«إذا مت سأقتلك».. الفيلم الجديد للمخرج الكردي هنر سليم

الحبيبة التي جاءت لتقابل خطيبها في باريس فوجدته رمادا في قنينة

صبا تعزف على البيانو مع جارة لها
TT

قد لا يكون اسمه معروفا في العراق الذي جاء منه، لكن المخرج الكردي هنر سليم تمكن من أن يلفت النظر منذ فيلمه الروائي «عاشت العروس والحرية لكردستان». ثم جاء فيلمه «فودكا بالليمون» الذي نال عنه جوائز مهمة، وبعده «الكيلومتر صفر» ليثبت وجوده في الوسط السينمائي الفرنسي والأوروبي، ويؤكد أن الشاب الذي غادر بلدة عقرة، شمال الموصل، هاربا من الحروب وهو في الـ17 من العمر فحسب، هو فنان موهوب وليس فقاعة موقوتة، سياسية أكثر منها فنية.

ومثل مخرجين كثيرين لا تتوافر لهم، دائما، الإمكانات الإنتاجية السخية، جاهد هنر خلال السنوات الـ20 الماضية في سبيل أن يواصل حضوره ويقدم أفلاما بتمويل متواضع، وبممثلين من خارج صفوف النجوم، لكن كل واحد من أفلامه كان أشبه بتحفة صغيرة وبليغة تعكس قدرة المخرج على أن يجس نبض الفكاهة فوق معصم المأساة.

فيلمه الثامن «إذا تموت سأقتلك»، الذي يعرض حاليا في الصالات الفرنسية، هو استمرار لمسيرة هنر سليم الباحث عن فكرة بسيطة ذات إيحاءات كبيرة، لا عن مشاهد مبهرة. فهناك أفدال، الشاب الكردي المهاجر الذي يجد مأوى في شقة فيليب، العامل الفرنسي الخارج من السجن. لقد قامت بينهما صداقة سمحت لأفدال بأن يعترف له بأنه جاء إلى باريس بحثا عن أحد الخونة المجرمين للانتقام منه. ثم إن للشاب الكردي حبيبة تدعى صبا، يحادثها في الهاتف ويعيش على أمل أن تلتحق به ليتزوجا. لكن أفدال يموت فجأة، بسكتة قلبية على مقعد حافلة للنقل العام، ويكون على فيليب أن يهتم بمراسم الدفن؛ لأنه صديقه الوحيد. هل يدفنه في الحفرة الجماعية التي تلقي فيها البلدية جثث الغرباء والمجهولين الذين يموتون على قارعة الطريق، أم يوافق على إحراق الجثمان والاحتفاظ برماده في قارورة تحمل اسمه؟

تصل صبا، الصبية العقراوية، إلى باريس للقاء خطيبها، فتجده رمادا في قارورة (تقوم بالدور الممثلة الإيرانية الحسناء غولشيفته فرحاني)، ثم يصل أبوه (يقوم بالدور الممثل القدير ميندرس سامانسيلر الذي عرفناه في عدد من المسلسلات التركية المدبلجة). ويفجع الأب فجيعة مضاعفة عندما يعرف بإحراق جثة ابنه خلافا للشريعة الإسلامية. وبين محاولة الأب السيطرة على الخطيبة وإعادتها إلى البلدة بالقوة، وبين عبور صبا من ضفة الحزن إلى ضفة التفتح على العالم الواسع، ممثلا في باريس، وهي الشابة المتعلمة وعازفة الموسيقى، تقودنا كاميرا هنر سليم، عبر مشاهد مؤثرة وتفاصيل صغيرة عن يوميات الجالية الكردية وقوانينها في الأحياء الشعبية المحيطة بمحطة الشمال، من التكافل الجميل بين أفرادها إلى العصبيات السياسية التي تحول بعضهم إلى كاريكاتيرات.

هل هو فيلم عن الهجرة، أم عن الحب، أم عن الصداقة، أم عن القدر الأعمى، أم عن قمع المرأة؟ إنه ذلك كله وأكثر منه. إن المفارقة كلها تكمن في تلك العبارة التي تبدر عن صبا وهي تهجس بموت أفدال في غمرة حاجتها واشتياقها له: «إذا تموت سأقتلك». لذلك، تنتقل قارورة الرماد من مكانها في بيت فيليب إلى غرفة الأب في الفندق، لتصل أخيرا إلى أحضان صبا التي تفتحها، ذات مساء ممطر، وتذرو محتوياتها فوق مياه «السين» بعد أن تحتفظ لنفسها بحفنة صغيرة في علبة البودرة. إن الحياة ما زالت أمامها وهي تريد أن تعيشها وفق ما تشتهي.