ناجي العلي «يعود» ليرسم في ذكرى النكبة برام الله

10 جداريات له رسمت قبل أكثر من 20 عاما ما زالت تحاكي الواقع في «غاليري المحطة»

لوحة كاريكاتيرية تحولت إلى جدارية ضخمة
TT

كأن الفنان الفلسطيني الراحل، ناجي العلي، حضر إلى «غاليري المحطة» في رام الله، رسم 10 جداريات كبيرة، عن فلسطين والنكبة ومصر، وغادر من جديد، بينما ظل طفله (حنظلة) على عهده، واقفا في المكان، يدير ظهره للحضور ويشبك يديه ويراقب بصمت.

لم يصدق الناس أن تلك الرسومات التي تحمل مواقف سياسية متقدمة وجريئة وناقدة، وأعاد رسمها 10 من الفنانين التشكيليين الفلسطينيين في ذكرى النكبة الـ63 رسمت أصلا قبل أكثر من 20 عاما.

وهذا بالضبط ما دعا هؤلاء الفنانين لاختيار العلي، لإعادة عرض رسوماته القديمة في ذكرى النكبة المتجددة كل عام، التي تصادف في الـ15 من الشهر الحالي الذكرى 63.

وقال الفنان التشكيلي، منذر جوابرة، لـ«الشرق الأوسط»: «أعدنا التذكير بحضور ناجي العلي، أردنا القول إن ناجي جاء إلى هنا رسم بعض الرسومات وغادر». وأردف: «رسومه قبل 20 عاما كأنها تحاكي واقعنا في 2011».

ونظم المعرض بالتعاون مع مجموعة «جذور الشبابية» التي كانت تخطط في الأصل لطباعة عدد كبير من لوحات ناجي العلي وعرضها في ذكرى النكبة، غير أن مجموعة الفنانين في قاعة عرض «غاليري المحطة» اختاروا إعادة رسم لوحات ناجي العلي على الجدران.

وقال جوابرة: «اخترنا رسومات ناجي العلي لأنه فنان فلسطيني رائد صاحب موقف سياسي جريء، وقد قضى حياته يرسم لفلسطين وقضية اللاجئين وقضى من أجل ذلك».

وحصل جوابرة ورفاقه على 60 لوحة كاريكاتير لناجي العلي من ابنه خالد في لندن، ومن ثم اختاروا 10 منها وحولوها إلى جداريات كبيرة.

وأمضى الفنانون 4 أيام بلياليها في رسم لوحات العلي، واختاروا منها ما يحاكي تماما الواقع المعاش الآن. واختار الفنانون رسم لوحة يخاطب فيها العلي مصر كأكبر لوحة بطول 10 أمتار وعرض 3 أمتار، ويظهر في اللوحة امرأة تمثل فلسطين تحمل مفتاح العودة في صدرها، وتقول: «والله اشتقنا يا مصر».

كما عرض الفنانون لوحة ساخرة للعلي، يظهر فيها فلسطيني يقول لمجموعة من أصدقائه: «لاحلق شنبي إذا أعطتكم إسرائيل دولة»، في إشارة إلى نية الفلسطينيين التوجه إلى مجلس الأمن في سبتمبر (أيلول) لطلب الاعتراف بالدولة.

ويمكن لزائر المعرض أن يرى أيضا رسوما لجوازات سفر فلسطينية، كان يعتبر ناجي أنها تصلح فقط إلى «السجن» أو «الآخرة». غير أن اللوحة الرئيسية التي اختارها الفنانون التشكيليون، وتتصدر المعرض، كانت لوحة لرجل يعتمر الكوفية الفلسطينية، وقد كتبت حوله أسماء مخيمات فلسطينية، وإلى جانبه بالبنط العريض عبارة «لا صلح لا تفاوض لا اعتراف»، بتوقيع لاجئي 1948، واختيرت هذه اللوحة بمناسبة إحياء الفلسطينيين الذكرى الثالثة والستين للنكبة. وقال جوابرة: «كل عمل يتناول حدثا معينا».

