«الفقيه بن صالح» اشتهرت بهجرة أبنائها إلى إيطاليا وإسبانيا

«الشرق الأوسط» تزور المدينة التي جعلتها «روبي المغربية» محط اهتمام العالم

باب ضريح الفقيه بن صالح الذي أخذت المدينة اسمه («الشرق الأوسط»)
TT

فجأة، تحولت مدينة الفقيه بن صالح المغربية إلى قبلة لوسائل الإعلام الدولية، بعد توالي حلقات المسلسل الذي انطلق على خلفية ما صار يعرف بقضية روبي غيت. روبي هو لقب الفتاة المغربية التي تدعى كريمة المحروق التي ولدت في «الفقيه بن صالح» وهاجرت مع عائلتها إلى إيطاليا وهي صغيرة السن، قبل أن يتردد لقبها مقرونا برئيس الوزراء الإيطالي، سلفيو برلسكوني، بسبب قضية دعارة متفاعلة، وربما تضع حدا لمشواره السياسي. ويتابع برلسكوني في القضية بتهمة دفع مبالغ مالية لقاء معاشرة جنسية لروبي، بين فبراير (شباط) ومايو (أيار) من العام الماضي، في وقت كانت لا تزال قاصرا، وهو جرم يعاقب عليه القانون الإيطالي بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. كما أنه متهم باستخدام سلطته لإطلاق سراح روبي عند توقيفها في مايو، وهو جرم يعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى 12 سنة. وينفي برلسكوني إقامة علاقات جنسية مع روبي، ويؤكد أنه تدخل للإفراج عنها، ظنا منه أنها قريبة الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

وفي الوقت الذي ينتظر فيه أن تبين محاكمة برلسكوني ما إذا كانت روبي من مواليد 1990 أو 1992، يتزايد حجم الضجة الإعلامية، ويفتح باب الشهرة العالمية، أمام مدينة «الفقيه بن صالح» التي ولدت فيها روبي، قبل أن تهاجر إلى إيطاليا، رفقة عائلتها. وزادت حدة الاهتمام بقضية روبي وبرلسكوني على مستوى «الفقيه بن صالح»، خاصة بعد ذيوع خبر وصول إيطاليين بالمدينة، للتأكد مما إذا كان سجل الحالة المدنية يؤكد أن روبي كانت قاصرا أم لا، حين مارست الجنس مع برلسكوني، حيث تضاربت الآراء بشأن خلفيتهم، وإن كانوا محسوبين على رئيس الوزراء الإيطالي أو من أعدائه.

وكشفت صحيفة إيطالية، عما قيل إنه «محاولة لتزييف تاريخ ميلاد الراقصة المغربية، لإثبات بلوغها سن الرشد أثناء حضورها حفلات في فيللا برلسكوني». ونقلا عن الصحيفة التي أوفدت صحافيين عنها إلى المدينة المغربية، فإن «مواطنين إيطاليين سافرا إلى المغرب، مسقط رأس الفتاة، بصحبة مغربي، حيث عرضا على مسؤولة بقسم الأحوال المدنية التلاعب بتاريخ ميلاد روبي ليصبح عام تسعين بدلا من اثنين وتسعين».

وفي «الفقيه بن صالح» ينقسم أبناء المدينة بين التفكه أو الصمت أو متابعة مغامرات روبي عبر وسائل الإعلام.

وتساءل موقع «بوابة إقليم الفقيه بن صالح»: «كيف سلبت فتاة الفقيه بن صالح عقل برلسكوني؟». وقال أحد أبناء المدينة، ممن تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، متفكها: «برلسكوني الذي دوخ العالم بمغامراته وأمواله لم يستطع أن يصمد في وجه فتاة من (الفقيه بن صالح) فسقط سقوطا مدويا سيؤثر لا محالة على مستقبله السياسي، وربما يقوده إلى السجن». وعلى الرغم من طابع التفكه الذي يحاول بعض أبناء المدينة والمنطقة إلباسه للفضيحة، فإن أغلبهم لا ينظر بعين الرضا والارتياح إلى القضية، ما دامت تثير اسم مدينتهم في فضيحة تتعلق بالشرف والدعارة، هي المدينة التي أخذت اسمها من عالم دين. وقال إبراهيم دهباني، وهو رئيس «جمعية ملتقى التنمية»، التي تعنى بالهجرة والتنمية وحقوق المهاجر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «أغلب سكان مدينة (الفقيه بن صالح) فضلوا التزام الصمت حيال الضجة التي صنعتها وسائل الإعلام حول فضائح كريمة المحروق (روبي) التي جرت رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني إلى المحاكم»، مشددا على أن «معظم أبناء المدينة يتفادى ترديد ما تتناقله وسائل الإعلام، وينظر للقضية من الجانب السلبي، وينتهي إلى أنها لا تعنيه ولا تعني (الفقيه بن صالح)».

