الرقصات والصناعة المتقدمة.. سلاح اليابان «الجريحة» لتجاوز أزمة 11 مارس

معدل زوار جناحها في الجنادرية يصل إلى 5000 شخص يوميا

TT

دقت ساعة بدء العرض، الكل يعمل في صمت، وبشكل منظم كـ«الساعة»، وكأنك تشاهد فريقا يزيح بعض الأنقاض والحطام، في كارثة 11 مارس (آذار) المنصرم، في مقابل ذلك جمهور القرية التراثية يترقب بلهفة يخيم عليها الصمت، ما سترسمه تلك الفرقة التي يقدر عددها بما يربو عن 60 فردا يابانيا.

بدأ هذا العرض، ومارس اليابانيون عاداتهم في التزامهم بالوقت المحدد لهم، وشمل هذا التزاما تاما باحترام أوقات الصلاة لزوار القرية التراثية لمهرجان الجنادرية الـ26.

أحد أفراد تلك الفرقة اليابانية يواصل عمله بإتقان، ولم يفكر في ما تمر به بلاده من كارثة خلفها زلزال 11 مارس، وواصل تركيزه في اختبار المطرقة التي يستخدمها في دق الطبول اليابانية، التي عرفت منذ قديم الأزل على أنها ذات حجم كبير جدا، وصوت عالٍ وباهر في آن واحد.

تلك الفرق الموسيقية عزفت مقاطع موسيقى، ويقدر أعدادها بـ10 فرق، نغمات تجسد صراع الخير والشر، وبعض من المعزوفات الشعرية، التي جسدت حضارة إمبراطورية اليابان التي تمتد إلى مئات القرون من الزمن.

تلك الفرق تطرقت إلى شيء من طرق طقوس اليابان الصرفة، والشعر، وشيء من فنون القتال التي عُرف بها اليابانيون، وشيء من علاقة اليابانيين مع التنين، وحرب رجل الساموراي مع هذا الكائن، الذي كان عاش في فترة من الزمان في أجزاء من اليابان.

وعزف ضيوف مهرجان الجنادرية الـ26 اليابانيون عددا من اللوحات العصرية، مزج بها بعض الآلات الحديثة التي عرفها اليابانيون مؤخرا، مستوحاة من التضاريس التي تتميز بها اليابان، لا سيما أن أغلبها جبال شاهقة، وتلك المعزوفات تحديدا تفاعل معها الجمهور بشكل لافت للنظر، الجمهور السعودي بالطبع، على الرغم من عدم فهم البعض لما تعينه تلك المعزوفات، لكن اليد الواحدة في العمل الجماعي، والتي تتحرك بشكل يقترب من عقارب الساعة، كلها في آن واحد، كانت سببا لإعجاب السعوديين ذكورا وإناثا.

وبالتأكيد ما شهده الجمهور السعودي تلك الليلة كان بمثابة دافع قوي نحو البحث والسعي وراء الاطلاع على الثقافة اليابانية، التي انطلقت ليس من اليابان الجريح، بل من عاصمة مملكة الإنسانية، السعودية، التي تستقبل اليابان هذا العام ضيفا على الجنادرية، كنوع من المواساة والوقوف إلى جانب حليف ارتبطت به الرياض بعلاقة صداقة قوية منذ عقود من الزمن.

وإجمالا فالفرق اليابانية تضم ما يربو عن 60 فردا ما بين عازف، ومتخصصين بهندسة الإضاءة، وهندسة الصوت، ومشرفين على عمل الفرقة، ويشاهد زوار الجنادرية ما يقارب 4 إلى 5 عروض يومية، تقدمها 10 فرق يابانية متنوعة، واستغرق إعداد صالة العرض العمل لمدة شهرين متواصلين.

وعند اصطحابك لأصدقائك أو عائلتك لزيارة جناح اليابان في القرية التراثية، ينتظرك طابور طويل، ينم عن تنظيم فريد من نوعه تميز به اليابانيون على الدوام. ويطالع الزوار خلال انتظارهم لوحات تصور المأساة التي مر بها اليابانيون، وأخرى تحمل عبارات الشكر والتقدير للحكومة السعودية، والتي وفقت مع الشعب الياباني، من خلال عبارات سطرها السفير الياباني لدى السعودية، وقابلها عبارات شكر ورد للوفاء من قبل السفير السعودي لدى اليابان.

ويخصص الجناح الياباني المشارك في مهرجان الجنادرية ال26 عددا من الصور للآثار التي خلفها الزلزال المدمر، ويجاورها عبارات كتب عليها: «الزلزال القوي الذي ضرب شرق اليابان - التعافي - التماسك - الأمل»، وكتب أيضا: «الجهود التي يبذلها المتطوعون في كل أنحاء اليابان، تجلب الشجاعة للمناطق المتضررة من الكوارث»، بالإضافة إلى: «الجهود الصغيرة تتحد لتشكل قوة فاعلة».