وخلال الأيام القليلة المقبلة، سيعرض في «غاليري المحطة» فيلم وثائقي عن العلي، يتبعه نقاش موسع مع الجمهور وفنانين حول مسيرته وشخصه وفنه وتأثيره في الواقع الفلسطيني.

والعلي أشهر رسام كاريكاتير فلسطيني، وهو صاحب الطفل «حنظلة»، الذي أصبح فيما بعد رمزا للنكبة الفلسطينية. ومنذ كان عمر ناجي نحو 10 أعوام، عام 1948. أي عام النكبة، وهو يغادر قريته، توقف الزمن عند العلي، وأدار الطفل «حنظلة» ظهره للعالم.

كان حنظلة، ناجي الصغير الخارج من وطنه، وكان أيضا، ابن أفكار ناجي الذي اكتشفه لاحقا ورسمه، كان فلسطينيا، ثم صار كل الفلسطينيين، وحسب ناجي، صار لاحقا كل العرب.

خرج العلي من فلسطين إلى مخيم عين الحلوة في لبنان، ومن نكبة إلى نكبة، تنقل ناجي، وكانت هذه النكبات سر إبداعه فيما بعد.

وقال العلي: «كنت صبيا حين وصلنا زائغي الأعين، حفاة الأقدام، إلى عين الحلوة.. كنت صبيا ألتقط الحزن بعيون أهلي، وشعرت برغبة جارفة في أن أرسمه خطوطا عميقة على جدران المخيم.. حيثما وجدت مساحة شاغرة.. حفرا أو بالطباشير. وظللت أرسم على جدران المخيم ما بقي عالقا بذاكرتي عن الوطن، وما كنت أراه محبوسا في العيون».

أما عن «حنظلة»، فقال العلي: «كان لي أصدقاء تشاركت معهم العمل، تظاهرنا، سُجنّا، لكن عندما انتهوا إلى أن يتحولوا إلى (تنابل) وأصحاب مؤسسات وعقارات، خفت على نفسي من الاستهلاك. وفي الخليج أنجبت هذا الطفل وقدمته للناس، اسمه (حنظلة) وهو عاهد الجماهير على أن يحافظ على نفسه. رسمته طفلا غير جميل، شعره مثل شعر القنفذ، والقنفذ يستخدم أشواك شعره كسلاح. (حنظلة) لم أعمله طفلا سمينا مدللا مرتاحا، إنه حاف من حفاة المخيم، هو «أيقونة» تحميني من الشطط والخطأ. وعلى الرغم من أنه غير جميل، فإن خشونته الداخلية تحمل رائحة المسك والعنبر، ومن أجله سأقاتل قبيلة بأكملها عندما يُمس. إن يديه المعقودتين خلف ظهره، علامة من علامات الرفض في مرحلة تمر بها هذه المنطقة وتقدم لها الحلول على الطريقة الأميركية وعلى طريقة الأنظمة».

ولد حنظلة في العاشرة من عمره، وسيظل دائما في العاشرة، ففي تلك السن غادرت الوطن، وحين يعود (حنظلة) سيكون، بعد، في العاشرة، ثم يأخذ في الكبر بعد ذلك. قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه، إنه استثناء».

ويضيف العلي: «(حنظلة) هذا المخلوق الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت: إنني قد أستمر به بعد موتي. وربما لم يكن ناجي يعرف ذلك تماما؛ ففي نحو الساعة 5:13 من بعد ظهر الأربعاء 22/7/1987، وصل ناجي العلي إلى شارع (ايفز) وسط لندن في طريقه إلى العمل، قبل أن يقتله شاب يرتدي الجينز بكاتم الصوت الذي طالما كان يرفضه ويحرض ضد العلي، ويوم السبت 29/8/1987 وبعد 38 يوما من إصابة ناجي العلي برصاصة غادرة، توفي، وصدقت نبوءته، فرحل ناجي..وبقي (حنظلة)».