وأرجع دهباني هذا الأمر إلى خصوصية المنطقة، التي تتميز بعادات وتقاليد مرتبطة بالزراعة والنمط التقليدي المتأثر بالطابع الزراعي، إلى جانب أن المدينة تتكون من سكان يغلب عليهم الطابع القروي نتيجة الهجرة القروية من المناطق المجاورة. وأشار دهباني إلى أن روبي التحقت رفقة عائلتها بالديار الإيطالية وهي صغيرة، وقضت هناك فترة المراهقة، وهي الفترة المؤثرة في حياة الإنسان، ولذلك يمكن اعتبارها نتاج المجتمع الإيطالي، إضافة إلى ما عاشته من حياة صعبة وحرمان، ما جعلها الحلقة الأضعف في القضية. ويشدد دهباني على وجود «روبيات» كثيرات، داخل إيطاليا، غير أن روبي الراقصة، اشتهرت فقط، لأنها قاصر، ولأنها تتقاسم دور البطولة، في فضيحتها مع برلسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي. ويرى دهباني أن روبي قد لا تكون الوحيدة التي سلكت طريق الرقص والدعارة بالمجتمع الإيطالي، الذي يقصر كثيرا في عملية إدماج المهاجرين، في ظل وجود فئات داخل إيطاليا تعادي المهاجرين، خاصة المتحدرين من جنسيات عربية ومسلمة. وانتقد دهباني طريقة تعامل وسائل الإعلام مع مدينة «الفقيه بن صالح». وقال إنها أرادت «محاكمة مدينة لا علاقة لها بقضية روبي، على الرغم من أن المستهدف هو رئيس الوزراء الإيطالي وفضائحه». ويفضل دهباني النظر إلى فضيحة روبي وفق معالجة شمولية تضع الهجرة النسائية المغربية في صلب النقاش، مشددا على أن وضع روبي هو نتيجة حتمية لوضعية اجتماعية، يمكن أن تمر بها جميع المغربيات اللائي يهاجرن إلى خارج البلد. ويربط دهباني فضيحة روبي بقضية المهاجرين، بشكل عام، حيث يقول: «بالنسبة للمهاجرين المغاربة المقيمين بإيطاليا، الذين يحاولون إبراز نجاحاتهم بديار المهجر والتباهي بما حققوه من استثمارات، فإنهم يتفادون الحديث عن الفشل والتصرفات السيئة التي تصدر عنهم، سواء ببلدهم أو بمكان الإقامة. لكن الأوضاع تغيرت الآن وأصبح المهاجر المتحدر من منطقة (الفقيه بن صالح)، والمقيم بإيطاليا، يعيش أوضاعا صعبة نتيجة الأزمة العالمية وضعف فرص العمل». وعن تداعيات فضيحة روبي على المهاجرين المغاربة، قال دهباني: «هناك تخوف من أن تزيد هذه القضية من معاداة المهاجرين، الذين يعيشون أوضاعا صعبة في ظل التهميش وضعف فرص الشغل، التي دفعت عددا منهم إما للعودة إلى أرض الوطن وإما جلب ما تلفظه مزابل إيطاليا من أثاث مستعمل لإعادة بيعه في الأسواق المغربية».

تقع مدينة «الفقيه بن صالح»، التي وجدت نفسها في قلب العاصفة الإعلامية في وسط المغرب، على مسافة مائتي كيلومتر بين مراكش والدار البيضاء، شيدت في القرن السادس عشر ميلادي. وهي توجد في منطقة معروفة بخيراتها الفلاحية. ونظرا لتوسعها العمراني وإمكاناتها الفلاحية المهمة تحولت إلى إقليم (محافظة)، بعد أن كانت، حتى وقت قريب، محسوبة على منطقة تادلة أزيلال. عندما تصل إلى «الفقيه بن صالح» تشعر بالحيرة، إذ لا تعرف، على وجه التحديد، إن كنت في مدينة صغيرة أم قرية كبيرة.

أثر الهجرة الإيطالية على عمران المدينة ونسيجها الاقتصادي والاجتماعي يبدو مثيرا ولافتا للانتباه، خاصة حين يتعلق الأمر بالسيارات المرقمة في إيطاليا التي تسير في الأزقة والشوارع. وكانت المدينة قد اشتهرت في ثمانينات القرن الماضي بفريق «اتحاد الفقيه بن صالح» الذي لعب لسنوات في الدرجة الأولى لكرة القدم. وقتها كان «الملعب البلدي» ترابيا من دون عشب أخضر، لكن تقنيات لاعبين الفريق مثل النوري ومراوغات صقري وبراعة الحارس هشام كانت تشد الانتباه وتجذب الآلاف، من أبناء المدينة والقرى المجاورة، لمشاهدة مباريات الفريق العميري (نسبة إلى قبيلة بني عمير) وهو يواجه أبرز الفرق المغربية، التي كانت تنزل إلى الفقيه بن صالح مدججة بلاعبين استثنائيين، أمثال الزاكي والبوساتي والتيمومي والظلمي وبودربالة.

