الكاتب الإسباني جويتيسولو.. عن القاهرة والاستهلاك والمتصوفة

الدراما التلفزيونية خدرت «ذكاء الشعوب العربية»

ينتقد الكاتب المسلسلات المصرية متهما إياها بتغذية خيال الفقراء والمتسولين في القاهرة بالحلم بحياة أفضل حين يشاهدون الشقق الواسعة والفراش الوثير
TT

بعيدا عن الرؤية الاستشراقية ينتقد الكاتب الإسباني خوان جويتيسولو المسلسلات التلفزيونية المصرية متهما إياها بتخدير «ذكاء وحساسية الشعوب العربية» وتغذية خيال الفقراء والمتسولين في القاهرة بالحلم بحياة أفضل حين يشاهدون الشقق الواسعة والفراش الوثير.

وفي جولته في بعض الأحياء الشعبية في القاهرة الفاطمية حيث تنتشر ورش صناعة الأثاث يكتشف تكرار النموذج الاستهلاكي لشكل قطع الأثاث وهي «تلفزيونية من الدرجة الأولى» ولكنها تلبي حاجة نفسية لدى قطاع كبير من «المستفيدين من الانفتاح الاقتصادي المتوحش في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات».

ويصف مدينة القاهرة في كتابه «مقاربات لجاودي في كبادوكيا» بأنها مفرطة وقاسية.. رثة ورائعة «تنحل كي تعلو» ثم يعود إلى ما يسميه تشخيص حال المدينة سياسيا كما سجله الرحالة المغربي الأشهر شمس الدين محمد بن عبد الله الطنجي المعروف بابن بطوطة قبل نحو 700 عام، إذ قال «يستبد العسكر والشعب يئن تحت وطأة الحكم ولا يهتم الأقوياء بذلك والعجلة تدور». ويعلق جويتيسولو متسائلا: «أيوجد شكل أفضل لتلخيص تاريخ المدينة في الخمسين سنة الأخيرة؟».. وكبادوكيا في عنوان الكتاب هي منطقة في تركيا، أما جاودي فهو معماري إسباني، وترجمت الكتاب أستاذة الأدب الإسباني بجامعة حلوان هيام عباس محمد.

وذكرت وكالة «رويترز» للأنباء أن جويتيسولو الذي يعيش في مدينة مراكش المغربية، يحظى باحترام الأوساط الثقافية العالمية والعربية بسبب مواقفه المناهضة للديكتاتوريات منذ أن عارض نظام الجنرال فرانكو في إسبانيا وأعلن العام الماضي رفضه جائزة القذافي العالمية للآداب في دورتها الأولى 2010 قبل الإعلان عن منحها له.

وفي مقدمة الكتاب قالت أستاذة الأدب الإسباني بجامعة عين شمس نادية جمال الدين التي راجعت الترجمة، إن الهم الأكبر لجويتيسولو الذي يكتب الرواية والقصة وأدب الرحلات والمقال هو إقامة الصلات بين الحضارات.

وأضافت «منح النفي لإبداع جويتيسولو عالمية وحرره من المحدودية الظرفية.. التجارب السابقة لجويتيسولو جعلته.. إنسانيا عالميا بلا جنسية ولا وطن كما يذكر في روايته لسيرته الذاتية: لكوني إسبانيا في قطالونيا ومتفرنسا في إسبانيا وإسبانيا في فرنسا ولاتينيا في أميركا ونصرانيا في المغرب وعربيا في كل الأمكنة، لن أطيل في العودة نتيجة ترحالي وسفري إلى ذلك النموذج الفريد لكاتب غير مطارد من أحد.. غريب وعاص ومعرض عن التجمعات والطبقات.. أن أكون خارج أسوار آيديولوجيات أو نظم أو كيانات مجردة اتسمت دائما بالانكفاء على الذات والتقوقع».

وصدرت الترجمة بمناسبة زيارة جويتيسولو للقاهرة حيث تحدث أمس في ندوة أقيمت بالمجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع السفارة الإسبانية في القاهرة ضمن احتفالات المركز الثقافي الإسباني (معهد سربانتيس) بمرور 20 عاما على تأسيسه.

ويضم الكتاب مقالات يسعى فيها المؤلف إلى الاقتراب من فضاءات حضارية وتقاليد ومشاهد تراثية وفنية إسلامية.

فعلى سبيل المثال يتناول في فصل عن الدراويش آثار جلال الدين الرومي، مشيدا بما يسميه «السحر الخالد للأناشيد الصوفية وفي القلب منها أعمال الرومي».

ويقول إن أعمال الرومي «متعددة ومعقدة، فقارئ اليوم كما يؤكد المفسرون والشارحون لهذه الأعمال لا يملك إلا أن يندهش أمام بعض حالات التجليات الغيبية التي سمحت له بأن يتنبأ قبل كوبرنيكوس (1473-1543) والاكتشافات الحديثة الفيزيائية والفلكية بانجذاب الأرض لكوكب الشمس ومعرفة عدد كواكب نظامنا الشمسي، أو أن داخل كل ذرة تتكرر بصور أصغر المجموعة الكونية. فالدوران الثمل للدراويش ما هو إلا الدورة السريعة جدا والدائمة للنجوم التسعة».

ويورد نصا للرومي يقول فيه «أيها اليوم أقبل. الذرات ترقص - والأرواح الغارقة في النشوة ترقص - سأقول لك عند سمعك إلى أين سيأخذك السماع - كل الذرات في الهواء وفي الصحراء - أعلم جيدا أنها تبدو مجنونة - كل ذرة بائسة أو سعيدة - تقع في حب الشمس. في الحقيقة شيء لا يمكن التعبير عنه».