ربيع روحانا: يمكن لأي شخص أن يجد نفسه في مؤلفاتي

موسيقاه تروي قصصا عادية بمشاعر «مكثفة»

يحلم أن يقضي بقية حياته على جزيرة نائية، ربما ذلك نابع من حبه للعزلة
TT

وحدها الموسيقى استطاعت أن تطوع مزاجية المؤلف الموسيقي الشاب ربيع روحانا (من مواليد 1980). فهو يحمل «تناقضا» في شخصيته. يحلم ويعيش الواقع في آن واحد، «عايش لراسي» كما يقول. لا تعجبه أساليب «اللف والدوران». ورغم الصخب الدائم، الذي عاشه في أميركا منذ عام 1998 حتى عام 2007 حين عودته إلى لبنان، والاستقرار في قريته الوادعة «كوسبا» في قضاء الكورة، فإنه «حالم» من الدرجة الأولى. «الكورة استطاعت أن تبث رومانسيتها وهدوءها في شخصيتي». الطبيعة في قريته جعلته يتجه أكثر إلى عزف البيانو، إلا أنه مولع بـ«الدرامز» منذ صغره، الذي هجره ليعزف على آلتي «البيانو» و«الكيبورد».

موسيقاه تحكي قصصا واقعية يعيشها أناس من حوله، يقول: «يمكن لأي شخص أن يجد نفسه في مؤلفاتي». كتب أغاني عدة اكتست معظمها بلون انسيابي وارتجالي «لا يمكن أن تقدمه إلا موسيقى الجاز» وفق ما يؤكد، ويضيف: «الجاز تعبير صارخ عن الذات والآخرين بطريقة مختلفة ومألوفة. وما دام أنه يتمتع بالارتجال فبالتأكيد ستكون موسيقاه مليئة بالأحاسيس والمشاعر».

لمسات موسيقاه تروي القصص العادية بمشاعر «مكثفة»، يمكن للمستمع إليها أن يعيشها ويلمسها من خلال «نقرات» صغيرة تبث فيه تلك الذبذبات. ألف أغنية تحت عنوان «رغم كل الصعاب»، كتبها إلى جارته في أميركا المصابة بالسرطان (عمرها 40 عاما)، تحثها على المقاومة والوقوف «رغم كل المواقف الصعبة»، وقد استمعت إليها قبل وفاتها. يقول: «أكتب معاناة حياة يومية»، ويضيف: «أكتب لكل شخص يلي بدو يقولو». ويختار عناوين مؤلفاته قصيرة «لتعلق بأذهان الناس».

يذكر أول مرة حين أحضر والده «كيبورد» صغيرا لأخيه سامي الذي يكبره بتسع سنوات، كيف صار «يطنطن شغلات عليه»، على حد قوله، وهو ما زال في عمر الثماني سنوات، بعد أن أهمله سامي لأنه «ما خصو بالموسيقى» على ما يجزم مبتسما. من هذا «الكيبورد» تفتحت موهبته.

ابن الكورة اكتسب من والده عشق الموسيقى «كان والدي عازفا على الدربكة». تأثر به إلى درجة أن معظم تولعه الموسيقي يندرج بالطبيعة الشرقية للمقامات، إلا أنه موسيقى «جاز وروك» على الطريقة الغربية. روحية الإيقاع جعلته ينجذب إلى اكتشاف ذاته من خلال الموسيقى، وصارت تتضح بالنسبة إليه موهبته الموسيقية بعد أن دخل «الكونسرفتوار»، وبعد مشاركته في عمر الرابعة عشرة، فرقة محلية في قريته بالعزف في الأعياد الدينية. وفي الخامسة عشرة كان يستمع إلى باخ وفرقة «بينك فلويد»، وعبد الوهاب وكثير غيرهم، يقول: «هذا التنوع جعلني أكتشف قيمة اللحن».

بعد دخوله جامعة «الكسليك» للتخصص بالموسيقى، تعرف إلى مؤلفة موسيقية وأعجب بها تدعى عزيزة مصطفى الزرداح، وهي تؤلف موسيقى «الجاز» مدموجة بمقامات موسيقية تركية، ويعتبرها «ملكة». وتأثر بعد ذهابه إلى الولايات المتحدة الأميركية، والتحاقه بجامعة «بيركلي» العريقة بالموسيقي العالمي «تشيك كوريا» وهو من أهم موسيقيي «الإلكتريك».

يتحدث عن ألحانه بفخر فهي وليدة «شغل دائم» ويقول: «ألحاني تحاكي الإنسانية والعمق». ويؤكد بحزم أنه لا يغني ألحان غيره. ويبتعد عن نمط الوعظ في الموسيقى لأن معظم من يستمع إليه هم مراهقون صغار السن ولا يحبون هذا النمط الروتيني في حياتهم العائلية والمدرسية. وحين يخبرنا ربيع عن تجربته في التعليم الموسيقي في إحدى أهم مدارس لبنان الخاصة، يشعر بالغبطة وهو يحكي عن شغف طلابه بالموسيقى ومحبتهم له، وهم من المعجبين به ويشاهدون حفلاته دوما وليس آخرها حفلة أقيمت له مع فرقته التي يصل عدد أفرادها إلى أربعة أعضاء (بعد أن يتم قريبا انضمام عازف غيتار إلى الفرقة).

يحلم أن يقضي بقية حياته على جزيرة نائية، ربما ذلك نابع من حبه للعزلة، على الرغم من أنه «اجتماعي جدا». هو يستحيي لكنه لا يظهر ذلك أمام الجميع، يؤكد: «خجلي غير مفضوح». يحب الشمس كثيرا. يقضي معظم وقته في الصيف على الشاطئ، ولا يؤلف في هذا الفصل الذي يعتبره فصل الراحة والاستجمام، لكنه مع بداية الخريف يداخله شعور جامح بتأليف الموسيقى «ربما الطقس لديه تأثير عميق في مزاجيتي». يحب الحيوانات كثيرا إلى درجة أنه اقتنى كلبا سماه «ليون»، ويحاول ربيع دوما الدفاع عنها من خلال مشاركته الدائمة بكل تحرك يضمن حقوقها. يعتبر نفسه «مهووسا» بالتكنولوجيا والإلكترونيات، ويكره «الشوبينغ». أكلته المفضلة هي «اللازانيا»، أما ما يفضله على الدوام هو دخان السجائر الذي يكون «جمجمة» للدماغ ويدخن في اليوم علبة ونصف العلبة.