شارع المتنبي في بغداد.. ينافس «فيس بوك»

أي إعلان فيه حتى عن مظاهرة ينتشر كالنار في الهشيم

عراقيون يبحثون عن ضالتهم في مكتبات شارع المتنبي ببغداد (رويترز)
TT

الدخول إلى شارع المتنبي في قلب بغداد الذي كان نابضا بالحركة ليس مثل الخروج منه. ليس بوسع أحد مقاومة إغراء الكتب والمصنفات والدوريات التي بدأت تتناثر على أرصفة هذا الشارع الذي يتعايش فيه الماضي والحاضر والأصالة والمعاصرة، والذي هو أيضا واسطة العقد بين شارع الرشيد من جهة ساحة الميدان ونهر دجلة بمحاذاة سوق السراي الشهيرة هي الأخرى.

فقبل عام 2003 كانت حركة النشر والتأليف مقيدة بقوانين وإجراءات رقابية صارمة من قبل السلطات وهو ما شجع ازدهار ظاهرة الاستنساخ لا سيما للكتب الممنوعة حيث كان يجري تداولها في الخفاء. لكن بعد عام 2003 اختفت الرقابة على النشر والمصنفات بكل أنواعها، وفي الوقت الذي توقفت فيه ظاهرة الاستنساخ للممنوعات، ظلت الظاهرة ذاتها حتى بعد الاحتلال حيث تحولت هذه المرة إلى تجارة رابحة لكن للكتب التي بدأت تدخل السوق العراقية بأسعار عالية ويجري استنساخها على نطاق واسع على سبيل فرق السعر.

ومر شارع المتنبي خلال العقدين الماضيين بعدة تحولات كان أهمها المرحلة التي أعقبت فرض الحصار على العراق عام 1990 والتي كان من بين أبرز ملامحها وخواصها لجوء غالبية الأدباء والمثقفين العراقيين إلى بيع كتبهم لإعالة عوائلهم. وفي حين بدأت الظاهرة على استحياء أول الأمر وذلك بأن يجلب الأديب أو الكاتب مجموعة من كتبه لغرض بيعها، فإنه وبسبب عدم وجود سوق رائجة للكثير من الكتب فقد اضطر البعض إلى عرضها للبيع على قارعة الطريق خصوصا يوم الجمعة. ومن ظاهرة بسيطة أول الأمر، فإنها سرعان ما تحولت إلى نوع من التجارة احترفها البعض لسنوات خصوصا سنوات الحصار.

أما المرحلة الثانية، فقد بدأت بعد عام 2003 حيث كان أبرز ما ميز شارع المتنبي هو الانفتاح الثقافي والمعرفي الواسع الذي تمثل أيضا بظاهرة مثلت هي الأخرى مفارقة مهمة. ففي حين كان صدام حسين يمنع كتب خصومه من سياسيين ورجال دين فضلا عن قائمة طويلة من الممنوعات لمسوغات شتى، فإن خصومه الذين يقودون السلطة الآن يتوسدون معه أرصفة شارع المتنبي حيث تنتشر الروايات التي ألفها صدام حسين مثل «زبيبة والملك» و«القلعة الحصينة» وغيرها فضلا عن الكتب التي كتبت عنه طوال فترة حكمه مع الكتب التي تتناول سير وتاريخ حتى من تولى صدام حسين إعدامهم مثل محمد باقر الصدر ومحمد محمد صادق الصدر فضلا عن كتب الفقه والتشريع بمختلف أنواعها ومصنفاتها ومرجعياتها.

وبعد عام 2003 مر شارع المتنبي بمرحلتين كانت الأولى قبل تعرضه للتفجير الذي دمره بالكامل تقريبا عام 2006 في ذروة الاقتتال الطائفي في العراق وأدى إلى مقتل المئات من رواده وباعة الكتب بمن فيهم الأبناء الخمسة لصاحب أشهر مقهى في الشارع وهي «مقهى الشابندر» والمرحلة الثانية هي التي أعقبت عملية إعادة بناء وترميم هذا الشارع من قبل السلطات العراقية حيث زاره كبار المسؤولين بعد افتتاحه من بينهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ونائب رئيس الوزراء برهم صالح الذي تولى الإشراف على عملية إعادة ترميمه. غير أن المرحلة الأخطر التي مر بها شارع المتنبي هي التي يمر بها الآن بعد قيام الثورات والانتفاضات في العالم العربي حيث تحول المتنبي إلى أبرز المتصدين لعملية برمجة المظاهرات والاعتصامات التي جرت في العراق منذ 15 فبراير (شباط) الماضي وحتى اليوم.

وخلال الجولة الأخيرة التي قامت بها «الشرق الأوسط» الجمعة الماضي في شارع المتنبي، فإنه وطبقا للأحاديث التي أدلى بها بعض أشهر باعة الكتب في هذا الشارع ومنهم نعيم الشطري صاحب أشهر مزاد علني فيه للكتب وعباس جاسم نصيف صاحب دار «الجواهري» وعدد من الأدباء والمثقفين منهم الناقد عباس لطيف رئيس نادي المسرح في اتحاد الأدباء، فقد أجمعوا على أن شارع المتنبي «بات الآن ينافس (فيس بوك) على صعيد الحشد والشحن معا». ففي الوقت الذي كثيرا ما تجري فيه عمليات الحشد والتأييد للمظاهرات عبر (فيس بوك) فإنه ما إن يأتي أحدهم إلى المتنبي أو يكتب إعلانا يوم الجمعة على أحد أعمدته عن أية قضية، فإنها سرعان ما تنتشر مثل النار في الهشيم. وبالتالي، فإن معظم ما يحصل على صعيد التهيئة والتحضير للعديد من المظاهرات والاعتصامات يجري على (فيس بوك) من جهة، وفي شارع المتنبي من جهة أخرى.