عالم الآثار المصري زاهي حواس يواجه انتقادات بخصوص عمله وعلاقاته بمبارك

أكد أمانته ودعمه لحماية الآثار المصرية وإعادة المسروق منها

زاهي حواس (ا.ف.ب)
TT

بدا زاهي حواس، أشهر عالم آثار في العالم، للحظة، وكأنه يشبه الزعيمة الشعبية الأرجنتينية إيفا بيرون بشكل محدود. وصرح حواس بصوت مدو ذات مرة قائلا: «لقد فعلت ذلك كله من أجل مصر».

وفي مكتبه بوزارة الآثار، يجلس الرجل المكلف بتراث بلاده من التاريخ الثقافي الذي يمتد لنحو 5000 عام، والذي يناديه كل فرد باسم الدكتور زاهي، على مكتب خال، بأربعة هواتف في جانب واحد. وكان هاتفه الجوال الذي يحمله في يده لا يتوقف عن الرنين. وكان هناك شابات يأتين ويذهبن، دائما في عجلة، في استجابة لطلباته الملحة والعاجلة بالرد على المكالمات والاتصال بأشخاص آخرين.

وبعد مرور شهرين على الثورة وتبادل الاتهامات التي أسهمت في دخوله وخروجه من السلطة، يبدو حواس مكلفا بعدة مهام بشكل جنوني؛ حيث يكافح من أجل الحفاظ على المواقع الأثرية من السرقة وتجاوزات البناء غير القانونية، مع العمل بنفس درجة القوة للحفاظ على قاعدة سلطاته في مشهد خيالي متحول بشكل واسع.

يقول حواس: «أنا لست من النظام القديم». وكان حواس قد تقدم باستقالته، من منصبه الوزاري الذي منحه له الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، يوم 3 مارس (آذار) الماضي عندما تظاهر آثاريون شبان غاضبون مطالبين برأسه. ولم تجعله هذه الوظيفة قويا في مصر فقط، ولكنها منحته أيضا هيمنة على الحياة المهنية للآثاريين الدوليين الذين يعملون في بلاد الأهرامات والمعابد والمساجد والكنائس. ولكن بعد 27 يوما، عاد حواس مجددا إلى منصبه، لأنه أكد أنه ليس بمقدور أي فرد آخر أن يقوم بعمله.

ويمكن القول إن منصبه أبعد ما يكون عن الأمان؛ حيث أدانته محكمة جنائية يوم الأحد الماضي بتهمة التغاضي عن تنفيذ حكم مدني سابق صدر بحق وزارته في قضية تتعلق بعقود امتياز في المتحف المصري. وقد تكون هذه هي أول خطوة في معركة قضائية مطولة، ولم يتم تنفيذ الحكم، الذي يقضي بالسجن لمدة عام وعزله من منصبه ودفع غرامة.

ولكن الأحداث المتتالية في النزاع الذي تورط فيه تتجاوز إلى حد بعيد الأحداث المؤسفة الأخيرة التي وصفها حواس بأنها لا تعدو كونها مجرد سوء فهم. وتثير عودة رجل معروف بأسلوبه الاستبدادي أسئلة بخصوص مستقبل الإصلاح الحكومي في مصر، ويمثل تحديا للقيادات الثقافية الغربية.

وكان حواس يؤيد مبارك بشكل قوي خلال الأيام الأولى من المظاهرات الحاشدة التي أنهت حكم الرئيس مبارك الذي استمر لمدة 30 عاما يوم 11 فبراير (شباط) الماضي، وهو التأييد الذي ربما يكون قد مثل صدمة للقيادات الثقافية الغربية التي عرفت حواس بأنه شخصية مصرية لطيفة وحيوية وجذابة تمثل كل الأشياء الجيدة في شخصية المصريين.

