخليج العربي وإيران، وهذا الموضوع بعيد المنال في الوقت الحالي.

وفي بيروت تصدر رئاسة مجلس الوزراء اللبنانية كل سنة مذكرتين لضبط ساعة اللبنانيين، إحداهما لتحديد التوقيت الصيفي وأخرى لتحديد التوقيت الشتوي. ومنذ أيام أصدرت رئاسة المجلس مذكرة تحمل الرقم 79/م أشارت فيها إلى وجوب تقديم الساعة ساعة واحدة اعتبارا من منتصف ليل 26/27 مارس (آذار) 2011 تاريخ بدء العمل بالتوقيت الصيفي. على أن يستمر اعتماد هذا التوقيت حتى آخر سبت/ أحد من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وهذه المذكرة التي لا تتعدى كونها روتينا إداريا في حسابات رئاسة مجلس الوزراء يترتب عليها تغييرات حقيقية في حياة الناس، تؤدي إلى اضطرابات في النوم، وخلل في السلوك.

ويقول أمين عام الاتحاد العربي للعلوم النفسية الدكتور محمد أحمد النابلسي لـ«الشرق الأوسط» إن «تغيير التوقيت يؤدي إلى اضطراب الساعة البيولوجية عند الإنسان. وهذا الاضطراب يبدو أكثر وضوحا عند أولئك الذين يعيشون حياة فيها التزامات صباحية مبكرة. فمن يضطر للاستيقاظ عند الساعة السادسة صباحا بدلا من السابعة بينما لم يتمكن من النوم عند الثانية عشرة كما اعتاد ولم يخلد للنوم قبل الواحدة، لن يشعر بالراحة خلال اليوم، وسيبقى محتاجا لتعويض ساعة النوم التي فاتته». ويوضح النابلسي أن الجسد يستعد للنوم عند ساعة معينة بحيث يتغير إفراز الهرمونات، وتنخفض درجة حرارة الجسم، ليستكين الشخص ويخلد إلى الراحة. وبالتالي بإمكاننا القول إن الغدد كلها تقريبا، متورطة في عملية الاستعداد للنوم».

أما عن الوقت الذي يحتاجه الإنسان ليعيد تنظيم ساعته البيولوجية، فيقول الدكتور نابلسي: «إن من ينتقل من لبنان إلى سنغافورة، حيث فارق الوقت يصل إلى 6 ساعات تقريبا، قد يبقى مضطربا لمدة عشرة أيام، وثمة من يدخل في حالة من الكآبة، إن لم يتمكن من استعادة توازنه بسرعة. ويلتزم لبنان بتغيير توقيته مع الدول الأوروبية وهو ما لا يتطابق مع ما يحدث في سورية، حيث يعتمد التوقيت الصيفي بدءا من 1 أبريل (نيسان).

وتعود فكرة تغيير التوقيت إلى سنة 1784، حيث اقترح الفكرة بنيامين فرانكلين الذي كان يعمل في باريس كمندوب للولايات المتحدة، ضمن خطة اقتصادية تقدم بها، ولم يؤخذ باقتراحه يومها. وعاد وليم ولست ليتقدم بالفكرة ذاتها أمام البرلمان البريطاني عام 1907 ليتم تبنيها في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خلال الحرب العالمية الأولى بهدف توفير الطاقة. وبات هذا النظام متبعا اليوم في 87 دولة حول العالم.

أما في المغرب فقد بدأ اعتماد التوقيت الصيفي للمرة الأولى عام 1984 ودامت التجربة 15 شهرا من منتصف شهر مارس إلى الأول من أكتوبر، ثم عام 1989 ولم تدم سوى شهر واحد.

وبعد ذلك توقف العمل بهذا النظام إلى أن عاد العمل به مجددا في 2008 لعامين متتاليين. ولم يعلن بعد إن كان سيتم إضافة ساعة خلال الصيف العام الحالي، حيث يبدأ العمل بالتوقيت الصيفي منذ الأول من يونيو (حزيران) إلى مطلع سبتمبر (أيلول).

وفي العام الماضي استمر العمل بالتوقيت الصيفي شهرين فقط، وذلك بسبب تزامن شهر أغسطس (آب) مع بداية شهر رمضان، وهو ما اضطر معه المغرب إلى توقيف العمل بالتوقيت الصيفي، بعد أن أثار الأمر جدلا واسعا، نظرا لصعوبة تقبل المغاربة تأخير موعد الإفطار ساعة كاملة.

ويهدف المغرب من خلال اعتماد التوقيت الصيفي إلى الرغبة في التقليص من استهلاك الطاقة، حيث تشير المعطيات الرسمية إلى أن استهلاك الطاقة يتقلص بنسبة 1 في المائة، بيد أن هناك من يشكك في الأمر، ويعتبر أن إضافة ساعة خلال الصيف ليس لها أي جدوى.

ويؤثر التوقيت الصيفي في مزاج عدد كبير من المغاربة، حيث يجدون صعوبة في التأقلم معه طوال الصيف، نتيجة اضطراب ساعات النوم، وتأثيرها السلبي على نشاطهم، وفقدان التركيز بسبب تقلص عدد ساعات نومهم.

وكانت الحكومة المغربية قد أعلنت عن أنها ستنجز دراسة حول تأثير الساعة الإضافية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وقال سعد العلمي وزير تحديث القطاعات العامة، خلال مداخلة بالبرلمان في أكتوبر الماضي، إن الحكومة بادرت بتكليف مكتب دراسات مختص عهدت إليه بالانكباب على الدراسة المعمقة لجدوى إضافة ساعة إلى التوقيت القانوني الذي يعتمده المغرب.

وفي مصر يبدأ العمل بالتوقيت الصيفي من يوم «الخميس» الأخير من شهر أبريل (نيسان) وحتى يوم «الخميس» الأخير من سبتمبر (أيلول).

ويرى أحد أساتذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن التوقيت الصيفي يساعد على ترشيد استهلاك الكهرباء، وأيضا يمكن الاستفادة من طول ساعات النهار لزيادة الوقت المتاح للعمل. بينما يقول الدكتور محمد منير أستاذ الاقتصاد، وكيل كلية التجارة بجامعة حلوان، لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت مصر في اتباع إجراء التوقيت الصيفي بسبب ترشيد استهلاك الطاقة، والتوقيت الصيفي يتم بتقديم عقارب الساعة 60 دقيقة، ومن الممكن أن يكون لذلك تأثير على إنتاجية الإنسان، فتأخير ساعات الاستيقاظ له تأثيرات فسيولوجية على الجسم، حيث يحتاج الإنسان إلى مدة لا تقل عن شهر ليتكيف جسده مع هذه التغيرات، ولذلك فأنا أفضل التوقيت الشتوي».