«شوف الزهور واتعلم».. معرض الربيع في مصر ينعش خيال الزوار

تستضيفه سنويا حديقة الأورمان بالجيزة ويضم أصنافا من الزهور والنباتات

حديقة الأورمان التي يقام فيها المعرض يسميها خبراء الزراعة «أم الحدائق النباتية» في مصر، وقد أنشئت عام 1873 في عهد الخديو إسماعيل («الشرق الأوسط»)
TT

«شوف الزهور واتعلم، بين الحبايب تعرف تتكلم».. هذه الأغنية الشهيرة لكوكب الشرق أم كلثوم، ولحن زكريا أحمد، يتجدد إيقاعها سنويا مع مقدم فصل الربيع، وتحديدا على مسرح حديقة الأورمان بالجيزة، حيث يترقرق معرضها السنوي لزهور الربيع الذي تشارك فيه جمعيات وأفراد من مختلف محافظات الجمهورية لبيع وتبادل الأصناف المختلفة من الزهور والنباتات التي تتفتح مع بداية هذا الفصل.

وعلى الرغم من شهرة المعرض على مدار الأعوام الماضية، فإن معرض هذا العام يكتسب رائحة وطعما خاصين، فيبدو وكأنه باقة يانعة مهداة إلى الثورة المصرية. فما إن تقترب من المعرض، حتى تداعب أنفك روائح فواحة من العبير، وبعد بضع خطوات تستقبلك أنواع مختلفة من الزهور والورود والنباتات، لعل أهمها الورد البلدي المصري بألوانه المبهجة، وكذلك النباتات العطرية كالنعناع، إلى جانب نباتات الزينة التي يمكن زراعتها في البيوت مهما كانت مساحاتها.

لاقى المعرض هذا العام إقبالا جماهيريا واسعا، خاصة أن المصريين يرون أن كل شيء بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) أصبح له مذاق خاص، فيرى عبد المجيد خضر - كاتب، أحد زوار المعرض - أنه فرصة سنوية لتجديد علاقة الإنسان بالطبيعة المحيطة به، وللتواصل مع هذه الطبيعة التي تخرج الإنسان - خاصة ساكني مدينة كبيرة كالقاهرة - من هموم الحياة اليومية، ومن صخب المدينة إلى قطعة من جمال الريف المصري، كما يرى أن وجود المعرض في هذا التوقيت وعلى الرغم من تأخره عن بداية الربيع واحتفالاته في مصر يأتي وكأنه هدية للثوار والمواطن المصري عموما بعد نجاح الثورة.

أما محمود مصطفى، أحد العارضين، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود هذا المعرض في حديقة شهيرة كالأورمان يعكس فكرة التواصل بين عناصر الطبيعة كافة، من نخيل وأشجار نادرة موجودة منذ سنين في الحديقة، وزهور وورود ونباتات تزورها بشكل موسمي كل عام». وحول أنواع الزبائن الذين يترددون على هذا المعرض، يؤكد مصطفى أنهم من كافة الطبقات الاجتماعية والثقافية، ويلحظ هذا العام توافد عائلات كاملة لتقضية اليوم في المعرض والحديقة ولشراء أنواع مختلفة من الورود، واللافت أيضا إقبال الأطفال على المعرض، وسؤالهم عن كيفية رعاية الزهور والنباتات في المنزل.

وعن أشهر ما يقبل على شرائه زوار المعرض، يؤكد مصطفى أنها الورود البلدي والصبار وبعض نباتات الظل التي يسهل رعايتها داخل المنازل وفي الشرفات أيضا. أما مجدي شعلان، من إحدى المحافظات القريبة من القاهرة، فيؤكد أنه رغم أصوله الريفية يصر على زيارة هذا المعرض كل عام لشراء أنواع مختلفة من الزهور ونباتات الزينة التي يفتقد إلى وجودها في محافظته، كما أنه يرى أن المعرض فرصة مستمرة للتواصل مع بعض العارضين والبائعين، بل الزبائن الذين صاروا أصدقاءه.

وتقول الطفلة حنان التي ترافق أسرتها: «أنا في الصف الثاني الابتدائي، أنا بحب الزهور، وبحب أرسمها وألونها، والمعرض رائع، وسأشتري نبتة جميلة هدية لأمي بمناسبة عيد ميلادها».

يذكر أيضا أن المعرض لا يقتصر على عرض النباتات والزهور، وإنما يمتد أيضا لبيع منتجات طبيعية أخرى أشهرها عسل النحل، وتوجد في المعرض أماكن متعددة لبيع العسل وغذاء الملكات والشمع والخلايا الخاصة بتربية النحل تشرف وزارة الزراعة المصرية عليها من أجل وصول منتج أصلي صحي بسعر مناسب للمواطنين. كما يوجد منفذ لبيع الكتب والمجلات الخاصة بفن تنسيق الزهور، وكيفية رعاية نباتات الزينة وزراعتها.

سامية عادل، إحدى البائعات، تذكر أن الجمهور يقبل على شراء هذه المنتجات للاستهلاك اليومي، ومنهم من يشتري الخلايا من أجل تربية النحل أو تجديد بعض المناحل الصغيرة، وتؤكد أن وجود هذه المنتجات في معرض لزهور الربيع هو أمر طبيعي تماما، حيث إن العلاقة بين منتجات النحل وبين الزهور معروفة، فهناك موسم زهرة البرسيم، وموسم الموالح كالبرتقال واليوسفي، فالعلاقة متصلة ومستمرة وكل هذه المنتجات تنتمي للطبيعة في النهاية مع تدخل بسيط للإنسان.

يذكر أن حديقة الأورمان التي يقام فيها المعرض يسميها خبراء الزراعة «أم الحدائق النباتية» في مصر، وقد أنشئت عام 1873 في عهد الخديو إسماعيل، بهدف توفير ما تحتاج إليه القصور الخديوية من فاكهة، وقد جلب إليها الخديو الكثير من الأشجار والأزهار النادرة من جميع أنحاء العالم. ظلت الحديقة تابعة للقصور الملكية حتى سلمت لوزارة الزراعة عام 1917، وكانت مساحتها آنذاك 58 فدانا، حيث كانت تمتد إلى منتصف حديقة الحيوان، وعندما جرى تخطيط شارع جامعة القاهرة عام 1938 أصبحت مساحتها 28 فدانا فقط. وتضم الحديقة ألف نوع من النباتات القيمة بالإضافة إلى الكثير من النباتات المائية التي تنمو في بركة صناعية.