الملابس والأنسجة الذكية تشهد تطورا متسارعا

تراقب وتقيس وتنذر بالمؤشرات الحيوية لمن يرتديها ولم تعد خيالا علميا

TT

الملابس والأنسجة والأقمشة الذكية تشهد حاليا نموا متسارعا وتحتل أهمية خاصة في جميع أنحاء العالم وبخاصة مع التطورات السريعة والمتزايدة في أجهزة الاتصالات والإلكترونيات وتقنيات النانو متناهية الصغر، وكذلك مع الحاجة إليها للاستجابة للتغيرات الحادثة في حياة الإنسان وبخاصة في مجالات الصحة وخدمات الطوارئ.

فالملابس التي تراقب وتقيس وتنذر بالمؤشرات الحيوية لمن يرتديها مثل معدل نبضات القلب ودرجة الحرارة وضغط الدم، أو تتغير تبعا لدرجة حرارة الجسم أو حالة الطقس أو تقاوم الجراثيم، لم تعد خيالا علميا، بل أصبحت حقيقة واقعة، إذ يسعى خبراء المنسوجات ومصممو الأزياء لتصميم وتطوير ملبوسات وأنسجة ذكية تنافس الأنسجة والملابس التقليدية وتستطيع الدخول في أسواق صناعة المنسوجات العالمية الذكية الجديدة، فقد شاهد شهر أبريل (نيسان) الماضي في لندن مؤتمر الأنسجة الذكية الذي نظمته منظمة «Intertech Pira»، وشارك فيه أكثر من 150 خبيرا من المتخصصين في المنسوجات الذكية، وناقش كثيرا من الموضوعات، من بينها حاضر ومستقبل الأنسجة الذكية، واتجاهات جديدة في ملابس الموضة والملابس الرياضية، والتزاوج بين البيولوجيا والبوليمرات والإلكترونيات، وتطبيقات التقنيات متناهية الصغر في الأنسجة الذكية، والأنسجة الذكية للمسنين، والتطبيقات الصناعية والعسكرية للأنسجة الذكية، وتطورات تكنولوجية في خصائص الأنسجة الإلكترونية، وخاصية الإحساس والاستشعار عن بعد في الأنسجة واستخداماتها في المجالات الطبية والرياضية.

جدير بالذكر أنه خلال شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي أعلن فريق بحثي بقيادة البروفسور جوزيف وانغ أستاذ هندسة النانو في جامعة كاليفورنيا - سان دييغو الأميركية، عن تمكنهم من تصميم ملابس داخلية للرجال يمكنها أن تنقذ حياتهم، حيث ثبت على حزامها أقطاب كهربائية دقيقة (إلكترودات) للاستشعار تعمل كحساسات بيولوجية، لقياس ضغط الدم ومعدل ضربات القلب وغيرها من مؤشرات بيولوجية عن حالة الجسم. وسوف يؤدي ذلك إلى آفاق جديدة في مجال الرعاية الصحية والتعامل مع بعض الحالات المرضية دون أن يغادر المرضى منازلهم، حيث أكد وانغ أن هناك إمكانيات هائلة لمتابعة المسنين في المنازل ورصد مجموعة واسعة من المؤشرات الحيوية مثل مؤشرات القلب والتحذير من أي سكتة دماغية محتملة والتغيرات المتصلة بمرض السكري أو أي حالات مرضية أخرى، كما يمكن أن تقدم أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء معلومات مهمة للرياضيين.

وقد بدأت الأسواق العالمية للملابس والمنسوجات الذكية في النمو والازدهار بالفعل، وبخاصة في المجالات الصحية والرياضية والعسكرية وخدمات الطوارئ، ويتوقع أن يمثل زيادة عدد المسنين سوقا مهمة لهذه الملابس لمراقبة حالاتهم الصحية، فهناك حاليا كثير من الشركات العالمية تعمل في هذا المجال، ففي بريطانيا شركات مثل «إليكسين» و«فيبرترونيك» و«سوفتسويتش» و«كيوت سيركت»، فعلى سبيل المثال صممت شركة «كيوت سيركت» قميصا يمكنه قياس بيانات ضغط الدم ونبضات القلب ودرجة الحرارة، كما طورت شركة «فيليبس ديزاين» قماشا يمكنه قياس وإرسال مخطط بيانات وإشارات رسم ونشاط القلب الكهربائية. كما تشارك الشركة في مشروع «ماي هارت» (MyHeart) بتمويل من الاتحاد الأوروبي، لتصميم ملابس ذكية يمكنها أن تنذر مبكرا بمؤشرات أمراض القلب. وقد ظهرت منتجات الملابس الذكية بالفعل في الأسواق الرياضية، فشركة «تيكسترونيكس» تبيع حاليا حمالات صدر رياضية تشعر بضربات قلب مرتديها وترسل البيانات لجهاز في معصمه، حيث يتمكن الفرد أثناء الجري وقيامه بالتمرينات من مراقبة معدل نبضات قلبه.

