المتحف السرياني في عينكاوه.. تداخل الثقافتين الآشورية والكردية

يضم مخطوطات وأدوات منزلية وزراعية تقليدية

TT

لم يرد في مصادر التاريخ المسيحي وصف أي من أنبياء بني إسرائيل (العهد القديم) ولا من تلامذة السيد المسيح (العهد الجديد) بـ«الفاروق» كما اتصف به سيدنا عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين بالإسلام الذي التصق به اللقب، وتسمى به الكثيرون من أبناء المسلمين الذين أطلق عليهم هذا الاسم في جميع أقطار العالم الإسلامي اعتزازا بالفاروق عمر رمز العدل في الإسلام، لكن أن يتسمى شخص مسيحي بهذا الاسم فإنها لعجيبة إلا في كردستان العراق خاصة وفي العراق عموما.. ولكن، لا غرابة في ذلك بالنسبة للكردي الذي يعيش في كردستان والذي يصادق (سوران أو بوتان أو ريبوار) وهي أسماء كردية خالصة لكنها متداولة في بلدة عينكاوه أو بمناطق بهدينان أو رواندوز وغيرها من المناطق المسيحية، فالمسيحيون في العراق عاشوا لمئات السنين إلى جانب إخوانهم المسلمين في وئام وسلام، وفي كردستان خاصة تداخلت حتى الثقافتين الكردية والسريانية، بل غدا تراثهما تراثا مشتركا كما سجلها المتحف التراثي السرياني الذي افتتح مؤخرا في بلدة عينكاوه (4 كم شمال أربيل) التي أصبحت أحد أهم أحياء المدينة يجمع مختلف الثقافات العراقية بعد نزوح آلاف العوائل المسيحية إليها بسبب التهديدات الأمنية التي طالت هذه الطائفة في مناطق العراق المختلفة.

الحاصودة الكردية والجاروشة وماكينة الغزل والأزياء الشعبية وحتى العمامات تعبر عن المشتركات بين المسلمين والمسيحيين، وتداخلت أشكالها بين الثقافة والتراث السرياني، وأوضح مدير المتحف فاروق حنا عتو أسباب هذا التداخل في لقائه «الشرق الأوسط» قائلا «هناك تداخل في معظم ثقافات الشعوب القديمة، ومنها تشابه أشكال المواد المستخدمة في تلك الحقب التاريخية، فمثلا الحاصودة والمنجل وأدوات الغزل وغيرها من المواد التي كانت تستخدم في العصور القديمة، تتشابه في تصميماتها الأساسية بحسب الحاجة والاستخدام، ولكن كل شعب أضاف شيئا من ثقافته على تلك الأدوات، فمثلا (الشروال) الكردي الضيق من أسفل والواسع من فوق الذي يربط بحزام قطني هو لباس مشترك لمعظم الشعوب التي تقطن المناطق الجبلية في العالم، فالمناخ في بعض المناطق يؤثر على شكل وتصميم ملابس سكانها، ولذلك، تجد أن الكثير من الأدوات المستعملة في تلك الحقب بل حتى الملابس تتشابه في ما بين الشعوب، وبالنسبة لملابس المرأة التي تتكون عادة من ألوان متعددة تجد أن الزي الآشوري السرياني الكلداني يحتوي على بعض النقوش والرسوم المتعلقة بهم، وكذلك الأكراد يضيفون نقوشا وألوانا ورموزا خاصة تعبر عن ثقافتهم على ملابسهم، وهكذا بالنسبة للشعوب الأخرى، بمعنى أن كل شعب يعطي طابعا مميزا من الألوان والتصاميم على ملابسه والأدوات التي يستخدمها بما يعبر عن ثقافته الشعبية».

في جولة «الشرق الأوسط» داخل المتحف السرياني الذي افتتح بدعم من حكومة الإقليم، خصصت قاعتان كبيرتان للعروض، الطابق السفلي خصص لعرض أدوات الزراعة وكل ما يتعلق بها من ملابس الريفيين وطريقة معيشتهم من استخدام الأدوات المنزلية من الأواني والفخار والنحاس وغيرها، بينما خصص الطابق الثاني لعرض المخطوطات وعرض الصحف السريانية وبعض الأجهزة الصوتية القديمة مثل الغرامفون والراديو الكهربائي والمسجلات، إلى جانب لوحات لعرض السير الشخصية لأهم الشخصيات الثقافية والرموز الدينية التي لعبت دورا في التاريخ العراقي، وعلى الخصوص شخصيات بلدة عينكاوه من رواد النهضة الآشورية.

فاروق حنا الذي أكد أنه عشق تراث شعبه منذ طفولته، كلف موظفاته بالمتحف بمهمات عديدة إضافة إلى وظيفتهن الأصلية وهي تدريبهن على ترميم الملابس وتصليحها، خصوصا أنه كما أكد «فإن جميع منتسبي المتحف لم يدخلوا دورات تدريبية متخصصة لكيفية إدارة شؤون أقسامهم»، مضيفا أن «هناك حاجة ملحة لإرسال عدد من موظفي وموظفات المتحف إلى دورات تدريبية بمتاحف العالم لاكتساب المزيد من الخبرات، حيث إن مقتنيات المعرض ثمينة جدا توثق لتراث شعب مهم كان من أوائل الشعوب التي سكنت العراق وتركت بصماتها على التاريخ العراقي».

وعن كيفية حصول المتحف على مقتنياته، قال مديره: «هذا المتحف يتبع حاليا للمديرية العامة للثقافة السريانية التي يرأسها الدكتور سعدي المالح، وبعد أن تخمرت فكرتها عنده بدأنا بتخصيص هذا المبنى لإقامة المتحف، ثم بدأنا نتجول في جميع القرى والبلدات الآشورية الكلدانية السريانية للبحث عن الأدوات والمواد التراثية، وأعلنا عن قبولنا الهبات والتبرعات من المقتنيات المنزلية، وهكذا لم تكد تمر إلا فترة قصيرة حتى تلقينا مئات المقتنيات التراثية من أبناء شعبنا الحريصين على إظهار تراثهم للعالم، بحيث وصل عدد المتبرعين بها إلى 286 شخصا قدمنا لهم شكرنا وتقديرنا على مساهمتهم بيوم افتتاح المعرض، ونحن نتطلع إلى تلقي المزيد من تلك المقتنيات، ونناشد من لديه أي شيء تراثي أن يهديه للمتحف ليطلع أبناء شعبنا على تاريخهم، وهذا أفضل من اندثار تلك المقتنيات وضياع جزء من تاريخنا وثقافتنا». وأشار مدير المتحف إلى أن «المعروضات تعرض بأربع لغات هي عربية وكردية وسريانية وإنجليزية»، مضيفا أن «المواد نستلمها أولا من المتبرع ثم تدخل مرحلة التنظيف والترميم إذا كانت هناك حاجة لذلك، وبعد ذلك تدخل ضمن مقتنيات مخزن المتحف وتؤرشف المادة بكافة تفاصيلها قبل عرضها في المعرض».

واشتكى مدير المتحف من صغر وضيق قاعات العرض والمتحف عموما وقال «في البداية، لم نجد غير هذا المبنى وهو لا يكفي للمعروضات، ونأمل من حكومة الإقليم أن تخصص لنا بناية أكبر لأن المقتنيات كثيرة، ونتوقع أن تردنا أعداد أخرى منها من المتبرعين». وإلى جانب معروضات المتحف، هناك قاعة للندوات الثقافية يستخدمها المتحف لإلقاء المحاضرات والندوات الثقافية والمتعلقة بتراث الشعب الكلدوالآشوري السرياني.