وحتى الآن، يتحدث خبير الآثار ومطارد المومياوات بلغة الثورة. وقال حواس إن الثورة كانت عملا رائعا، وقدم عبارات أنيقة مثل «الجيش والشعب إيد واحدة» وهو الشعار الذي أصبح رمزا للوحدة داخل دولة يؤكد فيها قادة الحرس القديم بالجيش الذين يتولون الآن مقاليد الحكم الآن أن الحركة الديمقراطية الشعبية سوف تؤدي إلى حدوث تحول سياسي حقيقي. وقد استحدث حواس قسما للشكاوى في وزارته، ويرعى معرضا مخصصا للثورة.

ويحاول حواس أن ينأى بنفسه عن سوزان مبارك، قرينة الرجل الذي يوصف الآن ببساطة بـ«الفرعون»، والذي تفيد مصادر محلية بأنه كان يمتلك علاقة صداقة شخصية وثيقة معه. وكان الاثنان يشاهدان سويا بشكل متكرر في الفعاليات الثقافية المهمة.

يقول حواس: «لم أكن صديقا مقربا لمبارك»، مضيفا أنه لم يتصل بسوزان مبارك منذ أن هربت عائلة الرئيس المصري السابق إلى منتجع شرم الشيخ.

ولكن لن يكون من السهل بالنسبة لحواس أن يمحي سجله الماضي؛ حيث كانت علاقات حواس مع رجل مصر القوي السابق قد منحته القدرة على فتح الأبواب المغلقة وتجاوز الطريق الجانبية العنيدة للبيروقراطية المصرية المتصلبة وإنجاز الأمور بطريقة جعلته لا غنى عنه بالنسبة للمؤسسات الخارجية. وهو الشخص الوحيد الذي يمكنه إصدار الضوء الأخضر للحفريات التي تقوم بها فرق دولية تريد أن تحفر في مصر. ويتطلب عرض مواد مصرية في متاحف أجنبية الحصول على موافقته، ويمكن أن تكون هذه المعارض أداة لجني الأموال بالنسبة للمؤسسات المتعطشة لتحقيق مكاسب مالية وتحظى بإقبال جماهيري كبير.

ولكن البيانات المتضاربة بشأن الضرر الذي لحق بالمتحف المصري الشهير والتي تعرض لأعمال تخريب لأنه يطل على بؤرة الثورة، ميدان التحرير، قد قوض من مصداقية حواس بشكل خطير. واعترف حواس، الذي قلل في البداية من الخسائر التي تعرض لها المتحف، خلال مرحلة لاحقة بفقدان العشرات من القطع المهمة. ونقلت مصادر محلية خلال الأسبوع الحالي عن فقدان نحو 1000 قطعة أثرية مهمة من مواقع أثرية في شتى أنحاء مصر.

وقد أوضح حواس أن البيانات المتضاربة تشبه دخان الحرب خلال البدايات الأولى الفوضوية للثورة، وتصدر وزارته الآن بيانات صحافية منتظمة تعلن عن عودة قطع أثرية مهمة.

ورغم إظهار حواس للهدوء ورباطة الجأش، يقول منتقدوه إن نهب القطع الأثرية من المواقع الأثرية ما زال مستمرا وترد تقارير إخبارية يومية عن تهريب للآثار من ضمنها عملية تهريب عن طريق شحنها في سيارة على متن عبارة من مصر إلى الأردن. ويقول عبد الحليم نور الدين، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للآثار، إن أسلوب حواس في الإدارة يجعل من المستحيل عليه إدارة شؤون الوزارة بفاعلية.

ويقول مشيرا إلى الرجل الذي اصطحب الرئيس أوباما في جولة سياحية في منطقة الأهرامات وتناول العشاء مع الممثل عمر الشريف «لم يكن زاهي ينصت أبدا إلى أي شخص. لم يزر يوما المواقع الأثرية، بل كان يكتفي بإجراء مقابلات مع وسائل الإعلام ومقابلة النجوم». ويكرر نور الدين الاتهامات التي انتشرت ضد حواس خلال الفترة الأخيرة وهي اختفاء قطع أثرية بعد هذه الجولات مع المشاهير والشخصيات الهامة واكتشاف قطع لا تقدر بثمن في حوزة رموز النظام المصري السابق.

