حكم قضائي يحفز جهود إنشاء مكتبة رقمية عامة

هل انتهى الحلم بوجود مكتبة عالمية؟

TT

يخشى بعض الطلبة وأمناء المكتبات في مختلف أنحاء الدولة من إعاقة أحد القضاة الفيدراليين في نيويورك، خطة «غوغل» الجريئة لبناء أكبر مكتبة رقمية ومتجر كتب في العالم. واقترب الموقع، الذي نجح في عمل مسح ضوئي لـ15 مليون كتاب، من تحقيق هذا الهدف المراوغ أكثر من أي جهة أخرى. يقول مايكل كيلر، أمين مكتبة جامعة ستانفورد التي تعد من أكبر الجامعات التي سمحت لموقع «غوغل» بعمل مسح ضوئي لكتبها لتحويلها إلى نسخ رقمية: «إن الأمر محبط لعدم وجود ما هو أفضل». لكن أثنى آخرون من الذين أزعجتهم خطة «غوغل» على الحكم القضائي، حيث اعتبروه فرصة لإعطاء دفعة جديدة لإنشاء مكتبة عامة عالمية أفضل من «غوغل» لأنها لن تكون تجارية. إن مهمة المشروع الطموحة التي وصفت في مذكرة من أربع صفحات هي «تجميع تراث ثقافي وعلمي للإنسانية وإتاحته للجميع دون مقابل مادي». وقال روبرت دارنتون، مدير مكتبة جامعة هارفارد الذي أثنى على المشروع في مقال بصحيفة «نيويورك تايمز»: «يشعر الناس بالحماس. إنها فرصة للمعنيين بإنشاء مكتبة عامة رقمية غير تجارية». وتعد هذه الجهود النبيلة لإنشاء المكتبة الأميركية الرقمية العامة ضمن سلسلة طويلة من الجهود التي بذلها مؤيدوها ومنهم أمناء مكتبات في جامعات عريقة ومسؤولين من الأرشيف الوطني ومكتبة الكونغرس. وصرحت بعض المؤسسات الخيرية الكبرى أنها معنية بتمويل المشروع رغم عدم تحديد تكلفته الإجمالية. واجتمع مؤيدو مشروع إنشاء المكتبة وعدد من الأطراف المعنية في أكتوبر (تشرين الأول) في مركز بيركمان للإنترنت والمجتمع في جامعة هارفارد الذي يتولى مهمة تنسيق الجهود. وحضر الاجتماع ممثلون لشركات تعمل في مجال التكنولوجيا مثل «غوغل» و«أبل». لكن لا تزال الجهود في مراحلها المبكرة. يوجد كثير من الأبطال في هذه المجموعة لكن أشهرهم هو دارنتون. ولدى المجموعة هيكل تنظيمي لا لجنة توجيهية. كذلك تم تشكيل ست مجموعات عمل لدراسة نطاق المشروع والتمويل والإدارة والعقبات القانونية والمواضيع الفنية والجمهور المستهدف.

