جدة تشيع محمد صادق دياب الذي تنازل عن لقب «الدكتور» ليفخر بعمادتها

ووري الثرى في مقبرة «أمنا حواء»

تشييع جثمان الراحل محمد صادق دياب (تصوير: مروان الجهني)
TT

شيعت، أمس، جدة فقيدها الأديب محمد صادق دياب إلى مثواه الأخير في مقبرة «أمنا حواء»، الموقع القريب من المكان الذي اغتسل فيه الصحابي الجليل عثمان بن عفان، حينما جاء إلى جدة، كما أشار إلى ذلك الفقيد في آخر مقالاته حول المقبرة.

فبحضور حشد كبير من أدباء ومثقفي وأعيان جدة وعمدها، أديت صلاة الميت على الفقيد الذي توفي ظهر الجمعة الماضي في لندن، بعد رحلة علاج مضنية مع مرض السرطان.

وسادت المقبرة القريبة من مسقط رأس الفقيد - حارة الشام وسط المنطقة التاريخية - حالة من الحزن على فراق محمد صادق دياب، الذي كشف المقربون منه أنه حصل على درجة الدكتوراه في علم النفس، ورفض أن يطلق عليه لقب «الدكتور»، متمسكا بلقب «العمدة»، الذي أطلقه عليه أصدقاؤه والمقربون منه.

كما لم يخف أصدقاؤه والمقربون منه الوضع النفسي الذي عاشه الفقيد بعيدا عن جدة خلال تعرضها لسيولها الأخيرة، وتمنى حينها أن يعيش الآلام والحزن مع أهل مدينته التي عشقها منذ الصغر.

أحمد صادق دياب، شقيق الفقيد، قال عنه: «كان، رحمة الله عليه، قبل وفاته مستسلما لقدره، وكانت آخر الكلمات التي قالها قبل الشهادتين: (اللهم إن كنت تعلم أن الموت خيرا لي فاقبض روحي برحمتك، وإن كنت تعلم أن الحياة أبقى لي، فامدد في عمري)، فاختاره الله».

وزاد أحمد بصوت تحشرج بألم الفراق، أن الراحل عاش حياته بكاملها، وهو لا يفكر في نفسه، بل يفكر في الآخرين، وله مواقف مع كل أفراد أسرته، اتسمت بالحب والصفاء والود، وعظيم الاحترام والتقدير، وهناك كثر من خارج الأسرة، لا تزال بصمته، موجودة في حياتهم، وهذا الحب الكبير الذي رافق حياته ومرضه وموته، هو دلالة على حب الناس له، والله، سبحانه وتعالى، إذا أحب عبدا حبب عباده فيه، متمنيا أن يتغمده الله بواسع رحمته.

وبعبارات يعتصرها الحزن تحدث عبد الله بن أحمد الثقفي، مدير عام التربية والتعليم بجدة، قائلا: «يعجز الإنسان عن الحديث في مثل هذه المواقف، لأنه من الصعب الوفاء بما يستحقه الأوفياء لوطنهم وأجيالهم وأمتهم. فمحمد صادق دياب أحد أولئك المخلصين لوطنهم والصادقين في أعمالهم في مراحل حياته المتعددة. فعبر مشواره الحياتي كان نموذجا للشخصية المكتملة في كل جوانبها؛ قيادة وأدبا وثقافة، وهي مقومات من شأنها أن تمنحه كل هذه المحبة من مجتمعه، ولعلني هنا أتحدث عن محمد صادق دياب المعلم والمشرف والتربوي الذي تحتفظ مدارس جدة بكثير من روائعه وسطور عباراته التوجيهية التي امتزجت فيها شخصية المسؤول بلغة الأديب، فشكلت نموذجا لرسائل تربوية توجيهية في سجل وصفحات الزيارات المدرسية، ستبقى عنوانا وشاهدا لمرحلة مضت، ومنهلا لكثير من تربويين ومعلمين في أيامنا الحاضرة».

وأضاف الثقفي: «نحتفظ في أروقة مدارسنا وإدارتنا بكثير من جماليات وروائع هذا الأديب الصادق الذي انطلق من التربية، وحمل همها، وظل شريكا دائما لكل التربويين، ويكفي أنه أسس اللبنات الأولى لإدارة التوجيه والإرشاد في جدة، ولذا فإن محمد صادق دياب لم يكن أديبا أو ناقدا أو إعلاميا فحسب، بل كان تربويا ومعلما ومشرفا قبل كل شيء، أفنى كثيرا من أيام عمره في خدمة التربية والتعليم،، لذا فإنني أعزي نفسي وكل التربويين في رحيله وفقدانه، أسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان».

