«آنا بولينا» في دار أوبرا فيينا من إخراج الفرنسي إريك غونفيسي

مع درتي الفن الأوبرالي الروسية آنا نبرتكو واللاتفية إلينا غارانكا

لعبت السبرانو آنا نبرتكو دور آنا بولينا فأجادت حركة وصوتا وتمثيلا ومظهرا مستخدمة شعرها الطويل غامق اللون الذي يماثل طول ولون شعر آنا بولينا زوجة ملك إنجلترا هنري الثامن
TT

تراصت الصفوف في ظاهرة نادرة أمام دار أوبرا العاصمة النمساوية فيينا لأمتار وأمتار انتظم فيها بكل صبر وترقب أناس من مختلف الأعمار، إنهم شباب مراهقون وعجائز فاقوا الثمانين، والكل يتطلع للحصول على تذكرة تمكنه من حضور حفل الافتتاح لأول عرض تقدمه هذه الدار لأوبرا الإيطالي غاتينو دونيزتي عن الملكة البريطانية آنا بولينا، خاصة أن العرض تشارك في بطولته درتا الفن الأوبرالي الشابتان الجميلتان الموهوبتان، السبرانو الروسية آنا نبرتكو، والميزو سبرانو اللاتفية إلينا غارانكا، ومن إخراج الفرنسي إريك غونفيسي.

في تمام العاشرة، بدأ بيع التذاكر التي وصل ثمن بعضها إلكترونيا إلى 1200 يورو، وبعد أن تم العرض اصطف المئات في صفوف جديدة للحصول على توقيعات من الأبطال. كان العرض قد تم نقله حيا في 92 دار سينما في بريطانيا وكرواتيا والتشيك والدنمارك وآيرلندا ولاتفيا وإيطاليا وليثوينا وروسيا وإسبانيا، بالإضافة لشاشة ضخمة خارج الحائط الشمالي للدار.

في إجابة لسؤال عن «السحر» الذي استخدمه الفرنسي المدير الجديد لدار أوبرا فيينا لبدء موسمه الأول بأوبرا جمع فيها آنا نبرتكو وإلينا غارانكا، وكلتاهما مزدحمة، فالمواعيد محجوزة لخمس سنوات وأكثر. قال فخورا إنه الحظ «لا أكثر، معبرا عن سروره عن تلك المصادفة التي مكنت الفنانتين من الاستجابة لطلبه وإمكانية تحقيقها بعد 5 أشهر فقط من الاتصال والبدء في البروفات وتفاصيل التنفيذ».

حياة آنا بولينا، وهي الزوجة الثانية للملك الإنجليزي هنري الثامن بين زيجاته الست، تعتبر خير مادة دسمة وشيقة لتقديم عمل أوبرالي ناجح بكل المقاييس، خاصة إذا ما توفرت له كل المؤهلات والإمكانات المادية واللوجيستية والفنية بالطبع التي وفرها المخرج والمدير والممثلون، بالإضافة لجمهور محب ومتعطش.

أصبحت آنا بولينا ملكة لبريطانيا في الفترة من 1533 حتى 1536، وخلال هذه السنوات الثلاث فقط تغير مسار العلاقة بينها وحبيبها الملك هنري الثامن من عشيق وزوج إلى خائن نافر، ومن ثم متآمر حكم بقتلها ليس ذلك فحسب، بل شهدت هذه السنوات الثلاث تغييرا جذريا في مسار العلاقة الدينية التي كانت تربط بين كنيسة إنجلترا بأكملها وبين كنيسة الفاتيكان، بعد أن رفض البابا كليمنت السابع السماح بفسخ زواج هنري الثامن من زوجته كاثرين معارضا زواجه من آنا بولينا، فبدأت مبادرات كسر سلطة الكنيسة الكاثوليكية في إنجلترا لتصبح تحت سيطرة ملكها وليس البابا.

لم تكن آنا بولينا جميلة تسحر الأنظار بمفاتنها وملامحها، لكنها كانت بهية الطلعة ذات سحر خاص وأناقة شديدة وذوق رفيع، كما كانت واسعة الثقافة مطلعة على فلسفات دينية ملمة بأكثر من لغة أجنبية، كما كانت متمرسة على حياة القصور، إذ عملت لسنوات كوصيفة بالبلاط الفرنسي.

