الفيلم الكويتي - العماني «بقايا بشر» عمل رئيسي من هذه المقدمة في هذا المهرجان. إنه من مخرجين شابين هما جاسم النوفلي ومشعل الهليل، ويقوم على فكرة الصراع بين كويتي عائد من معتقل غوانتانامو وجندي أميركي سابق يحط في الكويت لكي يعيش فيها ولو لبعض الوقت. هو صراع تدخل فيه بضع أفكار تحاول أن تنقد التطرف وتنتقد السياسة الأميركية العسكرية في الوقت ذاته. نجاح ذلك هو ما يتفاوت باستمرار.
الممثل مساعد خالد يؤدي شخصية الكويتي العائد لتوه من ذلك المعتقل الرهيب. نفسيا محطم ومعبأ بذكريات مختلطة من التعذيب والقهر والألم. لكن هذا ليس كل متاعبه، لسبب ما (غير مفسر) فإنه إذا ما لمس شخصا مات هذا الشخص. وهو، نعلم من حديث أبيه عنه، لمس والدته وبعض إخوته فماتوا للتو. ولاحقا سنجده يلمس والده فيسقط والده ميتا. تفعيلة مثيرة للاهتمام لو عنى بكتابتها على نحو أفضل. بل إن الفيلم بأسره كان يحتاج إلى إعادة كتابة لتساعد رصف المعالجة الصحيحة له. فكما هو الآن يبدو دراما تنتقل بين الواقع والخيال والأزمنة من دون نظام. حتى لو كان المقصود هو فوضاها، كان لا بد من منهج لهذه الفوضى لدى المخرجين. شيء يمكن للمشاهد أن يستند إليه في فتح ألغازه كما استند، مثلا، إلى «استهلال» الذي هو أعقد شأنا لكنه أمر سبيلا.
طبعا من غير المنطقي المقارنة بين الفيلمين، إلا في حدود القول إن الكتابة كان يمكن لها أن تخلق توازنا، ليس فقط على صعيد ما هو خيالي وما هو «حقيقي»، إنما على صعيد رسالة سياسية تنطلق قوية ثم تموت مع محاولة تحويلها إلى مقاضاة كل طرف لآخر على نحو لا وجهة نظر خاصة للفيلم في أي ما يطرح كونه لا يريد أن يتبنى. لكن عدم تبنيه يتحول إلى تبني لرسالة غير واضحة المعالم.
في أحد المشاهد يلتقي الكويتي والأميركي (اللذان لا يعرفان بعضهما بعضا) في الحديقة. هذا يأتي بعد خروج الكويتي من المصح النفسي الذي وضع به من دون أن يشفى بالضرورة. وبعد أن مات والده ولم يبق له سوى شقيق واحد. حتى لا يؤذيه أو سواه، يرتدي قفازا أسود طوال الوقت. يتقدم الكويتي من الأميركي ويبدأ باستجواب سياسته وسياسة الولايات المتحدة فيدافع ذاك عن نفسه ويرد عليه بما يقتضيه الرد المناسب. إنه من حسن حظ الفيلم أن الحوار لا يمنح الأميركي وجهة نظر ضعيفة لكونه أميركيا. بعد ذلك هناك مشهد للكويتي نفسه وقد مات. وفصل مشاهد لأخيه وهو يتوجه لمنزل الأميركي لكي يسأله إذا ما كان مسؤولا عن موت شقيقه. الأميركي يشعل النار في نفسه. الشقيق يهرب وخلال هربه يدوس فوق زجاج مكسور. صديقه يهرب بالسيارة ويتركه. الآن، لقطة للكويتي والأميركي (تكملة للمشهد الأول بينهما) والأول يمد يده ليصافح معتذرا. يمد الأميركي يده. يخلع الكويتي قفازه ويسلم عليه.
لكن كل هذا لا يتراكم صوب مفادات واضحة. والمعالجة بذاتها تريد أن تخلق وضعا من الغرائبي لكن المهارة ليست متوفرة تماما.
