قانون منع التدخين في لبنان على نار حامية

الإحصاءات أظهرت أن التدخين السبب الأول في حالات الوفاة

ما زالت معركة شد الحبال قائمة بين المؤسسات الحاضنة لقرار منع التدخين في الأماكن العامة واللجنة النيابية المسؤولة عن إيصال القرار لمجلس النواب لإقراره (رويترز)
TT

لعلّ القرار الأخير الذي اتخذه رئيس مجلس إدارة محطة «إل بي سي» بيار الضاهر حول منع أي مشهد مصوّر في المسلسلات الدرامية المعروضة على شاشة التلفزيون الذي يرأس إدارته يشجع أو يروّج للتدخين كان له وقعه الخاص والإيجابي على المؤسسات العاملة على مكافحة التدخين إذ رحبت بالقرار المذكور واعتبرته مصيبا، داعية المؤسسات الإعلامية الأخرى إلى أن تحذو حذوها دون تردد.

وكان الضاهر السباق بين المؤسسات الإعلامية بإصدار قرار منع التدخين في كافة أقسام وأرجاء محطة «إل بي سي»، وكذلك منع عرض الإعلانات التلفزيونية التجارية المروجة لأي ماركة سجائر، وذلك من باب مساندة قانون الحد من التدخين في الأماكن العامة، الذي يجري العمل عليه حاليا لتطبيقه في لبنان. وكانت آخر الدراسات في لبنان قد أظهرت أن 70 في المائة من المراهقين تأثروا بإعلان مباشر عبر وسائل الإعلام، وأن 20 في المائة تأثروا بإعلان غير مباشر (أقلام وقبعات ورعاية نشاطات رياضية).

ومن المؤسسات الخاصة والعامة التي بادرت إلى تطبيق قرار منع التدخين فيها غير وسائل الإعلام، بعض المصارف والبلديات ووزارات رسمية كوزارة الشؤون الاجتماعية.

وكان اللبنانيون قد انشغلوا مؤخرا بالتطورات السريعة المتعلقة بهذا القانون، خصوصا أن لجنة الإدارة والعدل النيابية عكفت مؤخرا على مناقشته في جلسات متتالية لها قبل طرحه على الجلسة العامة للتصويت. فتابعوا الحملات الإعلامية المواكبة له، ولم يتردد بعضهم في الانضمام إلى مؤسسات وجمعيات تصب أهدافها في تطبيق هذا القانون بأسرع وقت ممكن، فيما وقف البعض الآخر في الاتجاه المعاكس رافضين هذا القرار برمته كونه يحد من حرية اللبناني ومن الوسيلة الوحيدة حسب رأيه التي يتنفس الصعداء من خلالها في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية التي يعيشها، معتبرين أن هناك أولويات اجتماعية وحياتية أخرى على الدولة أن تهتم بها قبل القانون المذكور.

وكانت دراسات أخيرة قام بها برنامج الحد من التدخين في وزارة الصحة في لبنان قد أظهرت أن التدخين هو السبب الأول في حالات الوفاة الحاصلة في لبنان (3500 لبناني يموتون سنويا بسبب التدخين) وأن 80 في المائة من الأولاد اللبنانيين بين عمر الـ13 والـ15 عاما يتعرضون للتدخين السلبي في منازلهم، و75 في المائة منهم معرضون للتدخين السلبي في الأماكن العامة. ومن المعلوم أن التعرض للتدخين السلبي لمدة نصف ساعة يوازي تدخين 2 إلى 4 سجائر ويؤدي إلى الإصابة بأمراض مميتة منها أمراض القلب.

وتذكر الدراسة أن التلوث البيئي الذي يسببه التدخين يفوق 10 أضعاف التلوث الحاصل بسبب انبعاث محركات السيارات.

