«العرضة» رقصة السعوديين في السلم والحرب

خادم الحرمين الشريفين يرعى التقليد السنوي الذي يرافق مهرجان الجنادرية

خادم الحرمين الشريفين يحيي حضور حفل العرضة السعودية (تصوير: بندر بن سلمان)
TT

لم تغب العرضة السعودية طوال تاريخ الجنادرية، فالسعوديون ينهجون طوال تاريخها الممتد لأكثر من قرن من الزمان رقص العرضة السعودية، التي يقوم بأدائها عدد كبير من الأفراد.

مهرجان التراث والثقافة «الجنادرية 26» فرصة يجدها السعوديون ليقوموا بأداء العرضة السعودية، التي ورثها السعوديون عن الآباء والأجداد، ويقوم بأدائها أكثر من 300 شخص، يشكلون الفرقة الأولى للعروض الرسمية السعودية.

المشاركون في الفرقة ورثوا المشاركة عن آبائهم الذين سبقوهم في هذا المجال، منذ أن عاصروا الملك عبد العزيز، مؤسس وموحد الدولة السعودية، «فرقة الدرعية» هي الفرقة الرسمية للدولة، التي تحيي من خلالها مجموعة من المؤدين السعوديين الاحتفالات الرسمية.

يشار إلى أن العرضة السعودية تعتبر في قديم الزمن رقصة الحرب، والسلم، والفرح، وقد عرفت لدى العرب في القدم، إلا أن السعوديين لا يزالون طوال الأعوام محافظين عليها، لا سيما أنها أصبحت رقصة الاحتفال والكرنفال الشعبي السنوي، وأصبحت رقصتهم الرسمية في المناسبات المختلفة، فهي رقصة الحرب والسلم والفرح.

وشهد الملك عبد الله بن عبد العزيز مساء الثلاثاء الماضي، ضمن نشاطات المهرجان الوطني للتراث والثقافة، حفل الحرس الوطني الذي خصصه للعرضة، وشارك في تأديتها مع عدد من الأمراء والمسؤولين والمواطنين.

وتجري الاستعدادات المبكرة لدى السعوديين، وذلك بشراء اللباس المعتاد، وهو «الدقلة»، والحرص على اختيار اللون المناسب، والتأكد من وجود كافة الأدوات الكافية.

وتشير بعض الدلالات التاريخية إلى أن العرضة السعودية كانت أكثر حضورا في ملحمة توحيد البلاد على يد الملك المؤسس عبد العزيز الذي كان حريصا عليها قبل انطلاق المعارك.

ويؤدي أهل نجد (وسط السعودية) العرضة وهم مقبلون على ميدان الحرب، وهي رقصة مهيبة متزنة تثير العزائم وتحيي في النفوس حرارة الشجاعة، ولا سيما شجاعة الفرسان المقاتلين بأيديهم.

وعرف العرب هذا اللون من الرقصات منذ قرون، وقد تم تطويره على يد السعوديين في العقود العشرة الماضية، كفن يختص بالسعوديين، وهو ما عرف بالعرضة السعودية، التي كانت حاضرة ومتلازمة مع حالات الحرب والسلم والفرح.

ورغم عدم وجود رابط يؤكد وجود توافق بين رقصات الحرب عند العرب أثناء أيامهم وحروبهم في الجاهلية وما بعدها فإنه يمكن الجزم بأن أركان العرضة الأساسية في واقعها اليوم هي ذاتها التي كانت ملازمة للحرب في القرون الماضية، حيث إن الطبول كانت تقرع، بل إن العبارة العربية التي عادة ما كانت تقال في إعلان النفير تعبر عن ذلك حيث تتردد مقولة: «طبول الحرب تقرع» وذلك خلال الأجواء المتوترة التي تسبق بدايات المعارك، أو عند الخوض فيها، أو تحقق الانتصار بعدها.

وتعد «العرضة السعودية» فنا حربيا كان يؤدى في منطقة نجد وسط البلاد، وعرفت لعدة سنوات باسم «العرضة النجدية» وكان هذا اللون يؤدى في المعارك الحربية قبل وأثناء توحيد أجزاء البلاد ليتحول المسمى لاحقا إلى «العرضة السعودية» وهي لون استهوى السكان ويقام عادة في مواسم الأفراح والأعياد بعد أن كان مقصورا على حالات الحروب والانتصارات.

ولعل أبرز مستلزمات العرضة: الراية (البيرق) والسيوف والبنادق، إضافة إلى الطبول، في حين تتطلب العرضة صفوفا من الرجال.