«الفقيه بن صالح»، أو «الأربعاء» (نسبة إلى سوق أسبوعية تلتئم يوم الأربعاء)، كما يختصرها أبناء المنطقة، هي المدينة التي جاءها الشاعر المغربي الراحل عبد الله راجع مدرسا، فكان أن تحدث عنها شعرا، في ديوانه «الهجرة إلى المدن السفلى»، قبل أن يختصرها لاحقا في كلمتين، هما «القرض الفلاح» و«الجدارمية»، دلالة ربما، على تمركز الإدارات بين بناية «القرض الفلاحي» وبناية «الدرك الملكي».

«الفقيه بن صالح»، هي أيضا، طرائف الشيخ حسن وبراءة صالح وفتيحة وفاطمة، وهي، بعد هذا كله، تاريخ انسل جميلا، بين الأصابع قبل أن ينتصب صارخا من خلال تحولات الحاضر المتسارعة. في «الفقيه بن صالح»، كانت الفكاهة تصنع وتسوق على نطاق محلي، مثيرة ضحك واستحسان الجميع. ولذلك كان عاديا أن نسمع، في سنوات لاحقة، أن مجموعة من الفكاهيين المغاربة المعروفين مرت من أسواق وساحات «الفقيه بن صالح»، وأن محمد باريز، أحد أشهر الحكواتيين في ساحة جامع الفنا بمراكش، انطلق من «الجوطية».

يتذكر باريز مروره من «الفقيه بن صالح»، فيقول، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «صادفت شيخا يروي حكاياته بالجوطية، وأذكر أن اسمه كان (عمر النخلة). اخترت أن أقص على رواد حلقتي الصغيرة حكاية بدر بسيم وجوهرة بنت الملك السمنبل، التي ستثير إعجاب المتحلقين، غير أني حكيتها من دون أن أتوقف، أو أطلب مقابلا. وحين سيتفرق الجمع، وحده شيخ بقي جالسا، هناك. قال لي إنني كنت رائعا، ونصحني بأن أطلب مقابلا من رواد حلقتي، ثم علمني متى أتوقف ومتى أواصل الحكي. وفي ختام حديثه، تنبأ لي بمستقبل كبير. في اليوم الموالي، سأكسب 75 ريالا، وفي اليوم الثالث 150 ريالا، وفي اليوم الرابع 500، ثم 700، في باقي الأيام. قضيت بالفقيه بن صالح ثمانية أشهر، صرت خلالها محبوبا بين ناس المدينة، قبل أن يشدني الحنين إلى مراكش وساحتها الشهيرة». وأضاف: «كانت أياما بسيطة وجميلة، كانت المدينة خلالها قانعة بنصيبها، فيما كانت رؤوس أبنائها تدور داخل البلد، قبل أن يأتي زمن ستصير فيه إيطاليا جنة موعودة. أما اليوم، فيتحسر بعض أبناء المنطقة على تداول اسم مدينة (الفقيه بن صالح) على المستوى العالمي، مقرونا بفضيحة دعارة، هي التي أخذت اسمها عن فقيه ورجل دين صالح».

ويعتبر الفقيه بن صالح، من أتباع الزاوية الشرقاوية، التي اشتهرت بمدينة أبي الجعد. ويذكر الباحثون أن الفقيه محمد بن صالح (الذي يقال إنه توفي عام 1858) تشبع بثقافة الزاوية الشرقاوية في عهد شيخها سيدي محمد العربي الشرقاوي، الذي عرف بمنهجية حفظ القرآن والحديث، وخاصة صحيح البخاري، وإلزام مريديه بذلك، باعتباره أساس الثقافة الصوفية وركيزة بنيان كل زاوية. ولا تذكر للفقيه بن صالح، حسب الكتابات التاريخية، كرامات بقدر ما تذكر عاداته في التدين واستقامته وعدم رد طلب أي كان، لذلك احتل موقعا رمزيا واعتباريا في المنطقة. ويتذكر أبناء المنطقة كيف أنه جرت خلال بداية ثمانينات القرن الماضي، محاولات لتغيير اسم المدينة من «الفقيه بن صالح» إلى «الحسنية» لكن، دون جدوى.