أبواب وساحات مدن المغرب العتيقة بريشة فنان إسباني

فيدريكو بارانكو يرفض بيع لوحاته احتراما وحبا لها

لوحة من لوحات فيدريكو بارانكو من داخل مسجد («الشرق الأوسط»)
TT

تختص مدن فاس ومكناس والرباط ومراكش وطنجة والصويرة بسحر خاص، لذلك هام بها شعراء وكتاب ورسامون وموسيقيون من مختلف البلدان والقارات. لكل مدينة، من بين هذه المدن، تاريخها ورجالاتها ونكهتها، التي تميزها عن باقي المدن الأخرى. مدن كلما ضاقت أزقتها على المارة انفتح في الماضي باب يقود نحو عوالم من فتنة العمارة وبهاء النقش والألوان، إذ نكون، في داخل بناياتها التاريخية، مع عوالم من التشكيل الفاتن: مدارسها العتيقة بالفسيفساء وأقواسها، ومساجدها بصوامعها، أما دورها العتيقة فصارت تتحول إلى دور ضيافة ومساكن يجد فيها السياح، بعضا من الدفء المفتقد.

قبل أشهر بيعت لوحة زيتية، رسمها ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بنحو 420 ألف دولار، خلال مزاد أقيم بنيويورك. وهي لوحة رسمها تشرشل عام 1935، عندما كان يقضي عطلة بمدينة مراكش. هذه اللوحة، التي رسمها بالألوان الزيتية على قماش، لم تكن الوحيدة، بعد أن تعرف العالم على لوحات أخرى، خاصة لوحة «مراكش» ولوحة «مشهد تنغير».

وليس تشرشل هو الأوربي الوحيد الذي هام بمراكش وغيرها من مناطق ومدن المغرب، فرسمها، إذ سمع العالم عن حكايات عدد كبير من الرسامين، الذين ارتبطت أعمالهم بالمغرب ومدنه، كان بينهم الرسام الفرنسي جاك ماجوريل، الذي زار مراكش عام 1919، حيث وجد السحر الملائم ليواصل مهنته كرسام، ولما اقتنى قطعة أرضية عام 1924 جعل منها حديقة صارت مشهورة، اليوم، بـ«حديقة ماجوريل».

ضمن هذا العشق والتعلق بمدن المغرب، الذي يجعل الفنان يحول مشاهداته إلى تحف فنية، يحتضن فضاء «دار الشريفة» بالمدينة العتيقة، بمراكش، بتعاون مع معهد «سرفانتس» الإسباني، معرضا تشكيليا للفنان الإسباني فيدريكو بارانكو، تحت عنوان «أعمال مغربية». في هذا المعرض يقترح بارانكو، الذي ولد بمنطقة الأندلس عام 1949، قراءة تشكيلية لفضاءات عيش المغاربة ببعض المدن العتيقة، التي قضى بها جانبا كبيرا من حياته، خاصة مدن فاس ومراكش والصويرة. يقول الكاتب الإسباني خيسوس غريوس، في تقديمه للمعرض، إن «لوحات بارانكو تنقل إلينا شعورا بالطمأنينة، حيث نكون مع إعادة رسم للمساجد من الداخل، وللغرف الفارغة، التي يغلفها الصمت والوحدة واللعب بالأضواء، وألوان الزليج، والنوافذ المفتوحة على مشاهد غير محددة الملامح، مع أبواب مفتوحة أو مغلقة: أبواب كثيرة لا نعرف إلى أين ستقودنا، بينما يتراءى خلفها الغموض والمجهول».

ويشدد خيسوس على أن «المعرض يضعنا أمام لوحات ظلت مشاهدتها حكرا على راسمها والأصدقاء، رسومات يرفض الفنان بيعها، احتراما وحبا لها، خاصة أنها تختصر سنوات قضاها في عدد من مدن المغرب». من جهته، يقول بارانكو، واصفا علاقته بلوحاته: «هي رفقتي الوحيدة، أعيش معها وأسكن إليها، أحدثها وأنصت إليها، كما أقوم بإدخال تعديلات عليها باستمرار».

قدرة الفنان الإسباني على عدم السقوط في طريقة تعامل استشراقية مع مشاهداته في المغرب، ربما بسبب طول مقامه في البلد، انعكست على الأداء الفني، حيث نكون مع دقة في التقاط تفاصيل الفضاءات التي اشتغل عليها والموضوعات التي تناولها، خاصة الطريقة التي استطاع أن ينقل بها فسيفساء البيوت والبنايات والأزقة، وحركة الغادين والرائحين في الساحات، أو الجالسين على عتبات البيوت والحوانيت، وأجواء بعض الحوانيت والمحلات التجارية، مع رسم لنساء في رقصة «أحواش»، وهن في لباسهن التقليدي.

لا يخفي بارانكو عشقه لبعض مدن المغرب التي قضى بها جزءا كبيرا من حياته، خاصة مدينة فاس، حيث يقول: «فاس تغذيني دائما، والمغرب عاملني دائما بشكل جيد، لأنه منحني موضوعات جيدة جعلتها مواضيع لرسوماتي الفنية»، وإلى الرسومات، التي تنقل لشكل المعمار وحركة الناس في الأسواق والأزقة الشعبية، نكون مع بارانكو مع رسومات انطباعية، توظف موسيقيين وراقصات بملامح لا نتبينها بشكل كامل، داخل فضاءات تبدو مفتوحة، بينما تنقل، ربما، لحفلات شعبية ومواسم فنية، تلخص لعوالم جميلة تلهب الخيال. وسبق لبارانكو، قبل معرض «أعمال مغربية» بمراكش، أن أقام، بين 1969 و2001، مجموعة من المعارض في عدد من مدن المغرب وإسبانيا، بينها مدريد ولاكورونيا وطليطلة وفاس والرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش.