لوحات غوستاف كايبوت تتحاور مع صور شقيقه مارسيال في معرض باريسي

أعمال قدمها أحفادهما وبعضها يرى النور للمرة الأولى

باريس القرن التاسع عشر كما رسمها غوستاف
TT

هل لأنهما كانا في غنى عن الفن، لم تلق أعمالهما الاهتمام المطلوب ولا حقق اسماهما الشهرة التي يستحقانها؟ إنهما الرسام الانطباعي الفرنسي غوستاف كايبوت وشقيقه المصور الفوتوغرافي مارسيال. فبعد أكثر من قرن على رحيلهما، تعيد باريس اكتشاف «عبقرية» الشقيقين من خلال معرض يقام في متحف «جاكمار أندريه»، في نوع من الاعتذار المتأخر.

والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي تعرض فيها لوحات غوستاف في العاصمة الفرنسية. فقد تعرف عليه الجمهور الباريسي عام 1994 من خلال معرض استضافه «القصر الكبير». ولقي نجاحا طيبا. أما الشقيق الأصغر فقد كان هاويا لفن يعتبر جديدا، آنذاك، هو التصوير الفوتوغرافي. وقد ورث الاثنان ثروة عائلية كانت تؤمن لهما عائدات تسمح لهما بالتعامل مع الفن مثل الهواة، أي أن كل واحد منهما كان ينفق على هوايته بدل أن يجعل منها مهنة للعيش. وبموازاة ذلك، اشتركا في هواية أخرى هي ركوب البحر.

عاش الشقيقان معا، لمدة 15 عاما، في الشقة نفسها الواقعة في جادة «هوسمان» في باريس. ولما تزوج مارسيال، اضطر إلى الابتعاد عن غوستاف نزولا عند رغبة أصهاره الجدد الأثرياء، أيضا، الذين كانوا يعتبرون رسومات هذا الأخير «فضائحية» وغير لائقة بالعائلات المحترمة لأنها تصور نساء عاريات، أحيانا. وها هي لوحات الشقيقين تجتمع، للمرة الأولى، في معرض مشترك بعنوان «في حميمية الأخوين كايبوت» يضم نحوا من 40 لوحة لغوستاف، بعضها لم يعرض من قبل، مطلقا. لقد احتفظ بها الجيل الرابع من أحفاد أخيه مارسيال، مثلما احتفظوا بالأعمال الفوتوغرافية لجدهم وقدموا لهذا المعرض 150 صورة منها. وهو في الحقيقة خليط عجيب، يجمع بين رسوم لفنان طليعي من فناني المدرسة الانطباعية، تتواجه مع صور تبدو وكأنها استلت من «ألبومات» عائلية لمصور هاو. ولعل منظمي المعرض تقصدوا هذه المواجهة نظرا للعلاقة الوطيدة التي ربطت الشقيقين وقرروا أن يتركوا أعمالهما تتحاور معا، الجدار مقابل الجدار، في تجربة لا تخلو من فرادة. إنه الانتقام المتأخر من الظروف التي فرقت بينهما في الحياة.

تعكس المعروضات، بشكل مثير، تحولات المجتمع الباريسي في فترة مهمة هي أواخر القرن التاسع عشر. وإذ يبحث المتفرج الحالي عن «شبهة» الفضائحية التي ألصقت بالرسام، آنذاك، فإنه لا يجد شيئا منها بمقياس قيم هذا الزمان. لقد رسم نساء ورجالا في لحظات من العزلة، في أحضان طبيعة باريسية ما زالت تحتفظ بطابعها القروي. إن شخوصه يتطلعون إلى البعيد وكأن هناك لغزا يبحث عنه الرسام ولا يدرك كنهه. كما تشير المعروضات إلى تأثر الشقيق المصور بلوحات شقيقه الرسام، وكأن مارسيال حاول أن يبتدع لنفسه موهبة تقف ندا لموهبة غوستاف، لا طمعا في المنافسة بل ميل إلى التكامل والتشبه بمثل أعلى. ويشير دليل المعرض إلى أن هذا الأخير بدأ هواية التصوير في فترة متأخرة، اعتبارا من أواخر عام 1880، وبعد سنوات قلائل توفي غوستاف عن 45 عاما، ولم يجد المصور ما يسليه في حزنه على فقدان شقيقه سوى تصوير لوحاته كلها وإنجاز واحد من أول الكتالوغات المصورة التي تجمع أعمال الرسامين.