«دقله» منطقة الألف مزرعة والنهر الجاري طوال العام

تضاريسها المتباينة ورياضها الغناء وأوديتها تؤهلها لأن تكون مشروعا سياحيا ضخما لسكان الرياض

القصر الأسفل.. مقصد للمتنزهين خاصة الأجانب («الشرق الأوسط»)
TT

تحولت «دقله» تلك القرية الوادعة في منطقة الشعيب (70 كيلومترا شمال الرياض) إلى منطقة جاذبة، وشهدت خلال العقدين الماضيين هجرة عكسية ونهضة زراعية وسياحية بفضل ما تملكه من مقومات الجذب وقربها من العاصمة السعودية، وهو ما يجعلها هدفا لإقامة متنزه سياحي ضخم يخدم سكان الرياض وغيرها من التجمعات السكانية، استفادة من تضاريسها المتباينة وواديها الذي تجري فيه المياه العذبة طوال العام والمساحة الكبيرة من الأراضي البكر القابلة للاستصلاح الزراعي، ووجود بعض المواقع الأثرية وعدد من آبار المزارع القديمة.

وعرفت «دقله» بواديها الذي يجري لفترة طويلة بعد هطول الأمطار، بما يشبه النهر وتنتشر على جنباته أشجار الطلح التي يستظل بها المتنزهون أيام الصيف ويمارسون هواية السباحة والخوض في مياه الوادي العذبة، الذي تغذيه مياه الأمطار والينابيع والعيون ويحتفظ بها الوادي لعدة أشهر، نظرا لطبيعة التكوين الرسوبي للوادي ووجود عيون وينابيع داخله، وهو ما رفع منسوب المياه الجوفية، ومعه توسعت الزراعة في المنطقة حتى وصل عدد المزارع وفقا لآخر إحصائية إلى نحو ألف مزرعة.

ووفقا لبحث عن جغرافية السياحة والترويح في المنطقة أنجزه يزيد بن زومان الزومان العام الماضي وتناول فيه الوصف الجغرافي والتاريخي وواقع دقله اليوم ومقومات الجذب السياحي التي تملكها، فإن «دقله» بفتح الدال والقاف واللام فهاء قال عنها ياقوت الحموي نقلا عن الحفصي في كتابه «معجم البلدان»: اسم موضع فيه نخل لبني غبر باليمامة.

وتقع شمال مدينة الرياض ضمن نطاق الرف العربي وتتدرج تضاريس المنطقة من جبال متوسطة الارتفاع في أعاليها إلى سهول (حزوم) ورمال ورياض في أسفلها، ويمتد رأس وادي دقله حتى يوازي رأس شعبة حريملاء في مكان يسمى (السديرات), وبأعلاه جبل يسمى (الحوير), وينتهي في روضة الخفس، مرورا بروضة دقله والروضة الشمالية للخفس, وتبلغ مساحته نحو (63 كيلومترا مربعا) ويرفد وادي دقله عدة روافد من الشمال، منها شعيب المرقب وشعيب أبو نخلة وشعيب أبو ثمام, ومن الجنوب شعيب دقيل.

تتبع دقله إداريا محافظة حريملاء, حيث إنها تعد أقرب نقطة إدارية كبرى. وتحد دقله إداريا من جهة الشمال بلدة الحسي (عند شعيب بسيتين الخاتلة), ومن الجنوب بلدة حليفة, ومن الشرق منطقة الثمامة, ومن الغرب حوض السديرات التابع لمحافظة حريملاء. وتقدر مساحة دقله الإجمالية بـ(600 كيلومتر مربع) تقريبا، والمستخدم منها نحو 20 في المائة فقط.

وسكنت دقله قديما من قبل الدعوم من بني خالد، حيث أقاموا بها قصرا يسمى (حصيان, وهو قائم حاليا), بعد ذلك اندثروا وتركت خربة، وأنشئت دقله الحديثة عام 1200هـ, على يد سند بن علي بن عبد الله بن فطاي بن حسن بن سابق الودعاني الدوسري، حيث أعاد فيها الحياة بغرس النخيل. بعد ذلك تواترت إلى أبنائه: مقرن وسلطان وعلي وزومان، ونهجوا نهج والدهم في مسيرة البناء والتطوير.

وازدهرت دقله ونمت في العهد السعودي، وتم في الوقت الحاضر اكتمال جميع الخدمات والبنية الأساسية فتم إيصال خدمات الكهرباء وكذلك خدمات الاتصال - الثابتة والجوالة - وتم أيضا تمهيد الطرق الرئيسية والزراعية وتزويدها بالإنارة.

حظيت دقله بنهضة زراعية عظيمة، حيث يوجد بها ما يقارب الألف مزرعة وزعت من قبل وزارة الزراعة ويقدر القائم منها نحو 90 في المائة, وهناك أيضا نهضة عمرانية قادمة من خلال إنجاز مخطط سكني ومعه ستتحول دقله من قرية صغيرة إلى قرية متوسطة أو شبه كبيرة.