إحدى تلك اللوحات ذكرت التوقيت والساعة التي حدثت فيها الكارثة، وكان ذلك ليس تذكارا حزينا، بل تذكار يحض على العمل الجاد، والسعي إلى إعادة إعمار شرق اليابان، وأبرزت تلك اللوحة ضخامة الحدث الذي لم تشهد مثله اليابان طوال تاريخها، وهو الذي خلف 10 آلاف قتيل، و16 ألف مفقود، و200 ألف مشرد، وسردت اللوحة عبارات الأسى والحزن، وسطر عليها: «لقد كان شهرا عصيبا بعد الزلزال العظيم، وفي نفس الوقت فإننا مرة أخرى تدرك اليابان وقوف العالم معها»، إلا أن عبارات رباطة الجأش والعمل الجاد حاضرة أيضا، حيث دونت عبارات التصميم على العودة للبناء بالقول: «سوف تولد اليابان مرة أخرى، سوف تحيا اليابان مرة أخرى، سوف تصبح اليابان أقوى».

وحملت عدة لوحات أخرى عبارات تحض على التركيز والعمل الجاد، مثل: «لا للاستسلام»، و«اليابان تتجاوز الصعاب»، و«ستشرق الشمس مرة أخرى».

وعند وصولك إلى صالة العرض للجناح الياباني تجد الدقة والإبهار البصري، إذ نصب الجناح عددا من شاشات العرض داخل القاعة الأولى، والتي تستقبل الزوار منذ الوهلة الأولى، ويستغرق العرض البصري قرابة خمس دقائق، تجسد فيها دقة الصناعة اليابانية، وعرضا لأبرز ما أنتجه اليابانيون من صناعات، وعددا من المسلسلات الكرتونية، إضافة إلى عدد من القصص المصورة، إلى جانب الجيل القادم من وسائل النقل الحديثة. كما يعرض الجناح عددا من الواقيات اليدوية التي كان اليابانيون يستخدمونها في الحرب في العصور القديمة، والتي تستخدم حديثا في ركوب الدراجات الهوائية الحديثة.

وعند تجوالك في القسم الأول تجد السيارة التي تستلهم طاقتها من الشمس، وصممها عدد من الطلاب السعوديين الملتحقين ببرامج ابتعاث في اليابان، وتجد قسما خاصا بالملبوسات اليابانية، ومن أشهرها «الكيمونو»، وهو أقدم الملبوسات اليابانية التقليدية، حيث عرف قبل نحو 300 ألف سنة.

و«الكيمونو» هو لباس التقليدي لليابان، يستخدم في المناسبات العامة، وله عدة ألوان، إلا أن اللون المتعارف عليه هو الأسود، والأبيض. ويظهر في جناح العرض لباس الزفاف النسائي وهو مستوحى من «الكيمونو»، ويعود بدء استخدامه إلى قرن من الزمان، ويستخدم في كل أنحاء اليابان.

وصممت إحدى اليابانيات عباءة، مزجت فيها العباءة السعودية التقليدية بالعباءة اليابانية، والتي صممت خصيصا لزوار القرية التراثية بالجنادرية، تم تفصيلها باستخدام الزخرفة المستخدمة في الكيمونو، ومزج بذلك الرداء الثقافة السعودية واليابانية في العباءة، والذي تميزه باللون الأسود.

وأبرز اليابانيون في صالة العرض الأخرى براعتهم في الصناعة، لا سيما التقنية منها، حيث عرض اليابانيون إبداعهم في صناعة السيارات، وبعض وسائل التقنية الحديثة، وبعض الروبوت (الرجل الآلي)، وأحدث موديلات السيارات.

وعند مرورك في جناح اليابان تجد بعض الصناعات الرقمية، التي تميز بها اليابانيون، حيث تم عرض أكبر شاشة بتقنية ثري دي (ثلاثية الأبعاد)، وتم توزيع النظارات الواجب لبسها عند مشاهدتك لتلك الشاشة.

وتختم جولتك في جناح اليابان، ضيفة شرف مهرجان الجنادرية الـ26 بمشاهدة أنواع الأسلحة التي جبل اليابانيون على استخدامها منذ القدم، وتتنوع بين السيوف والرماح، وتشاهد لباس رياضة الدفاع عن النفس «الجودو»، و«الكاراتية»، ولباس رجل الساموراي.

ولا يتخلى اليابانيون عن عادتهم، وذلك بإلقاء التحية على الزوار، مع قليل من الانحناءة، بينما يتم توزيع بعض المنشورات على زوار جناح اليابان، والتي فيها ترجمة لأبرز الكلمات التي قد يحتاج إليها المسافر السعودي، عند سفره إلى اليابان، وتعريف بجمعية الصداقة اليابانية السعودية، والتي تهدف إلى تعزيز روابط الصداقة بين الدولتين، وتأسست عام 1960، وتهدف تلك الجمعية إلى تعزيز التفاهم المتبادل بين الدولتين عبر تنظيم المناسبات الثقافية والرياضية، مثل إقامة المعارض الفنية، والعروض المسرحية، والحلقات الدراسية.

وقامت جمعية الصداقة بترجمة عدد من الكتب الإسلامية، مثل ترجمة «تفسير الجلالين»، وترجمة «صحيح مسلم»، وترجمة كتب عن حياة الملك المؤسس، الملك عبد العزيز، وتاريخ الكعبة الشريفة، وترجمة لبعض الكتب والقصص التي تحكي التاريخ المعاصر للسعودية.