وكان رؤساء الكتل النيابية والنقابات كافة وجمعيات المجتمع المدني وعدد من البنوك والمؤسسات الخاصة قد وقعوا على بنود العريضة الخاصة بالقانون التي أكدت عدم التزامها بأي قانون لا يلتزم النقاط التالية: منع التدخين التام والشامل 100 في المائة في الأماكن العامة في مدة أقصاها ستة أشهر بعد إصدار القانون، منع الإعلانات التجارية للسجائر في وسائل الإعلام والإعلان كافة ومنع الرعايات الإعلانية لمنتجات التبغ على أشكالها كافة، وأخيرا وضع التحذير الصحي المصور على مساحة 40 في المائة من وجهتي علب السجائر ومنتجات التبغ كافة.

وما زالت معركة شد الحبال قائمة بين المؤسسات الحاضنة لقرار منع التدخين في الأماكن العامة وبين اللجنة النيابية المسؤولة عن إيصال القرار لمجلس النواب لإقراره بحيث أن الثانية تتمسك باستثناء المطاعم بمنحها مهلة سنة لتطبيق القانون من حين إقراره كما استثنت الفنادق بالسماح بالتدخين في 10 في المائة من مجموع الغرف على أن تكون الغرف في الطابق نفسه، وكذلك عدم التقيد بالتحذير الصحي المصور.. أما الجهة الأولى فتتهم فعاليات رسمية في لبنان في عرقلة تطبيق القانون بحذافيره لأن الأمر لا يصب في مصالحها الخاصة.

ويرى الدكتور جورج سعادة رئيس برنامج «الحد من التدخين» في وزارة الصحة والممثل الرسمي لمنظمة الصحة العالمية في لبنان أن القانون على وشك الولادة قريبا وهو متفائل في تطبيقه فور ذلك، وأن البنود التي توقفت عندها اللجنة النيابية مطالبة باستثنائها أو عدم تطبيقها لن تقف حاجزا لتطبيق القرار، وأن البرنامج المعتمد من قبل وزارة الصحة للحد من التدخين سيأخذ ذلك بعين الاعتبار ويقدم الحلول اللازمة من أجل التسريع في تطبيق القانون. وأشار سعادة إلى أن الحملة الداعمة لولادة هذا القرار بدأت منذ عام 2002 وأن بعض الظروف الدقيقة التي مرّ بها البلد حالت دون تسريع العجلة القانونية له، مشيرا إلى أنه متأكد من إنجازه وتطبيقه كاملا قبل نهاية هذا العام.

وكانت الدراسات نفسها قد أظهرت أن 22 في المائة من المراهقين بين عمر الـ13 والـ15 عاما يدخنون السجائر (15 في المائة ذكور و7 في المائة إناث) والمعروف أن كل سيجارة تحتوي على 4600 مادة سامة وأخرى سرطانية وأن أكثر من 30 في المائة من المراهقين في لبنان يتعاطون النرجيلة دوريا وأن 60 في المائة منهم يتعاطونها من وقت لآخر. وما لا يعرفونه كثر هو أن النرجيلة يساوي أقلها علبتين من السجائر وأن كل 100 مجة منها فيها 6800 ملغ من الرصاص هذا دون التحدث عن مضار الفحم المستعمل فيها. ومن مساوئ الرصاص تراجع الأداء الفكري والجنسي والتناسلي إضافة إلى مساهمته في تقليص نسبة الذكاء والقدرة على الاستيعاب والتركيز.

وكانت صالات السينما في لبنان قد أقرت منع التدخين في قاعاتها منذ فترة طويلة وجاءت هذه الخطوة يومها لتشكل مفاجأة لدى اللبنانيين المدخنين إلا أن أصحاب الصالات أصروا على تنفيذ قرارهم من باب الحفاظ على نظافتها من ناحية التي كانت تتأثر مباشرة من سجائر رواد السينما وتتسبب أحيانا في الحرائق وأحيانا أخرى في أضرار تطال الموكيت والمقاعد داخل الصالة.

حاليا تم إقرار مشروع القانون من قبل لجنة الإدارة والعدل النيابية التي ستحوله بدورها إلى مجلس النواب لإقراره ونشره في الجريدة الرسمية.