وتملك دقله مميزات ومقومات الجذب السياحي من خلال شعيب دقله الذي يتميز بوجود العيون المائية التي تجري فيه المياه لفترة تتراوح بين (3 - 6) أشهر، وذلك بعد هطول الأمطار، وقد تزداد فترة الجريان في الوقت الحاضر، خاصة بعد التطوير الذي شهده الوادي، وبحكم تاريخ دقله القديم نوعا ما، فإنها تحوي الآثار التراثية التي تعد أهم مقصد لبعض المتنزهين - خاصة الأجانب - حيث تضم قصر حصيان والقصر الأسفل على ضفتي شعيب دقله, كذلك قصر آل سلامة في وادي دقيل, وعددا من آبار المزارع القديمة، كما أن قربها من العاصمة الرياض جعلها ضمن نطاق التنزه اليومي لسكان المدينة، كما اتسم السلوك البشري برغبة الناس في السكن نحو اتجاه الشمال, مما يجعل الزحف العمراني لمدينة الرياض يتسارع ويقترب من دقله، وهذا بدوره يختصر المسافة بين الموضعين، وينعش السياحة، إضافة إلى تنوع التضاريس, بوجود الجبال متوسطة الارتفاع, وكذلك السهول (الحزوم) والرياض (الخفس, دقله, نورة) وأيضا قربها من رمال الرثمة الذهبية (الخفس) حيث لا تتجاوز المسافة من دقله إلى الخفس (20 كيلومترا) وهو ما عزز الترابط بين هذين الموضعين، وغيرها من المواضع، كما توفر الطرق والمسالك المؤدية لدقله عاملا مساعدا لتحقيق هذا التميز والجذب.

ويحدد الزومان أهم نقاط الجذب السياحي حول دقله بروضة الخفس التي تنبهر الأعين وتؤسر القلوب عند مشاهدتها أثناء موسم الربيع وهي منطقة سهلية تقع شمال مدينة الرياض, وتبعد عنها (83 كيلومترا) تقريبا، وتبعد عن دقله نحو (20 كيلومترا) وسميت بذلك لوجود منخفض كبير بالقرب من الروضة (بين الروضتين الجنوبية والشمالية) تتجمع فيه المياه من عدة مصادر أهمها: شعيب ملهم وشعيب دقله وشعيب أبو عويسجة، وتعد روضة الخفس النقطة الأولى للتنزه بالقرب من دقله، والصفرات التي يبهر زائرها منظر الوادي الممتد لمسافة طويلة بين سلسلة جبال عالية، حيث يبلغ عرض الوادي في المتوسط خمسمائة متر يزيد وينقص حسب تعرجات الوادي، وهذه الميزة تعطي للصفرات طابعا ومنظرا مميزين، كما يلاحظ الزائر لها الجو الريفي الجميل الذي تتميز به الصفرات، حيث تنتشر مزارع النخيل ومساكن الأهالي على جنبات الوادي في منظر بديع ويمتاز وادي الصفرات بخصائص جغرافية متنوعة، من الجبال متوسطة الارتفاع، والسهول الرملية والحزوم، وبذلك تعد الجذب الثانية حول دقله.

كما أن من نقاط الجذب السياحي في المنطقة بلدة حليفة وبالتحديد شعيبها: وهي بلدة قديمة تقع شمال مدينة الرياض بين دقله وملهم, وتمتاز بطبيعتها البكر الخلابة - تكاد تكون خربة حاليا - حيث تفتقد لجميع الخدمات الأساسية - وقد تكون بذلك نقطة جذب مهمة لبعض المتنزهين بسبب أرضها البكر - وقد يتغير الحديث عن حليفة، خاصة إذا ما وضعنا في الحسبان مشروع طريق (دقله - القرينة)، حيث إن هذا الطريق قيد الإنشاء ويمر داخل بلدة حليفة.

ويشدد الزومان على أن كل المقومات سابقة الذكر قد تشفع لدقله بأن تكون مشروع متنزه سياحي ضخم يخدم مرتاديه من العاصمة الرياض وغيرها من التجمعات السكنية القريبة. وذلك بتوافر مجهودات ضخمة خاصة إذا ركزنا على بعض الدمار الذي لحق بشعيب دقله من قبل الكسارات، والذي كان هدفه تطوير الشعيب، لكن سوء التخطيط مارس دوره في هذا الدمار، لافتا إلى أنه يمكن دراسة مشروع المتنزه لدى المختصين، طارحا عددا من الاقتراحات لخدمة المشروع والمتمثل في رفع وردم مستوى السد لشعيب دقله، وبهذه الخطوة يصبح استيعاب السد للمياه أكثر، قد تزيد من مدة جريان المياه مما يمكن استثمار الشعيب على مدار السنة، كما أن حماس أهالي دقله لتطوير منطقتهم يمكن أن يكون أهم دافع يحقق استثمارا سياحيا للمنطقة وما جاورها.

وتوجد في المنطقة مواقع خدمية اقتصادية متنوعة ولكن على استحياء، حيث توجد محلات للتموينات الغذائية ولوازم الرحلات, وكذلك الخدمات البترولية, والصيانة العامة, وكذلك الأعلاف (للحيوانات والطيور)، وذلك لتوفر الرعاية في دقله وما جاورها. وجميع هذه الخدمات تخدم منطقة دقله ومنطقة الخفس وغيرهما.