ومع بدء الاستعدادات للعرضة السعودية، تنقسم الفرقة إلى مجموعتين، الأولى مجموعة منشدي قصائد الحرب، والثانية مجموعة حملة الطبول، حيث يتوسط حامل العلم صفوف المجموعتين ليبدأ منشدو القصائد في أداء الأبيات وترديدها، ثم تليها الرقصة مع قرع الطبول لترتفع السيوف.

ويتمايل الراقصون جهة اليمين أو جهة اليسار مع التقدم لعدة خطوات إلى الأمام في وقت يكون المنشدون في صف واحد، مع وجود مشاركة من عدد من السعوديين ببعض الرقصات من خلالها.

وبرع عدد من الأمراء السعوديين في رقص العرضة السعودية، وسط وجود جمهور سعودي كثيف حضر مبكرا، والذي هو الآخر تابع بكل لهفة هذا الكرنفال الشعبي السنوي الوطني.

ويستخدمون طبولا مختلفة يطلق على الكبيرة منها «طبول التخمير» أما الصغيرة منها فيطلق عليها «طبول التثليث» ويتردد بصوت يسمعه الحاضرون: خمر.. ثلث، ولعل طبول التثليث اكتشفت مع العرضة السعودية بهدف رفع المعنويات واستعراض القوة أثناء الحروب، كما تعد الأزياء الخاصة بالعرضة ركنا أساسيا لإقامتها وأدائها بما يحقق عنصر الإبهار الجمالي للراقصين.

ويعتاد مؤدو العرضة السعودية على اقتناء لباس خاص، يصنع من قماش فضفاض واسع، يسمح بسهولة الحركة للراقص، ويصنع الزي من قماش أبيض اللون ويكون خفيفا، وفوقه يرتدي المؤدي للعرضة قطعة سوداء تسمى «القرملية» وهي ذات أكمام طويلة في العادة تلبس مع الشماغ أو الغترة والعقال.

ويشكل السيف عمادا للرقصة، وهو الذي عرف قديما على أنه أداة للحرب. في المقابل، لا يمكن إتمام العرضة من دون السيف، وفي الوقت الحاضر يلبس الراقص في العرضة «محزما» يوضع فيه الرصاص الخاص بالبنادق، في حين يتطلب الأمر ضرورة تسخين الطبول إما بوضعها في الشمس أيام الصيف أو تسخينها على نار هادئة إذا كانت العرضة تقام شتاء، أو عند عرضها ليلا في غياب الشمس حتى يكون وقع قرعها عاليا وجميلا، وبالإيقاع الذي يتوافق مع إنشاد الصفوف.

وينتهج ملوك الدولة السعودية الحديثة تأدية العرضة السعودية في مناسبات مختلفة، حيث تعد أشبه بالرقصة الرسمية للبلاد، وذات الحضور القوي في المناسبات الوطنية، وفيها يحرص الملك والأمراء والمواطنون على المشاركة فيها معبرين بذلك عن أجواء الفرح والسلام.

واشتهرت «الدرعية»، العاصمة السابقة للدولة السعودية، بإتقان أهلها هذا الفن، بل إن فرقة الدرعية كانت حاضرة في أغلب مناسبات الدولة.

وتعد فرقة الدرعية الفرقة الرسمية، وهي تردد عبارات عرفت منذ القدم، وهي التي تحضر في كافة المناسبات الوطنية، وليست مقصورة على العرضة السعودية.

ويردد السعوديون عبارة «نحمد الله جت على ما تمنى»، وهذا ليس مقصورا على العرضة السعودية، بل حتى في المناسبات الوطنية الهامة، ووصولا إلى «من ولي العرش جزل الوهايب».

وتختتم العرضة بترديد الجميع بصوت واحد: «تحت راية سيدي سمع وطاعة، وحقك علينا يا دارنا»، وإحاطة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتلك العبارات، وسط تجديد للسمع والطاعة للقيادة الرشيدة.

إلى ذلك، شرف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود مأدبة العشاء التي أقامتها اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة.

حضر حفل العرضة ومأدبة العشاء الأمير فيصل بن محمد بن سعود الكبير، والأمير أحمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية، والأمير عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن، والأمير تركي الفيصل، والأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزير التربية والتعليم، والأمير اللواء خالد بن بندر بن عبد العزيز نائب قائد القوات البرية، والأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، والأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، وضيوف المهرجان، إضافة إلى أعضاء السلك الدبلوماسي.