حتى في مرضه لم تغب جدة عن مخيلة محمد دياب

حزن لسيولها الأخيرة وتمنى مشاركة الأهالي الهموم

أحمد زكي يماني وزير البترول السعودي الأسبق كان من ضمن المعزين
TT

كشف عدد من المقربين من الكاتب السعودي الراحل محمد صادق دياب الذي أسلم الروح الجمعة الماضي في لندن، عن عدد من المكالمات والرسائل التي تبادلها الأديب الراحل معهم قبيل وفاته، والتي أبرزت في معظمها تماسك الفقيد وحبه لأهله وأقربائه واشتياقه للعودة إلى مدينته جدة.

تناول الراحل التاريخ الاجتماعي والبعد العمراني لمدينة جدة في كثير من كتبه ومقالاته الصحافية، وهذا الاهتمام الكبير يتضح من خلال روايته الأخيرة «مقام حجاز»، التي حرر آخر سطورها وهو على فراش المرض.

كما أن عمق نظرة الأديب والكاتب الراحل عن مدينة جدة وما يتعلق بها تعدى مجرد التعريف الاجتماعي، وتجلى ذلك عندما كتب عن دهاليزها وأزقتها الضيقة، وقدماء وأعيان سكانها، حتى إنه أفصح مرات أنه ينوي إخراج عمل روائي عن «خواجة يني»، وهو اليوناني الذي كان يبيع الجبن والمواد الغذائية في أول بقالة من نوعها في جدة، وذلك على ضفة شارع قابل المعروف بمنطقة البلد، ليضرب بذلك واحدا من أروع مُثل التعايش التي عرفتها جدة.

الإعلامي السعودي حسن الظاهري صديق الفقيد منذ 27 عاما، قال: «حادثت محمد دياب هاتفيا وقت حدوث كارثة جدة الأخيرة، وكان حينها يتلقى العلاج في لندن، وقد أصابه الغضب وتمنى لو أنه عاش مع جدة عند تعرضها لكارثة السيول الثانية، مفضلا أذاها على برد وهواء لندن، وقد بدا عليه التأثر الكبير».

وبينما عرف عن دياب عشقه لمدينته جدة وتاريخها القديم، فلا يُذكر التاريخ الجداوي إلا ويذكر محمد صادق دياب كأحد المصادر المهمة للمعلومة عنها. ذلك الشغف التاريخي بمدينته وثقافته، أعطى محمد صادق دياب مجدافا في يد وقلما في اليد الأخرى، فأبحر الراحل وكتب في مختلف الفنون، فمخر عباب بحور السياسة والفن والفكر والدين والأدب، حتى أصبح لمقالاته طعم ولون ورائحة لا تعد خلطتها السرية إلا بين أنامله.

يؤكد عاصم حمدان، أستاذ الأدب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وهو أحد الأصدقاء المقربين من الراحل، بأن محمد دياب «قدم صورة حية للمجتمع عن مدينة جدة من خلال مجموعته القصصية (16 حكاية من الحارة) و(ساعة الحائط تدق مرتين)، كما دوّن جانبا من تاريخ جدة الاجتماعي بأسلوب أدبي رفيع في كتابه الموسوم (جدة التاريخ والحياة والاجتماعية)، وانعكس النفَس الرومانسي بوضوح لديه في كتاب (امرأة وفنجان من القهوة)، وكان في فترة خضوعه للعلاج في الغربة حريصا على إخراج روايته التي أعلم من خلال اقترابي منه أنه بدأ في كتابتها قبل مدة طويلة، وكان حريصا على إخراجها، وهي رواية (نغم الحجاز)».

وتبدو سمات الحزن جلية على محيا المهندس سامي نوار رئيس بلدية جدة التاريخية، وهو يقول: «فقدت جدة أهم رموزها العاشقين لها، فقد كانت له الكثير من الكتابات والأصوات المنادية بالحفاظ على التراث الجداوي، وكان دائم الزيارة والحضور في المنطقة التاريخية، فهو العاشق الكبير لها وهي بالطبع حزينة على فراقه»، مبينا أنه كتب الكثير من المؤلفات، منها «المفردات العامية بمدينة جدة»، و«امرأة وفنجان قهوة»، و«ساعة الحائط تدق مرتين»، و«16 حكاية من الحارة»، و«الأمثال العامية»، وأخيرا أصدر روايته «نغم الحجاز».

أحمد صادق دياب شقيق الفقيد قال إن الراحل «عاش حياته بكاملها وهو لا يفكر في نفسه، بل يفكر في الآخرين، وله مواقف مع كل أفراد أسرته، اتسمت بالحب والصفاء والود، وعظيم الاحترام والتقدير، وهناك كثر من خارج الأسرة لا تزال بصمته موجودة في حياتهم، وهذا الحب الكبير الذي رافق حياته ومرضه وموته هو دلالة على حب الناس له، والله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا حبب عباده فيه»، متمنيا أن يتغمده الله بواسع رحمته.