من جهته، وصف محمد معروف الشيباني، نائب الرئيس التنفيذي لـ«المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق» (سابقا)، الفقيد بأنه شخص سلم المسلمون من لسانه ويده، ومثال للأدب والإخلاص والتفاني في عمله.. وقال: «لا نعرف معادن الناس إلا عندما نفقدهم، وهذا حال الدنيا، فقد لازمته خلال فترة العمل في (الشركة السعودية للأبحاث والنشر)، وكان من خيرة الناس عملا في كل المناصب التي تقلدها؛ في المعضلات مبتسم، وفي كل الإشكالات كان أول المبادرين لحلها والمصالحة ما بين زملائه. كان بشوشا كريم النفس واليد والعمل.. فقدنا أخا كريما وخلوقا مع الجميع، وقد كان متماسكا إلى آخر لحظات عمره، وإيمانه قوي».

خالد المعينا، رئيس تحرير جريدة «عرب نيوز» قال إن الفقيد كان نعم الأخ والصديق فقد كان حنونا كريما على أهله وأبناء حارته، ومساعدا للضعفاء والمساكين بما يقدمه لهم أو بالتوسط والشفاعة لهم عند المسؤولين والتجار لما يمتلكه من علاقات طيبة مع الجميع.

وأضاف المعينا: «محمد صادق دياب المصدر الأول للمعلومة عن جدة، وعلى الرغم من كم المعلومات والعلم الكبير الذي ناله من الدنيا لم يعرف الغرور. ولعل الكم الكبير من المشيعين له اليوم هو خير دليل على حب هذا الشخص من كل الأطياف في جدة».

وقال زين أمين (صديق الفقيد): «هذا الرجل عاش بالحكمة وعاش بالعزة والشموخ. كان من المبدعين ومعلما وعالم اجتماع ومربيا متمكنا، وقد حصل على شهادة الدكتوراه ورفض الإعلان عنها لرفضه منصب الدكتور وحبه للقب العمدة، فهو عمدة جدة التي عشقها بكل ما فيها».

أحمد باديب تحدث عنه قائلا: «هذا الرجل من أهم رجال جدة، فهو محمد صادق دياب الذي تعرفه كل مناطق جدة وأحيائها. لن تجد شخصا عاشقا لجدة كمحمد صادق دياب. وجدة فقدت أول شخص من جيل الأدباء الثالث لمدينة جدة؛ الجيل الأول الذي ترأسه محمد حسن عواد، ثم جاء جيل محمد علي مغربي ومحمد درويش، ثم جاء جيل الأوائل ومنهم عبد الله مناع، ثم جاء جيلنا وعمدته محمد صادق دياب، كنا كل يوم نلتقي مع بعضنا، وكنا نتنافس في المعلومة الجداوية، وهو الدكتور في محبة جدة».

سامر العوفي، مصور صحيفة «عكاظ»، قال متأثرا: «أتذكر محمد صادق دياب عندما أعادني إلى صفوف الدراسة بعد تركي لها وشفاعته لي. أتذكر عندما أشار إلي بالذهاب إلي صحيفة (عكاظ) والعمل كمصور فوتوغرافي، وهي المهنة التي احترفتها الآن، وأدين فيها بالفضل إلى دياب بعد الله».

حسن الظاهري، الذي لازم محمد صادق دياب 27 عاما في محطات عمله؛ من جريدة «المدينة»، وحتى ترؤسه مجلة «الحج»، وكان على تواصل معه حتى قبيل وفاته، قال إنه «كان نعم الأخ والصديق، فقد علمت بخبر وفاته وأنا خارج المملكة لحضور مراسم عزاء والد زوجتي، وقد جئت لحضور مراسم عزاء أخي محمد دياب، فقد كان الأخ والموجه، وفقده فقد عزيز ليس لي فقط، بل لجدة كافة، وهو الذي كان دائم السؤال عنها. أتذكر عندما حادثته عما حدث لجدة في كارثتها الأخيرة، وكان حينها يتلقى العلاج في لندن وقد أصابه الغضب، وتمنى لو أنه عاش مع جدة كارثتها في ذلك الوقت مفضلا أذاها على برد وهواء لندن».

الأديب يحيى باجنيد وصف دياب بأنه «إنسان محب للجميع، ملتصق بجدة وتراثها وكان صاحب عبارة جميلة وقلم جميل. فقدناه على مستوى الثقافة والأدب والصحافة، وعلى المستوى الشخصي، فهو نعم الصديق والأخ».