أحب هنري الثامن آنا بولينا التي رفضت أن تعيش معه كعشيقة كأختها الكبرى، فعمد إلى أكثر من وسيلة للخلاص من زوجته كاثرين حتى يتزوج آنا، لكن وكما بدا، فإن الصراع على السلطة والمؤامرات قد حيكت ضد آنا بولينا التي لم تكن هينة بدورها. إذ كانت لها تحركاتها وصلاتها وإرادتها القوية، هذا بجانب أن الملك هنري كان رجلا ملولا، إذ سرعان ما ظهرت في حياته حبيبة جديدة، فعمد للخلاص من آنا بولينا التي فشلت في أن تلد له وريثا ذكرا، فاتهمها بالخيانة وأنها على علاقة بخطيبها الأسبق اللورد ريتشارد بيرسي. بل اتهمت كذلك بزنى المحارم بعد أن أشيع أنها على علاقة محرمة مع شقيقها، فدبر لها محاكمة أمرت بقتلها وشقيقها واللورد بيرسي. ورغم أن الأدلة لم تكن مقنعة نفذ عليها حكم الذبح بعد أن خفف الملك الحكم من الحرق مكلفا فارس ممن عرفوا بحسن المبارزة لتنفيذ الحكم، بدلا من الاضطرار لقطع رأسها بفأس.

لعبت السبرانو آنا نبرتكو دور آنا بولينا فأجادت حركة، وصوتا، وتمثيلا، ومظهرا، مستخدمة شعرها الطويل غامق اللون الذي يماثل طول ولون شعر آنا بولينا، كما وافقت على أن تظهر معها في بعض المقاطع صغيرتها التي ظهرت في إشارة إلى الملكة إليزابث الأولى ابنة آنا بولينا التي عملت عندما تولت حكم بريطانيا على تبجيل أمها كشهيدة، بل بطلة للإصلاح الديني ساعية لنفي الكثير مما ارتبط بتاريخها من أساطير وشرور. أما الميزو سبرانو إلينا غارانكا فقد لعبت دور جين سيمور المرأة الشابة المتحررة الشقراء التي أحبها الملك هنري الثامن وعمل من أجل الارتباط بها على إزاحة آنا بولينا، بل والخلاص منها نهائيا.

وكان للاختلاف الواضح في ملامح كل من الفنانتين وفي إجادتهما لأداء مميز أظهر الاختلاف الشديد بين مشاعر المرأة الملكة ذات القوة والسلطان والمرأة العشيقة المهددة بانكشاف علاقتها ومن ثم نجاحهما وبتفوق في عكس ما أصاب موقف آنا بولينا من تغييرات بعد أن انصرف عنها مليكها وزوجها ورفضها لمحاولات خطيبها السابق الذي لعبه الإيطالي إلتينور فرانشيسكو ميل لتصل إلى قمة حسن الأداء عندما تأكد أن آنا بولينا ستحاكم وكيف سعت «العشيقة» أو الخصم لتبرير موقفها والتأكيد أنها بريئة من كل ما يحاك ضد آنا بولينا أثر كبير في نجاح العرض واعتباره انطلاقة أنيقة وموفقه لموسم أوبرالي جديد ودون حدود.

في أكثر من حديث إعلامي حرصت كل من الفنانتين للتأكيد على أنها تحاول أداء دورها بكل مهنية واستمتاع بعيدا عن أجواء المنافسة والخصومة والسعي لسرقة الأضواء من الأخرى، فيما عبر عموم الجمهور النمساوي عن سروره وانشراحه لبدء هذا الموسم بعمل بهذه الفخامة وهذه المواهب والخبرات العالمية متعددة الجنسيات وذلك دون أن يغمطوا حبيبتهم الأولى السبرانو آنا نبرتكو حقها في التميز مما دفعهم لمنحها الجنسية النمساوية وجعلها تختار فيينا مسكنا.