ارتفاع تعداد سكان الهند واستمرار انخفاض نسبة المواليد الإناث

يمثلون 17% من سكان العالم بعدما وصل تعدادهم إلى 1.2 مليار نسمة خلال العام الحالي

يمثل الإحصاء السكاني، هو الخامس عشر الذي تجريه الهند منذ عام 1872، جهدا توزع على مدار عام شارك فيه 2.7 مليون موظف قاموا بمسح نحو 300 مليون منزل
TT

بات تعداد سكان الهند يمثل سدس سكان العالم، حيث أصبحت هذه الدولة الواقعة جنوب آسيا تضم الآن نحو 17 في المائة من سكان العالم، بعدما وصل تعدادهم إلى 1.21 مليار نسمة خلال العام الحالي.

وقد تركت الهند التي حققت نموا كبيرا مسألة الاهتمام بالفتيات وراء ظهرها. ويمكن القول إن البلاد تسير بمحاذاة أكبر اقتصادات العالم، كاتبة بذلك قصة نمو رائعة. لكن ما زال يتعين على سكان الهند أن يتخلصوا من تحيزهم ضد الفتيات، حسبما أظهر أحدث بيان لإحصاء تعداد السكان.

وقد أحصت الهند مؤخرا سكانها، في ما يمكن أن يوصف بأنه أكبر محاولة على الإطلاق في التاريخ لإحصاء وتصنيف مواطني دولة واحدة في العالم خلال أوقات السلم. وكان هذا هو الإحصاء الخامس عشر الذي تجريه الهند منذ عام 1872، وهو يمثل جهدا هائلا توزع على مدار عام. وشارك في إجراء الإحصاء 2.7 مليون موظف قاموا بمسح نحو 300 مليون منزل، وسجلوا للمرة الأولى ما إذا كان الناس يعيشون في أكواخ رئيسية أو في مبان إسمنتية ويتمتعون بميزة استخدام الكهرباء ودورات المياه، وما إذا كانوا قد قضوا أي وقت في المدارس، أم لا.

وسوف تساعد هذه المسائل الإداريين على تطوير السياسات ووضع ميزانيات لدولة يعيش فيها 800 مليون فرد تحت خط الفقر. وقد تم إدراج كل السكان تقريبا، بغض النظر عن جنسيتهم، في الإحصاء بمن في ذلك الأشخاص المعتقلون، مثل الباكستاني أجمل كساب، المحكوم عليه بالإعدام لدوره في هجمات مومباي الإرهابية عام 2008، كما تم إحصاء الملايين من المشردين.

ونشرت الهند في الإحصاء الأخير أسوأ معدل للانتهاكات المتعلقة بتفضيل الذكور على الإناث منذ استقلالها، لأن التفضيل القبيح للأطفال الذكور في عدة أجزاء من الهند ارتفع برفقة النمو الاقتصادي المحتفى به إلى حد كبير. وقد انخفض عدد الفتيات، اللائي غالبا ما يتم إجهاضهن أثناء الحمل، في الفئة العمرية من سن الولادة إلى سن 6 سنوات، أو معدل النوع للأطفال، حسبما يوصف، إلى أدنى مستوياته منذ استقلال الهند، حيث وصل عدد الذكور مقارنة بالإناث لكل 1000 طفل وليد في الهند إلى 914 مولودا ذكرا مقابل 86 أنثى، حسبما أفادت البيانات التي نشرت مؤخرا.

واعترف وزير الداخلية الهندي جي كيه بيلاي، بأن الإجراءات المطبقة لدراسة الانخفاض في معدل نوعية الأطفال قد فشلت. وقال «بغض النظر عما إذا كانت السياسات التي كنا نتبعها تحتاج إلى مراجعة كاملة أم لا، فإننا لم نتمكن من وقف الانخفاض الملحوظ في التوازن في معدل نوعية الأطفال. وبغض النظر عن الخطوات التي قمنا بتطبيقها خلال السنوات الأربعين الأخيرة، فإنها لم تحقق أي تأثير على هذا المعدل. ويجب أن تتم إعادة النظر في السلسلة الكاملة من الإجراءات السياسية».

ويعني اختلال التوازن المتدهور في نوع المواليد قتل الأجنة البنات وهن في أرحام أمهاتهن بلا هوادة. وفي أجزاء واسعة من الهند، ينظر إلى الأبناء بشكل تقليدي على أنهم العائلون الأساسيون للأسرة، وأنهم يحملون اسم الأسرة، ويؤدون طقوس تأبين الآباء، وهي شعيرة مهمة في الكثير من الديانات. وفي المقابل، ينظر إلى البنات في كثير من الأحيان على أنهن يمثلن عبئا على الأسرة، ليس فقط بسبب القلق إزاء ضرورة دفع مهر كبير لتزويجهن، ولكن أيضا بسبب الحاجة لحماية عذريتهن، والتي قد تجلب في كثير من الأحيان سمعة غير جيدة للعائلة إذا فقدت البنت عذريتها قبل الزواج.

وكانت الحكومة الهندية قد حظرت فحوصات تحديد نوع المولود في عام 1996 لمنع الأزواج من إجهاض زوجاتهم في حال كان الجنين فتاة. لكن إجهاض البنات يستمر، مع تقديم الأطباء الخصوصيين الخدمة بشكل غير شرعي للأشخاص المستعدين للدفع.