ويؤكد الدكتور جورج سعادة أن مجرد تنفيذ القرار كما هو اليوم يعتبر خطوة إيجابية في بلد كلبنان لم يسبق أن أحرز أي تقدم في هذا الموضوع منذ سنوات طويلة بينما الدول العربية المجاورة كسورية والأردن والإمارات العربية قد طبقته منذ زمن. أما الغرامات المالية التي يفرضها القانون على مخالفيه في حال تم تطبيقه فهي تبدأ بمبلغ 100000 ل.ل (نحو 70 دولارا) يدفعها الفرد المخالف فيما تتراوح ما بين 3 ملايين و40 مليون ل.ل (أي ما يوازي 2000 و26000 دولار) لصاحب المؤسسة المخالفة.

ومن الجمعيات العاملة على تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة التي قامت بحملات توعية واسعة في هذا المضمار طالت المدارس والجامعات جمعية «حياة حرة بلا تدخين» ورابطة الناشطين المستقلين Indyact ومجموعة البحث للحد من التدخين في الجامعة الأميركية، إضافة إلى بعض الناشطين من خلال مواقعهم الاجتماعية والمدنية كالأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب مروان ثابت.

وتقول رانيا بارود نائبة رئيس جمعية «حياة حرة بلا تدخين» إن الجمعية التي تنتمي إليها هي الوحيدة في لبنان المتخصصة فقط بالوقاية من التدخين وقد أسست 50 ناديا ضد التدخين في قلب المدارس بحيث يصبح التلاميذ هم أنفسهم فاعلين في محيطهم المدرسي والعائلي لمكافحة التدخين.

وترى رانيا أن القانون المتوقع إقراره قريبا هو جيد من حيث المبدأ إلا أنهم كجمعية هدفها الوقاية من السيجارة الأولى تجد فيه بعض الثغرات التي قد لا تؤدي إلى إحداث فعالية تامة حول مبدأ منع التدخين وأن الناشطين في هذا المجال كما الجمعيات المنخرطة في برنامج «الحد من التدخين» وضعوا علامات استفهام كثيرة حول بعض النقاط التي يتضمنها القانون كرفض وضع صورة صادمة تبين مضار التدخين على علب السجائر بدل التحذير المكتوب فقط والمتبع من قبل وزارة الصحة، الذي سيدخلنا في متاهات كثيرة، كما تقول، بينها استمرار عمليات التهريب للتبغ، لأن علبة السجائر ستصبح مشابهة تماما لتلك المتداولة في البلدان المجاورة وبينها سورية. وأوضحت أن القانون المتوقع إقراره اجتزأ بنودا من مشروع القانون الأصلي كإناطة موضوع الصورة الصدمة التحذيرية بقرار مرسوم وزاري يصدر عن الوزارة المسؤولة، الأمر الذي سيجعله محتملا إقراره وليس إلزاميا كما ورد في النسخة الأصلية من القانون التي تقدموا بها منذ البداية. كما لاحظت بارود موضوع الغرامات المالية المفروضة على المؤسسات المخالفة، لأن القانون يجيز لها التملص من مسؤوليتها في حال أكدت أنها لم تنتبه مثلا إلى وجود زبون لديها يدخن فتقع الغرامة عليه فقط، بينما من واجبها أن تظهر تطبيق القانون لديها بحزم.

وإلى أن يصبح لبنان سائرا على خطى الدول المتقدمة في هذا المجال، فإنه أصبح على اللبنانيين المدخنين إعادة النظر في نمط حياتهم، المرتكز على السيجارة، التي تلازمهم في أفراحهم وأتراحهم، على أن يجدوا حلا جذريا لها قبل أن يتحولوا إلى شريحة اجتماعية غير مرغوب التعامل معها في الأماكن العامة، خصوصا أن آخر الإحصاءات تشير إلى أن 65 في المائة من البالغين اللبنانيين لا يدخنون، الأمر الذي سينعكس سلبا في التعامل معهم.