يقول ديفيد فيريرو، أحد موظفي أرشيف الولايات المتحدة الذي يدعم المشروع وحضر الاجتماع الذي عُقد في أكتوبر: «لدى كل من يجلسون على طاولة النقاش فكرة مختلفة عن نطاق الجمهور والمحتوى والإدارة. هناك حاجة إلى العمل على كل هذه القضايا». وقال كيلر، أحد أعضاء اللجنة، إن المشروع «يأتي متأخرا بالنسبة لهذه لجهة». إنه يحاول أن يكتشف ماهية المشروع. «لا توجد خطة عملية لإطلاقه». وليس «غوغل» هو الجهة الوحيدة التي تسعى إلى إتمام هذا المشروع، لكن أيضا أوروبا؛ حيث تسعى عدة دول إلى إقامة مكتبات رقمية ضخمة. ودعمت اللجنة الأوروبية موقع «أوروبيانا» الإلكتروني الذي يتيح للمستخدمين البحث عن نسخ رقمية لـ15 مليون عمل فني وكتاب وعمل موسيقي ومقطع مصور من المؤسسات الثقافية للدول الأعضاء. ويعد هذا الموقع نموذجًا للمشروع غير التجاري في الولايات المتحدة. وقد قامت بعض المؤسسات الأميركية مثل مكتبة الكونغرس والجامعات الحكومية والخاصة والمنظمات التي لا تهدف للربح مثل «إنترنت أركايف» بالفعل بعمل نسخ رقمية لملايين الكتب ومئات الملايين من الوثائق. لكن لا يتمثل التحدي الآن في الاستمرار في إقامة المشاريع الرقمية وحسب، بل أيضا في توحيدها تحت مظلة بوابة إلكترونية واحدة يمكن البحث من خلالها. لكن على عكس أوروبا التي عادة ما تكون أكثر المكتبات بها مركزية ومدعومة من الحكومة، توجد في الولايات المتحدة شبكة من المؤسسات المستقلة المتنوعة التي لديها مهام مختلفة وتقدم خدماتها إلى فئات مختلفة. وقالت ديانا ماركوم، أمينة مكتبة مساعدة لشؤون الخدمات المكتبية في مكتبة الكونغرس التي تعد عضوا في اللجنة التوجيهية: «ليس لدينا مصدر تمويل مركزي ولا سلطة مركزية. يُقدم التمويل من مختلف المؤسسات والمصادر المتنوعة». وتساعد هذه التحديات على إذابة الفرق الرئيسي بين المكتبة الرقمية العامة ومشروع «غوغل» وهو السرعة. وقع لاري بيدج، أحد مؤسسي موقع «غوغل»، أسير فكرة عمل مسح ضوئي لكل كتاب نُشر حتى قبل إنشاء الشركة. لقد بدأ عام 2002 في تبديد الشك في مدى قابلية هذه الفكرة للتطبيق، وصنع جهاز مسح ضوئي بديل في «غوغل» لمعرفة عدد الكتب التي يمكن عمل مسح ضوئي لها في الساعة. كان كتاب الأطفال المصور «كتاب غوغل» لفي سي فيكرز هو أول كتاب يتم تطبيق هذه التقنية عليه بحسب ما جاء في كتاب «في بليكس» الجديد الذي يتناول موقع «غوغل» الإلكتروني لستيفين ليفي. وبعد ذلك بثمانية أعوام، قام موقع «غوغل» بتحويل 15 مليون كتاب مطبوع إلى نسخ رقمية. الفكرة الأساسية التي تقوم عليها الشركة هي إتاحة البحث عن الكتب على شبكة الإنترنت، لكن مع عرض مقتطفات من الكتب وحماية محتواها بموجب حقوق الطبع. وبعد أن رفعت جهات تمثل مؤلفين وناشرين دعوى قضائية ضد موقع «غوغل» الإلكتروني تزعم فيه مخالفة قانون حقوق الطبع عام 2005، رأى موقع «غوغل» والمؤلفون والناشرون الفرصة سانحة لتدشين مشروع أكثر طموحا وهو مكتبة رقمية عالمية ومتجر كتب على شبكة الإنترنت. وقد اتضحت الخطط الخاصة بهذا المشروع في تسوية شاملة توصل إليها الأطراف في خريف عام 2008. وبموجب هذه التسوية، يمكن أن تتيح كل مكتبة عامة في الولايات المتحدة لروادها الاطلاع على نصوص مجموعة كاملة من الكتب مجانا من خلال طرفية الحاسوب في المكتبات. وكان سيُسمح لـ«غوغل» بتلقي رسوم مقابل تقديم خدمة الاطلاع على الكتب والمجموعة الكاملة بأشكال مختلفة وتقاسم الأرباح مع المؤلفين والناشرين. سيجد الذين يؤمنون بضرورة توسيع دائرة الاطلاع على التراث الثقافي العالمي الكثير. ويقول دورون ويبر، مدير برنامج في مؤسسة «ألفريد بي سلون» وأحد مقدمي الدعم المالي للمكتبة الأميركية الرقمية العامة: «إن الفضل يعود إلى موقع (غوغل) بالأساس، فهو الذي جذب انتباه الجميع». لكن تم رفض التسوية في المحكمة الفيدرالية الشهر الماضي. ومن أسباب ذلك مخالفة قانون الطبع ومنح موقع «غوغل» الحق في الحصول على أرباح من الكتاب إلا في حال اعتراض المؤلف أو الناشر. وكانت المشكلة تتعلق بحالة الكتب مجهولة الكاتب التي نفدت والتي ليس من السهل معرفة مؤلفها ودار النشر التي طبعتها. ونظرا لعدم قدرة أي شخص على الحصول على تصريح لطبع ونشر هذه الكتب، سيتمكن موقع «غوغل» من احتكار ملايين الكتب فعليًا. وتواجه المكتبة العامة الرقمية المشكلة نفسها. تقول باميلا سامويلسون، أستاذ القانون وتكنولوجيا المعلومات في جامعة كاليفورنيا ببيركلي والتي كانت ضد التسوية وتعمل على قضايا قانونية تواجهها المكتبة الرقمية العامة: «أعتقد أن أكبر عقبة هي حقوق الطبع». ويقول مؤيدو المشروع إنهم سيحشدون دعم الكونغرس لقانون يسهل الاطلاع على الكتب مجهولة المؤلف. على الجانب الآخر، يحصر آخرون ملايين من تلك الكتب في محاولة للعثور على أصحابها وتحديد أي من الكتب تقع ضمن النطاق العام. وقد تعهد موقع «غوغل» بدعم القانون الخاص بتلك الكتب. ويأمل مؤيدو مشروع المكتبة الرقمية أن يساعد القانون على تعزيز جهودهم من خلال إتاحة جزء من الأرشيف الرقمي. وبدا موقع «غوغل» متشككا من هذا الاحتمال وقال دانييل كلانسي، مدير الهندسة في «غوغل»: «سنستمر في بذل الجهود وسنحاول أن نقدم دعمنا». وتأمل اللجنة التوجيهية للمكتبة الرقمية العامة أن تتوصل إلى نموذج عمل في غضون 18 شهرا. ويقول جون بالفري، الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة هارفارد ورئيس اللجنة: «إنه مشروع طموح للغاية وربما يفشل، لكنه جدير بالمحاولة».

* خدمة «نيويورك تايمز»