سينما تتحدى الإيدز وتعشق الحياة

الأفلام التسجيلية تسجل حضورها في مهرجان «الجزيرة»

TT

يقتحم الفيلم التسجيلي الكثير من القضايا التي تؤرق العالم.. لا شك أن مرض «الإيدز» واحد من الأمراض التي تشكل تهديدا للإنسان.. الملايين في أنحاء العالم مصابون بمرض فقدان المناعة (الإيدز)، وتحظى أفريقيا بالنصيب الأكبر من مصابي وضحايا هذا المرض اللعين الذي يودي بحياة الآلاف سنويا، وذلك بسبب انتشار التربة الصالحة للمرض، وهي الجهل والفقر. داخل مسابقة الفيلم التسجيلي المتوسط الطول - وهو الذي يتراوح زمنه بين 30 و60 دقيقة - لمهرجان الجزيرة في دورته السابعة، عرض فيلم «أطفال يعيشون مع سليم» للمخرج الأميركي سام كوفمان، لم يقدم المخرج مجرد فيلم عن عدد من المرضى أصيبوا بهذا الفيروس القاتل، ولكنه يتعمق، بل ويتواصل مع هؤلاء المرضى لنرى على الشاشة التطور النفسي والجسدي لهؤلاء المتشبثين بالأمل في الحياة؛ حيث إن البداية جاءت من خلال لقاء المخرج بهم عام 2004، ثم نتابع بعد 6 سنوات تطور المرض وماذا ترك على مشاعرهم وأجسادهم، وكالعادة تتباين ردود الفعل خاصة في علاقتهم بالعالم المحيط بهم سواء الأسرة أم الطلاب في المدرسة أم الزملاء في العمل، من خلال تعدد حالة ودرجات التصالح مع العالم.. وهكذا نرى من خلال مرآة المرضى الحب والصداقة، الرغبة في الأمومة والأبوة، الأمل في الشفاء، وأيضا التعايش مع المرض.. كلها درجات متباينة في التفاعل داخل النفس البشرية تختلف درجتها من شخصية إلى أخرى، حرص المخرج على أن ينقلها لنا بكاميرا حميمة.. قانون المخرج في السرد السينمائي البصري هو أن يقترب من هؤلاء بنظرة لا تحمل إشفاقا بقدر ما نرى فيها رؤية إيجابية لمن يريدون الحياة بينما الموت يتربص بهم، نعم، هناك من المرضى من مات أثناء تنفيذ الفيلم، إلا أن هناك أيضا من قاوم الموت ولا يزال يحلم بالحب والزواج والأبناء على الرغم من أن الغد لا يزال مجهولا.

في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة، وهي تلك التي يزيد زمنها عن 60 دقيقة، عرض الفيلم البريطاني «الساري الوردي» إخراج كيم لونجينوتو، الفيلم تجري أحداثه في إحدى القرى الهندية؛ يتناول في القراءة الأولى له حرية المرأة التي ترفض الظلم وتدعو للكرامة من خلال حقها في اختيار لون الرداء، إلى حقها في التعبير، تناول الفيلم بخفة ظل هذه القضايا.. لا تخلو الروح الساخرة من عمق في الرؤية وبصيرة في الإحساس الفني.. الحقيقة أن الفيلم انطلق من الدفاع عن حرية المرأة إلى تبني قضية الحرية بمعناها الأشمل.

ومن لبنان، وفي مسابقة الأفلام المتوسطة، شارك فيلم «مملكة النساء: عين الحلوة». الفيلم تعود أحداثه إلى عام 1982 عندما دمرت إسرائيل مخيم «عين الحلوة» حيث قتلت واعتقلت الرجال، معتقدة أنها قد أسقطت تماما روح المقاومة في هذا المخيم. المخرجة اللبنانية، دانا أبو رحمة، تقدم الفيلم على الرغم من القتل والدمار وبشاعة المأساة، فإن الروح الساخرة لم تفارق تفاصيل الفيلم الذي انحاز إلى نضال المرأة الفلسطينية وقدرتها على المقاومة، على الرغم من كل ما تعانيه، واستخدمت المخرجة في تكنيك الإخراج الرسوم الكاريكاتيرية للتعبير عن تلك السخرية وأيضا لتأكيد روح المقاومة.

وبينما تثار في فرنسا الآن بقوة قضية تجريم ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وما صاحب هذه القضية من ردود أفعال متباينة، حتى إن بعض الفرنسيين هاجموا هذا القانون على اعتبار أنه ضد الحرية الشخصية، جاء الفيلم الفرنسي «المسلمون في فرنسا فرنسيون» للمخرج كريم مسكة، والمقصود بكلمة «فرنسيون» في العنوان هو أن انتماءهم للوطن فرنسا هو الذي يشكل الاعتبار الأول لديهم كمواطنين فرنسيين قبل أن يتناول ديانتهم. يستعرض المخرج الموريتاني الجنسية عددا من الأسر المسلمة المتباينة في الطبقة الاجتماعية، التي تعيش في فرنسا، ليقدم لنا رؤية بانورامية لتلك العائلات ودرجات التأقلم مع المجتمع، وهل الإسلام كدين من الممكن أن يصبح عاملا سلبيا أم إيجابيا في تحقيق التواصل مع المجتمع الفرنسي، ثم هل هم مسلمون أولا أم فرنسيون أولا؟ ويأتي مواكبا لتلك الرؤية الفيلم الأسترالي «على خطى الأسلاف.. المسلمون في أستراليا» للمخرجة اللبنانية الأصل ندى رود، التي لعبت دورا إيجابيا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في التخفيف من مشاعر العداء التي انتقلت في كثير من الدول تجاه كل ما هو إسلامي ونعته كذبا بالإرهاب.

ومن منطلق وضع الأفكار الواعدة لجيل المستقبل تحت الأضواء، تم تكريم 25 طالبا من صناع الأفلام، ومنحهم رئيس المهرجان، عباس أرناؤوط، شهادات التقدير، وكالعادة كان للثورات العربية نصيب من التكريم، حيث حصل المصور المصري، حازم عبد الحميد، على شهادة التكريم عن مجموعة من الصور أرسلها من ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير (كانون الثاني) إلى قناة «الجزيرة» تناولت أحداث الثورة المصرية.