ولم يرد حواس في إحدى المقابلات على اتهامات بعينها، لكنه أكد أمانته ودعمه لحماية الآثار المصرية وإعادة المسروق منها. كذلك قال إن منتقديه غير متخصصين أو يقومون بأعمال غير مشروعة.

حتى هذه اللحظة، يدعم بعض المنخرطون في علم المصريات من الدول الغربية حواس علنا، بينما يظهر البعض الآخر تحفظه.

يقول تيري غارتشا، نائب الرئيس التنفيذي للجمعية الجغرافية الوطنية: «لقد فعل زاهي أكثر من أي شخص آخر لحماية الآثار المصرية والحفاظ عليها». كذلك يفند غارتشا زعما مقبولا على نطاق واسع في مصر وهو أن زاهي حواس كان يقوم بالاكتشافات أمام الكاميرات فقط. على الجانب الآخر، فضل مجموعة من الأميركيين موجودون في القاهرة، التعليق على هذا الأمر. وقال أحد العاملين في مركز البحث الأميركي في مصر قبل أن ينهي المكالمة الهاتفية: «إن زاهي هو الشخص الوحيد الذي بوسعه أن يتحدث عن الآثار».

لكن الثورة التي شجعت المواطنين المصريين العاديين على انتقاد شخصيات عسكرية ومسؤولين، غيرت طريقة تعاملهم مع الوزراء. فبعد سقوط نظام مبارك، كان حواس محور احتجاجات الآثاريين الغاضبة. وحتى مع عودة حواس إلى السلطة، يواجهه بعض موظفي الوزارة علنا. فقد تقدم مسؤولان بارزان إلى النائب العام باتهامات ضد حواس بتستره على عمليات نهب للآثار ولمواقع أثرية وإهدار العمال العام.

نسب زغلول إبراهيم محمد، مفتش آثار يعيش في حي بالقرب من منطقة الأهرامات، له الاتهامات التي يتم تداولها كإشاعات حتى هذه اللحظة. يزعم محمد أن حواس كثيرا ما ينسب إلى نفسه اكتشافات قام بها آخرون وأنه استغل نفوذه لحماية معارف له متورطين في تجارة الآثار.

يقول حواس: «إنهم يستغلون الثورة ضدي». ويوضح قائلا إنه يقوم بإصلاحات في وزارته ولن يكون الوزير «الذي يسير بصحبة الحرس ويستقل سيارة فارهة» وإنه سيستمر في إعادة الآثار المسروقة من المتاحف الأجنبية بالحماسة نفسها التي كان يشعر بها في السابق. والجدير بالذكر أن حواس قد اقترب الشهر الماضي من استرجاع قناع «كا نفر نفر»، المعروض في متحف سانت لويس عندما تحرك مكتب المحامي العام الأميركي في سانت لويس للحصول عليه.

لقد أبهر حواس الجمهور والمثقفين حول العالم، لكنه يتسم بالفجاجة والفظاظة عندما يتعلق الأمر بالاتهام. فعندما سئل عن الاتهامات الموجهة إليه بالفساد أخرج من درج مكتبه خمسة ملفات يقول إنها تحتوي على الأدلة التي تدحض مزاعم منتقديه.

يقول: «لدي ملف ضد كل شخص. يمكن لخمسة أصوات أن تفسد كل شيء، لكنهم لم ينجحوا في هزيمتي، فأنا نزيه وقوي».

يبدو أن موقف حواس سيظل قويا حتى يتم انتخاب برلمان جديد في سبتمبر (أيلول) المقبل، حيث ستحدد حينها الحكومة الجديدة ما إذا كان حواس هو الشخص الوحيد القادر على قيادة الوزارة كما يؤكد أم لا. لكن الأصوات المتزايدة القوية المنتقدة لحواس ترى أن دكتور زاهي حواس ليس هو الشخص الوحيد الذي يعرف أماكن المومياوات في باطن أرض مصر.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»