هناك قفاز آخر، وفي فيلم عنوانه «قفاز» لكنه مؤلف من دقيقة واحدة. فيلم إماراتي من إخراج صالح كرامة حول عامل في مطبخ أحد المطاعم يدخل عليه رئيسه في العمل متذمرا. ما يكون من العامل سوى خلع القفاز الذي كان يغسل الصحون به وينصرف. لقطة للقفاز حيث هناك أصبع القفاز الأوسط بارز في شتيمة ضحك لها الجمهور ومنحت الفيلم نكهته على بساطتها.
هذان الفيلمان مشتركان في مسابقة الفيلم القصير (ولو أن «بقايا بشر» يمتد لنحو ساعة إلا بضع دقائق). وفي المسابقة ذاتها فيلم روائي من 11 دقيقة اسمه «عبير» للمخرج الإماراتي طلال محمود مقتبس عن قصة واقعية، كما يؤكد الفيلم. إنه عن سوء طالع فتاة تتعرض دائما للتعنيف والضرب على يدي شقيقها لكونها تحب شخصا ما لكنها تتحدث معه أكثر من مرة، وفي كل مرة من دون حذر لأن شقيقها يضبطها مرة ثم - وبعد زواجها - يضبطها زوجها مرة أخرى. ثم يعود الزوج ذات يوم إلى البيت ويتقدم صوبها ليضربها من جديد فتستل سكينا وتقتله. ثم تبكي. وهي كانت تبكي من مطلع الفيلم وحتى نهايته كما لو أن اتفاقا تم بين صانعي الفيلم وإحدى شركات المحارم الورقية. المعالجة بذاتها مؤثرة بحلقات الدراميات التلفزيونية ما يعيق وصول الفيلم إلى غايته: إثارة تعاطف المشاهدين لها كونها ضحية دائمة لأنها أنثى.
«فلترقد بسلام» هو فيلم كويتي ثالث وأفضل شأنا من فواز المتروك وربما بعض السبب في إجادته النسبية يعود إلى أنه عاش ودرس في تورنتو من عام 1990.
يدور في ظروف احتلال الكويت. رب أسرة يقود سيارته ذات صباح حين يجد سيارة فيها جثث مقتولين على قارعة الطريق. شاهدها من قبل والآن يكتشف أنها ما زالت هناك لليوم الرابع على التوالي. يقرر دفن هذه الجثث ولكي يفعل ذلك عليه أن ينتصر على محاذيره وألا يستجيب لمخاوف زوجته. يكرر لها أنه لا يقترف جريمة بل يدفن موتى يحق لهم أن يدفنوا. يوقفه أفراد من الجيش العراقي أكثر من مرة لكن ذلك لن يردعه.
فيلم المخرج العراقي المعروف قاسم حول «المغني» لديه فرصة جديدة. إنه فيلم روائي طويل تم تقديمه في مسابقة مهرجان دبي في نهاية العام الماضي وموجود هنا في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة. يستحق نظرة أخرى على الرغم من أنه واضح كل الوضوح. المخرج يتعامل وحياة ديكتاتور عراقي لا يسميه كذلك لا يسمي الحرب المستعرة، لكن ليس من الضروري للمشاهد أن يكون عبقريا ليعرف أن صدام حسين هو المقصود وحربه ضد العدو الإيراني هي المعنية. هذه قد تبدو مشكلة محدودة، لكنها في الواقع تمتد في صلب العمل لأنه إذا ما كان يهدف للرمزيات فإن هذه عليها أن تكون مشكلة من عناصر توفر عمقا وغموضا أكثر مما هو الحال عليه.
إنه كوميديا ساخرة من دون ضحك وهذا يمنحها القدر الذي تستحقه من الجدية وهي تروي ما الذي يحصل في أحد قصور ذلك الديكتاتور حين يقيم حفلة عيد ميلاد تتخللها أحداث تكشف عن مصائر بعض المدعوين ومن بينهم المغني (عامر علوان) الذي يصل متأخرا فيأمره الزعيم بالغناء ووجهه إلى الحائط.