حكم يقضي ببقاء لوحة «فن الرسم» ليوهانس فيرميير في موقعها بالمتحف

رفض دعوى بإعادتها لورثة مالكها الذي باعها للزعيم النازي هتلر

لوحة «فن الرسم» للهولندي يوهانس فيرميير
TT

فرحة لا تماثلها فرحة انداحت وسط أرجاء القاعات الفخمة شديدة البهاء بمبنى «متحف الفنون الجميلة» بالعاصمة النمساوية فيينا، أول من أمس، عندما تأكد خبر قرار اتخذته لجنة قضائية عليا ببقاء لوحة «فن الرسم» للهولندي يوهانس فيرميير بموقعها المميز بالمتحف ورفض دعوى بإعادتها لورثة مالكها الذي باعها للزعيم النازي هتلر عام 1940.

كان عدد من ورثة جارمير كزيرمين قد رفعوا دعوى ضد الحكومة النمساوية مطالبين باستعادة اللوحة بدعوى أن جدهم قد أُجبر على بيعها بثلث قيمتها الحقيقية بمبلغ 1.65 مليون مارك لهتلر تحت الضغط والخوف من النظام النازي.

ومعروف أن هتلر كان رساما لم يحظَ بالقبول بمدرسة الفنون الجميلة فتحول للسياسة، ومن ثم مارس الرسم كهواية أثناء لحظات فراغه، كما سعى إلى امتلاك أعمال فنية قيمة من بينها هذه اللوحة التي كانت تمثل له الكثير بما فيها من تفاصيل فنية دقيقة تعكس عظمة التاريخ وروح النصر وبهاء الإبداع الفني وجماله.

من جانبها، كانت اللجنة القضائية قد عمدت إلى البحث والتقصي لمعرفة الظروف التي تمت فيها عملية البيع آنذاك، فتأكد لها أن المالك لم يجبر على البيع، كما ثبت في حالات سابقة، تمت بموجبها استعادة لوحات فخمة للورثة، بل ظهر أن مالك اللوحة كان عضوا بالحزب النازي وعرف عنه نشاطه وانخراطه في أكثر من لجنة أخرى، وذلك على الرغم من أن زوجته كانت يهودية، وذلك ما اعتمد عليه ورثته في تأكيد دعواهم أن أسرة جدهم مثلها مثل عدد من الأسر اليهودية تم استلابهم والاستيلاء على ممتلكاتهم بواسطة النظام النازي.

وفي معرض ردها، أكدت اللجنة أن بيع اللوحة تم بواسطة محامين وكلاء عن المالك، مما يؤكد أن البيع كان قانونيا وليس استلابا.

ومعلوم أن عددا من المتاحف النمساوية قد جابه من قبل ولا يزال يجابه عددا من القضايا القانونية التي يرفعها يهود يطالبون باستعادة ممتلكات ولوحات فنية قيمة استلبها منهم  النظام النازي أو أجبرهم على بيعها بأثمان بخسة ومن بينها لوحة «أدلر بلوخ باور» التي رسمها عام 1907 الفنان النمساوي الأشهر غوستاف كليمت وانتزعها قرار قضائي من متحف قصر البلفدير عام 2006 معيدا إياها لسيدة أميركية في التسعينات من عمرها حكمت لها المحكمة بملكية اللوحة التي تحمل وجها رسمه الفنان لعمتها أدلر بلوخ باور.

من جانبها، تعتبر لوحة فيرميير «فنان في مرسمه» واحدة من أشهر لوحات العصر الـ17 ومعلما وسط لوحات فيرميير، الذي اشتهر بدقته في رسم أدق التفاصيل واللعب بالألوان لعكس تمازج وانعكاسات الضوء والظل، ويبدو فيها رساما يجلس على مقعد خشبي مرتديا لملابس تقليدية شعبية وهو يرسم سيدة أنيقة على رأسها قبعة من فروع وأزهار بلون التركواز تقف في ركن من الاستوديو وهي تحمل كتابا ذهبي اللون وتتمعن في وجه تمثال.

ويقول مؤرخون إن لوحة فيرميير، الذي له أكثر من لوحة لنساء يقمن بأعمال خاصة كبائعة الحليب وصاحبة القرط وسيدة القبعة الحمراء، «فن الرسم» أو «فنان في مرسمه» تعتبر تاج أعماله وأكثرها إبداعا وأكبرها حجما؛ إذ يبلغ حجمها 4 أضعاف حجم لوحاته الأخرى وقد رسمها بالألوان الزيتية على قماش كنفاة يقدر ثمنها في ذلك الزمان بأكثر من ألف غلدر هولندي وهو ثمن باهظ بكل التقديرات.

كان فيرميير قد رسم هذه اللوحة لإظهار مقدرته كرسام على الإبداع رسما، وذلك بعد أن قصده في مرسمه ذات يوم دبلوماسي فرنسي كان يرغب في شراء بعض اللوحات إلا أن المرسم كان فارغا؛ إذ كان فيرميير يبيع رسوماته لإعاشة أسرته الكبيرة التي تتكون من 11 طفلا ظلوا لفقره يعيشون مع أسرة زوجته. اضطر فيرميير لاصطحاب الدبلوماسي لمتجر حلواني بالجوار كان يزين محله بعدد من لوحات فيرميير إلا أن الدبلوماسي تأفف من ذلك ولم يبد إعجابا باللوحات ومضى دون أن يوصي فيرميير برسم لوحة أو اثنتين فاتخذ فيرميير قرارا برسم لوحة تؤكد موهبته فعمد إلى رسم لوحة «فن الرسم» التي أخذت منه مدة 6 أشهر كاملة أتقن فيها كل موضع من مواضعها بأسلوب وكأنه حمل كاميرا فوتوغرافية لتصوير ملامحها وعلى الرغم من ذلك فإنه على الرغم من فقره المدقع رفض بيعها محتفظا بها كمعلم لإبداعه وموهبته فجاءت اللوحة كدرة للعصر الذهبي للفن الهولندي.

من جانبها، وفي تعليق على حكم اللجنة القضائية رحبت سابين هاق، مديرة متحف الفنون الجميلة، بالقرار أيما ترحيب، مؤكدة أن الحكم يؤمن بقاء اللوحة قانونيا وللأبد ضمن ملكية المتحف، مما يتيح للملايين من زوار المتحف من مختلف بقاع العالم الاستمتاع بها.