وفي مجال الملبوسات الذكية وطب الاتصالات عن بُعد، والتي ستفيد المسنين والمرضى والرياضيين في ممارسة حياتهم وأنشطتهم اليومية في ظل متابعة طبية مستمرة، تمكن باحثون في مركز بحوث شركة «فيليبس» للإلكترونيات في ألمانيا من تصميم ملابس طبية داخلية تحتوي أنسجتها على أقطاب كهربائية، لمراقبة بيانات ضغط الدم ونبضات قلب مرتديها، وتحليلها وتحديد ما إذا كانت طبيعية أم خطرة. وإذا تم رصد أي مشكلات يمكنها استخدام تكنولوجيا لاسلكية للاتصال بالإسعاف لاستدعاء خدمات الطوارئ. كما تمكن اتحاد المختبرات الفرنسية من تصميم قميص طبي يسمى (V - TAM)، يحتوى نسيجه على مجسات صغيرة عبارة عن أجهزة التقاط ذات مقاييس فسيولوجية وطبية متصلة بمركز طبي عن بُعد لمراقبة البيانات، حيث يمكنها تسجيل نبضات وصورة عمل القلب ودرجة حرارة الجسم ومعدل التنفس، وإرسالها عبر شبكة النظام الشامل للاتصالات الهاتفية الجوالة إلى طبيب مراقب في مركز متخصص للمتابعة. ويستطيع الطبيب أن يتواصل مع المريض عن طريق ميكروفون بداخل القميص، ويتيح نظام تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية والموجود بداخل القميص من استدعاء سيارة الإسعاف إلى موقع المريض إذا تتطلب الأمر.

وفقا لموقع «دويتشه فيله» الألماني، يعكف باحثون في معهد هندسة الغزل والنسيج في منطقة دينكيندورف جنوب غربي ألمانيا، على تصميم ملابس ذكية ذات تقنيات عالية يعمل عليها خبراء من مختلف التخصصات مثل علوم الأحياء والفيزياء والتحكم الآلي، للمساهمة في إنقاذ حياة مرتديها، فمثلا بعض سائقي السيارات أثناء حركة المرور يصابون فجأة بجلطة قلبية ويفقدون وعيهم، ستقوم هذه الملابس بنقل إشارات إنذار إلى محرك السيارة لإجبارها على الإبطاء والسير على جانب الطريق أوتوماتيكيا بشكل لا يضر بقية السائقين ومركباتهم، وبالتالي تنقذ هذه الملابس حياة قائد السيارة وغيره. وفي المستقبل سوف يستفيد أيضا من هذه المنسوجات الذكية رجال الدفاع المدني كطواقم الإطفاء، فهي لن تقوم فقط بجمع معلومات عن الجسم لأغراض التشخيص الطبي، بل وتستطيع أيضا قياس درجة حرارة البيئة المحيطة، وذلك عن طريق زرع مصابيح صغيرة حساسة (مجسات ضوئية) في أنسجة السترة، تسمى بالثنائيات الضوئية (الديودات - Diodes)، فإذا أعطت الضوء الأخضر فهذا يعني عدم وجود خطر، أما إذا أصبح لونها أحمر فهذا يعني وجود خطر حرارة عالية جدا قريبة من رجل الإطفاء وعليه الابتعاد والتوقف عن مهمته، أما إذا أعطت ضوءا أصفر فيعني تعرض إلكترونيات هذه الديودات لمشكلة تقنية. وبالإضافة إلى ذلك سيتم تركيب أجهزة إنذار صوتية في هذه السترات الذكية لاستنفار رجال الإطفاء في حالات الطوارئ، وبذلك تسهم هذه الملابس الذكية في تحذير رجال الإطفاء أو إدارتهم أثناء الحالات الخطرة.

وعلى صعيد تطبيقات النانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر) في صناعة الأنسجة، تمكن فريق بحثي من جامعة زيورخ السويسرية من تطوير نسيج نانوي طارد وعازل للمياه بنسبة 100 في المائة. ويقول الباحث ستيفان سيغر من معهد الكيمياء الفيزيائية بجامعة زيورخ وأحد المشاركين في الدراسة إنهم تمكنوا من تغليف الألياف المصنوعة من مادة البوليستر بخيوط نانوية من السليكون، حيث يتحول الماء إلى كريات كروية دقيقة تنزلق على سطح النسيج ولا تبلغ مادة البوليستر الأصلية، ويضيف بأن هذا النسيج النانوي الطارد للماء يمكن استخدامه في صناعة الأنسجة والبوليمرات مثل القطن والصوف والفسكوز (مادة لدائنية تستخدم في صنع الحرير الصناعي)، وكذلك في صناعة الزجاج والمعادن وتغطية سطوح المنازل وعزل السدود والبناء والجسور وكسو أجسام الطائرات.

كما تقوم شركة الأنسجة النانوية «نانوتكس» الأميركية بإنتاج ملابس بأنسجة نانوية مقاومة للبقع والأوساخ السائلة، وأخرى مقاومة للسوائل أو المواد التي تسكب عليها، وملابس أخرى لامتصاص الشحنات الكهربائية الساكنة أو الإلكتروستاتيكية في أجسامنا، والتي تجعل أجسامنا مستعدة لاستقبال صعقات كهربائية عند ملامستنا لأي نوع من الأجهزة الكهربائية أو الإلكترونية.

ولتصميم الملابس الذكية يقوم الباحثون بدمج الإلكترونيات وأسلاكها الدقيقة في أنسجة الملابس، بحيث تكون هذه الأسلاك الإلكترونية الدقيقة جزءا متشابكا مع خيوط الأقمشة المرنة، الأمر الذي يوفر لها الحماية والاستقرار في أنسجة القماش.