وعبر أحمد سعيد الغامدي، المدير التنفيذي لإدارة العلاقات العامة والإعلام بالغرفة التجارية - الصناعية بجدة عن بالغ حزنه وأساه برحيل رجل القلم وفارس الكلمة وابن جدة المثقف الإعلامي، محمد صادق دياب، يوم الجمعة الماضي، بعد سجل حافل بالعطاء الأدبي والثقافي والإعلامي، داعيا الله أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

وقال الغامدي: «يشكل رحيل الأديب محمد صادق دياب خسارة للساحة الأدبية والإعلامية في المملكة العربية السعودية، فسجله يزخر بإسهامات قيمة ومتميزة شهد لها الجميع بالأصالة والإبداع والتألق، كما كان له إسهام متميز في مجال النشر، من خلال كتاباته الأدبية ومقالاته الصحافية التي نشرها عبر مختلف المجلات والدوريات والصحف».

يوسف بكر من أبناء حارة الفقيد، أكد على مآثر الرجل ودعمه لكل أبناء حارته صغارا وكبارا، وهو المحب لفعل الخير رجل الطيبة والأدب.

ووصف عبد الله الحرازي، أحد سكان حارة الفقيد دياب بالصديق والأخ، وقال إنه «صديق الفقراء وكان يرحمه الله مثالا لنبل الأخلاق والمحب المصلح بين أصدقائه وإخوته».

واتفق عمد حارات جدة على حب الفقيد، وحضروا جميعا تشييع جثمانه حبا ووفاء لرجل فقدته جدة، كما أشار إلى ذلك العمدة عبد الصمد محمد عبد الصمد، الذي قال: «فقدنا صديقا وأخا محبا لجدة وأهل جدة».

وكانت وزارة الثقافة والإعلام السعودية، نعت أمس، محمد صادق دياب، الذي رحل، أول من أمس، وقدم الدكتور عبد العزيز خوجة، وزير الثقافة والإعلام السعودي، التعازي لعائلة الفقيد وللمثقفين والإعلاميين السعوديين، وقال خوجة: «نتمنى من الله العلي القدير أن يتغمد فقيدنا وكاتبنا في واسع جناته، ونرفع أصدق المواساة لعائلته وللوسط الثقافي، والإعلامي والأدبي، وقد كان محمد صادق دياب، شخصية جامعة لكل الآداب، والمواهب، وكان ذا خلق رفيع».

وأوضح وزير الثقافة والإعلام، أن محمد صادق دياب، سيبقى أحد الرموز الكبيرة والمضيئة، مخلفا وراءه إرثا عظيما من الطيبة والخلق، والوفاء، والمهنية الجميلة، لمسؤولية القلم، ومسؤولية الغور في عالم الإعلام، وكان كاتبا صادقا ومهنيا، وهو إنسان لا نستطيع أن ننسى دماثته وخلقه الرفيع.

ومحمد صادق دياب، الذي ولد في جدة في الثاني والعشرين من يوليو (تموز) من عام 1944م، نال مؤخرا درجة الدكتوراه، وقبلها الماجستير في علم النفس التربوي من جامعة وسكنسن الأميركية عام ،1976 ويحمل دبلوما عاليا في الإدارة التربوية من جامعة أوكلاهوما عام 1975، وبكالوريوس في التربية وعلم النفس من كلية التربية بمكة المكرمة عام 1970. عمل في حقل التعليم بين عامي 1970 و1993م، معلما ومحاضرا في كلية المعلمين بمكة المكرمة، ثم مديرا لتوجيه الطلاب وإرشادهم بالإدارة العامة للتعليم بالمنطقة الغربية.

وقد رأس دياب تحرير عدة مجلات سعودية، من بينها «اقرأ»، و«الجديدة»، ومجلة «الحج والعمرة». وقد عمل مشرفا على ملحق الأربعاء بجريدة «المدينة»، ومديرا لتحرير مجلة «سيدتي»، ومديرا لمكتبها في جدة.

وكان لدياب كثير من الأنشطة الإعلامية والثقافية؛ فكان عضوا في نادي جدة الأدبي الثقافي وعضو هيئة الصحافيين السعوديين، وعضو لجنة تحكيم جائزة منتدى جدة الاقتصادي للتميز الإعلامي، الذي نظمته الغرفة التجارية - الصناعية بمحافظة جدة، وأسهم في إعداد وتقديم الكثير من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، من أبرزها البرنامج الإذاعي «مشاهد وانطباعات»، الذي قدمته إذاعة جدة. وشارك في كتابة نصوص عدة أفلام روائية ووثائقية، منها فيلم «قافلة الحج» الذي أنتجته المؤسسة الأهلية لمطوِّفي حجاج دول جنوب آسيا، بمناسبة احتفالها بمرور 25 عاما على تأسيسها.