وقال سابو جورج، وهو ناشط اجتماعي كان يدير حملة للدفاع عن حقوق الأجنة الإناث على مدار العقدين الماضيين وأسهمت جهوده في إصدار المحكمة الهندية العليا، وهي أعلى محكمة في البلاد، أمرا بتغيير قانون التقنيات التشخيصية في مرحلة ما قبل الولادة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن النتيجة لم تكن مفاجئة. وأنحى جورج باللائمة على الحكومة الهندية بسبب فشلها في تطبيق تشريعها الذي يقضي بتجريم تحديد نوع الجنين قبل الولادة. وذكر جورج ذلك، في ظل إمكانية دفع الهنود من الطبقة المتوسطة في نيودلهي والمدن الكبرى الأخرى لمبلغ يصل إلى 10.000 روبية (210 دولارات) من أجل إجراء مسح غير قانوني، لكن التقدم في تقنيات الماسحات المحمولة أصبح يعني أن بعض القرويين بات بإمكانهم معرفة جنس طفلهم الذي لم يولد بمبلغ أقل من 300 روبية.

وقالت غيريجا فياس، رئيسة الجمعية الوطنية للمرأة «إنه أمر مزعج للغاية، ويجب أن يشعر كل فرد بالقلق والحرص إزاء هذا الأمر المقلق».

وبينما قدمت الولايات الواقعة في شمال غربي الهند، مثل هاريانا والبنجاب وراجاستان وغوجارات، بالإضافة إلى مدينة نيودلهي العاصمة، ومنطقة غامو وكشمير، معدلات فقيرة في المواليد الإناث، فإنه يبدو أن الولايات الواقعة في شمال شرقي الهند تمتلك توجها صحيا بشكل أكبر للمواليد البنات من بقية مناطق الهند. وتمتلك ولايات ميزورام وميغالايا وأروناتشال براديش أعلى معدلات التوازن في نوعية المواليد بين الولايات. ويبدو أن ثمة معدلا متحسنا للمواليد النساء في ولايات أخرى.

وقالت رانجانا كوماري، مديرة مركز الأبحاث الاجتماعية «لقد كان هذا الأمر متوقعا، لكن الإحصاء الأخير يمثل إشارة تحذير للأمة لكي تستيقظ». وذكرت أن القانون الذي يجرم الإجهاض على أساس النوع لم يطبق بشكل صارم. وأضافت بقولها «يجب أن يتم التعامل مع هذا التحذير على محمل الجد، لأننا قد نواجه أزمة في المستقبل». لكن الأخبار الجيدة تكمن في أن هذه هي المرة الأولى خلال 90 عاما التي تضيف فيها الهند عددا أقل من السكان إلى تعداد سكانها خلال عقد من الزمان.

وقال برافين جها، وهو مدرس في جامعة جواهر لال نهرو «هذه إشارة جيدة». وأشار إلى أن الهند بدت وكأنها تسير على الطريق الصحيح.

والأهم من ذلك هو أن ثلاثة من أصل كل أربعة هنود أصبحوا متعلمين، بارتفاع من نسبة 64.8 في المائة خلال عام 2001. وقد زاد عدد المتعلمات الهنديات بشكل أسرع كثيرا من الذكور، وهو ما أدى إلى تقليل الهوة في التعليم بين الجنسين.

وأضاف بقوله «ما يثلج الصدر هو أننا أصبح بمقدورنا أن نرى الانتشار الجغرافي لتراجع معدل الأمية، فقد بات ينتشر الآن في كل أنحاء الهند، وأن الفجوة السكانية بين الشمال والجنوب أظهرت إشارات على التراجع»، حسبما ذكر التقرير. وقال بي إم كولكامي، وهو مدرس في جامعة جواهر لال نهرو «الكثير من هذه التغيرات متوقعة». وأرجع كولكامي أسباب هذه التوجهات ليس فقط لعوامل اقتصادية، ولكن أيضا لتغيرات اجتماعية. وقال كولكامي «الناس لا يريدون المزيد من الأبناء فحسب، لكنهم يريدون أطفالا متفوقين في التعليم ومجموعات المهارات.. إلخ».

لكن الهند أضافت خلال العقد الأخير 181 مليون شخص إلى تعداد سكانها، وهو عدد أكبر من التعداد الإجمالي لسكان جارتها باكستان، وهو 170 مليون نسمة، مما أدى لرفع تعداد سكان الهند إلى 1.21 مليار نسمة.

وتحل الهند الآن في المرتبة الثانية على قائمة أكبر الدول من حيث عدد السكان في العالم بعد الصين. ويصل تعداد سكان الهند إلى ما يعادل إجمالي سكان الولايات المتحدة وإندونيسيا والبرازيل واليابان وبنغلاديش وباكستان مجتمعة. وتظهر تقديرات منظمة الأمم المتحدة أن الهند يمكن أن تتخطى الصين التي تتصدر حاليا قائمة أكبر الدول من حيث تعداد السكان في العالم بمقدار 1.34 مليار نسمة بحلول عام 2030. ويمثل تعداد سكان الهند 17.5 في المائة من تعداد سكان العالم، وتأتي الهند في المرتبة الثانية بعد الصين التي تتصدر القائمة بنسبة 19.4 في المائة.