انطلاق «مهرجان بيروت للرقص المعاصر» الأكبر من نوعه في المنطقة

تستقبله عمان ورام الله بعد أن ألغي في دمشق بسبب الاضطرابات

من عرض أكرم خان
TT

للسنة السابعة على التوالي، تشهد العاصمة اللبنانية افتتاح «مهرجان بيروت للرقص المعاصر»، الذي يعتبر الأكبر والأهم من نوعه في المنطقة العربية. ويقدم المهرجان هذه السنة 28 عرضا متنوعا بمشاركة نخبة من أهم الفرق الأجنبية والعربية، بدءا من مساء اليوم (الخميس) وحتى 30 من الشهر الحالي، حيث تتوزع العروض على مسارح «بابل»، و«بيروت»، و«المدينة» و«مونو». ويمتاز المهرجان بصيغته العربية، إذ يتزامن المهرجان اللبناني مع مهرجانين آخرين في عمان ورام الله. وهي مهرجانات ثلاثة تنسق في ما بينها وتتشارك بفاعلية في التشبيك واستضافة الفنانين، كما أن بعض الفرق تنتقل من عاصمة إلى أخرى خلال هذه الفترة لتقدم العمل نفسه، بينما يستقل، من جانب آخر، كل واحد من هذه المهرجانات بعروض خاصة به، تبعا لخصوصيته ومزاج جمهوره. هذا التعاون العربي الممتد لسنوات أثمر موسما فنيا سنويا، ينتظره عشاق الرقص في هذا الموعد من كل عام. إذ بات الجمهور الغفير، خاصة من الشباب الذي أدمن هذه العروض، يحتم على المنظمين بيع التذاكر سلفا لتفادي الازدحام الذي بدا مفاجئا حتى لمسؤولي المهرجان أنفسهم.

ويتوافد الشباب بشكل كبير على هذا المهرجان في بيروت، على الرغم من أن بعض الأعمال الفنية المستضافة تبدو تجريدية ونخبوية، إلا أن هذا لا يحد من نسبة الإقبال، بل على العكس، ثمة عطش للتعرف على جديد الرقص في العالم، خاصة أن الفرق المستقدمة تصعب رؤيتها في أي مناسبة أخرى، إن لم يكن خلال هذا المهرجان.

جدير بالذكر أن دمشق إحدى العواصم الأساسية التي كان يفترض أن تستقبل المهرجان أيضا، إلا أن الاضطرابات الحالية حالت دون ذلك، مما حصر العروض هذه المرة في عواصم ثلاث بدلا من أربع.

اليوم وعند الساعة الثامنة والنصف، يفتتح العرض الأول الذي يقدمه الكوريغراف والراقص الأميركي الأصل وليم فورسايث مع فرقته. وهو واحد من أبرز الأسماء في الرقص المعاصر، عمل كمدير لفرقة باليه فرانكفورت، حيث تمكن طوال 27 عاما، على رأس هذه الفرقة، من تطوير الأداء الكلاسيكي وتطعيمه بأساليب معاصرة ولافتة، ليشكل منذ عام 2005 فرقته الخاصة في ألمانيا التي سيراها الجمهور اللبناني اليوم.

وتكر «سبحة» العروض بعد ذلك، حيث يقدم في اليوم التالي آلان بلاتل القادم من بلجيكا عرضه المميز «خارج السياق» الذي يرتكز على الموسيقى والأزياء والديكورات، وتلك الأشياء التي يستطيع الراقصون وضعها في حقائبهم.

ولا شك أن أحد أهم وألمع مصممي الرقص الذين يستضيفهم المهرجان، وينتظرهم الجمهور هو البديع أكرم خان البريطاني من أصل بنغالي الذي يقدم مساءي 26 و27 أبريل (نيسان)، عملا بعنوان «الطريق العمودي». وهو أحدث عمل جماعي معاصر لهذا المصمم، مستلهم من التقليد الصوفي، ومن الشاعر الفيلسوف جلال الدين الرومي. ويدعم المجلس الثقافي البريطاني، هذا العرض الذي سيجول في رام الله وعمان، كما عمل آخر يستضيفه المهرجان. وتقام حول عمل خان نقاشات وأحاديث مستلهمة من المحتوى والأسلوب، كما سيستفاد من وجوده الثمين لعقد ورش عمل بالتعاون مع محترفي مسرح وفنانين من أنحاء المنطقة.

