فيلم سعودي عن العمل المختلط: العيب في الرجل

«المؤسسة» للمخرج فهمي فاروق فرحات

مشهد من فيلم المؤسسة
TT

هذا العام سيسجل للسينما في المملكة العربية السعودية خروج فيلم روائي جديد، وهي التي عرفت أعمالا متوالية منذ عام 2006 حين أخرج عبد الله المحيسن فيلمه «ظلال الصمت»، وأخرج الفلسطيني إيزودور مسلم «كيف الحال»، وكلاهما سعودي الإنتاج (ومن كتابة هذا الناقد). بعد ذلك توالت بضعة أفلام أخرى في حملة من البحث الشديد عن خصوصية فنية.

كما هو معروف، فإن الهوية السعودية حاضرة وموجودة في الثقافة والآداب وحقول التعبير كافة والأعمال الأخرى.. إنها محفورة في واقع الحياة السعودية منذ عمق التاريخ. لكن الهوية السينمائية هي التي ما زالت جديدة تحتاج إلى وقت لكي تتطور، وهي عبارة عن ذلك اللقاح الأسلوبي الجامع؛ الاهتمامات لا السعودية فحسب، بل المصوغة سعوديا أيضا. أي تلك التي تختزن رؤى فنية تنتمي إلى الحياة الفنية والثقافية، كما كان حال السينما الإيطالية الواقعية في الأربعينات أو حال سينما الموجة الجديدة في فرنسا في الستينات. إلى الآن، فإن هذه الهوية ما زالت فردية؛ وجدناها في فيلم عبد الله المحيسن ووجدناها في أفلام عبد الله آل عياف وفي أفلام قليلة جدا أخرى، لكنها لم تشكل بعد ذلك الخط الشامل.

«المؤسسة» للمخرج فهمي فاروق فرحات، هو الفيلم الذي عرض قبل يوم من نهاية مهرجان «الخليج السينمائي الرابع» من خارج هذه الأعمال الباحثة عن هوية سعودية. صحيح أنه سعودي تماما في الإنتاج وفي الموضوع، لكن أسلوبه مقتبس ومستوحى من أفلام أجنبية. التنفيذ الضعيف لا يموه هذه الحقيقة. على ذلك، هو فيلم مهم جدا كصاحب رسالة حول وضع اجتماعي معقد اسمه «اختلاط الجنسين» في المؤسسات والأعمال. وهو يتعامل مع واقع هذه المسألة المثيرة للنقاش والجدل باعثا التأييد لمبدئها وموحيا أن المشكلة في الرجل وليست في المرأة.

إنه عن مؤسسة تجارية تتألف مكاتبها من بضع غرف صغيرة. هذه أول غلطة في العمل، فالمكان مكتظ أساسا، فما البال حين يضاف إليه أشخاص جدد حتى ولو كانوا من الجنس نفسه؟ هناك مدير المؤسسة الذي ينفرد بمكتبه الكبير، والموظفون الستة المحشورون في غرفة تتسع لثلاثة. واحد من هؤلاء هو شاب يرتدي الجينز ويتصرف كمراهق كبير، والآخر متدين واثنان لا يتعاطيان أي أمر خارج وظيفتهما، وهناك المتطوع الذي لا يفقه شيئا مما يدور، والمهاجر إقبال الذي يريد إسعاد الجميع.

إلى هؤلاء، في صبيحة أحد الأيام، وبعد تمهيد المخرج لمشاهد نرى فيها ردود فعل الموظفين (كما المدير) على قيام رئيس المؤسسة بإيفاد أربع نساء للعمل في هذا المكان، تصل النساء وتحدث المواجهة. المكان المزدحم أساسا يصبح أكثر ازدحاما، والمتدين يبحث عن مكان معزول حتى لا يختلط، أما الموظف «اللعبي» فيوهم نفسه بالتعرف على إحداهن التي تصده بإباء. رئيسة هؤلاء هي خريجة مدرسة على الإنترنت وتعتبر نفسها مديرة على المستوى ذاته، وتنتقل غصبا عن مدير المكتب ذاته إلى غرفته. أما الفتاة الرابعة فتطلب منها المديرة العودة من حيث جاءت لنقل الملفات وهي تخرج ولا تعود مطلقا.

هذه هو الترتيب (The Set up) وتبعا له، فإن المفارقات كلها تقع داخل غرف هذا المكتب باستثناء فواصل صغيرة عبارة عن لقطات لحركة سير في شوارع الرياض. لا علاقة لها طبعا بما يدور، لكنها فواصل تشبه تلك المستخدمة في المسلسلات التلفزيونية.

الفيلم بأسره ذو نفح تلفزيوني ثابت: هناك المكان المحدد، والفواصل المذكورة، ثم التمثيل النمطي، واللفتة الأخيرة، والأهم، هي تلك التي ينتقل منها الفيلم إلى فيلم داخل فيلم. فعلى طريقة بعض أفلام الرعب الحديثة في هوليوود، هناك كاميرا تصور ما يحدث والشخصيات تنظر إليها وتتحدث معها، ثم هذه الكاميرا تصبح في منظور كاميرا أخرى أو ننتقل نحن إلى الكاميرا الموازية فيصبح المشهد بالأبيض والأسود. ليس أنه دون معالجة «فنية» ملائمة لموضوع محدد تشكل تنويعا خفيفا، لكن المسألة هي أنها لا تكفي لإنقاذ العمل من ضعفه.

على ذلك كله، هذا فيلم جريء في طرحه موضوعا يتعرض لنقاش دائم: هل يصح الاختلاط أم عدمه. هذا السؤال يجر إجابات عدة بعضها مؤيد وبعضها معارض. الفيلم في حد ذاته مع الاختلاط، وليس بالخطب؛ بل بالمواقف، وهي تظهر أن الخلل في المفهوم نابع من الرجل الذي يخشى ويخاف ويرتبك أو يحاول استغلال الفرص. لو أن الفيلم انتهى على هذا النحو لكان أفضل بكثير له من نهايته الهزيلة أكثر مما هي هزلية، التي نرى فيها المدير وقد جلب حيوان الضب وأخاف به المديرة الجديدة التي هرعت إلى الخارج وقررت أن الاختلاط أمر غير مأمون لعواقب.