وتجمع فرقة أكرم خان التي سيشاهدها الجمهور فريقا من أفضل المؤدين من أنحاء آسيا وأوروبا والعالم العربي مع مشاركة خاصة لراقصين اثنين من مصر والجزائر، هما صلاح البروجي وأحمد خميس.

مصمم الرقص عمر راجح، وهو مدير المهرجان ومنظمه في بيروت، قال لـ«الشرق الأوسط» أمس «إن الجمهور سيتمكن من مشاهدة 28 عرضا مختلفا، بينها 17 عرضا عربيا، كما أن 300 فنان وصلوا إلى بيروت لإحياء هذه المناسبة السنوية، بينهم عدد كبير جدا من مديري مهرجانات متخصصة في الرقص حول العالم. ثمة ليال ستشهد أكثر من عرض واحد، كما ستكون النهارات مواعيد عمل، يتم خلالها تنظيم ورش عمل وعقد لقاءات. ولعل أهم الملتقيات هو الذي سيعقد يومي 21 و22 يتحدث خلاله سيمون دوف وشخصيات أخرى لبحث مسألة «التدريب على الفن المعاصر»، بمعنى ما هي وسائل التدريب وأصولها؟ وما الذي نريده نحن كعرب من هذا الفن؟».

جدير بالذكر أن عمر راجح كان قد أنشأ منذ عام 2002 فرقة «مقامات للرقص المعاصر» المعنية بتقديم أعمال تحاول من خلالها تقديم ابتكارات في الرقص المعاصر، نابعة من مجتمعها، بأفكار ومفاهيم خاصة.

ويعتبر راجح أن «أهم إنجازات الدورة الحالية للمهرجان هو أنها تمكنت من تنظيم ما يسمى الملتقى العربي للرقص المعاصر للسنة الثانية على التوالي، أي استقبال فرق عربية تقدم أحدث أعمالها، إلى جانب الفرق الأجنبية». ويشرح راجح: أن «الفرق الأجنبية استقدامها ميسور، لأن المراكز الثقافية الغربية تمولها، بينما يصعب تغطية نفقات الفرق العربية في كل مرة، ولا يوجد أي جانب عربي يساعدنا في هذا الأمر سوى مؤسسة القطان في فلسطين التي بذلت معنا جهدا مشكورا في هذا المجال».

ويلفت راجح إلى أن أهمية المهرجان لا تكمن فقط في تقديم الحفلات للجمهور الكبير، وإنما أيضا في تلك اللقاءات التي تتم بين الفنانين، والتي كثيرا ما تنتج عنها أعمال مشتركة. ولهذا الغرض فإنه إلى جانب العروض الكبيرة، ثمة عروض أخرى يومية بين الساعة الثانية والثالثة ظهرا، في استوديو مقامات، يتمكن خلالها الفنانون من تقديم أجزاء من أعمال لهم يودون إخراجها إلى النور، إما للتعريف بها أو لإيجاد شركاء لهم، يساعدونهم في إنجاز العمل، وربما تمويله أو استقباله».

وعلى هامش المهرجان الذي ينظم بالتعاون مع «مهرجانات بيت الدين» هذه المرة، ثمة عروض لأفلام كما معرض للصور، وهناك حفل خاص للأطفال يوم 24 من الشهر الحالي في مسرح مونو عند الساعة الرابعة بعد الظهر.

وثمة عروض أسترالية، وسويسرية، وروسية، وإسبانية، وفرنسية، ونرويجية وألمانية. ومن الدول العربية هناك عروض من لبنان ومصر وفلسطين والعراق وسورية. إنها فرصة جديدة لعشاق الرقص العرب، ليستمتعوا بنخبة من العروض الاستثنائية التي لا تتكرر إلا خلال هذا الموسم، بعد أن أصبح بمثابة عيد سنوي لاكتشاف آخر مبتكرات الرقص المعاصر في العالم، والاجتهادات العربية التي تواكبه.