الهند: حواة الثعابين ونضال من أجل لقمة العيش

قبل صدور قوانين لحمايتها .. 10 ملايين ثعبان تقتل سنويا من أجل جلودها

من السهل أن تجد في الهند حاويا للثعابين في الأسواق أو الشوارع وليس فقط في الأماكن السياحية والمنتجعات (إ. ب. أ)
TT

رادهو سابيرا، حاوي الثعابين الذي يبدأ عرضه برفع غطاء سلة مليئة بالثعابين يحملها على كتفه، ومن ثم يبدأ في عزف بعض الأنغام على مزماره المصنوع من نبات اليقطين المجفف. وبينما يزداد الحشد الذي يجتمع حوله وأكثرهم من السياح الأجانب أو من أهل البلد أو الفضوليين، يرفع الغطاء وفي لحظات تخرج كوبرا خطيرة من السلة ترفع الجزء الأخير من جسمها الذي يبلغ طوله مترين عن الأرض، بينما تلوي عنقها بشكل رائع ممتزج مع بقع صفراء اللون. وتبدأ في التلوي جيئة وذهابا على وقع الأنغام التي يعزفها حاوي الثعابين كما يبدو. عندما تتسع دائرة الناس حوله، يحرك السلة بحيث تتمايل الثعابين التي ترقص على أنغامه. يجني أرياناث 2,5 دولار أميركي، وهو أكبر من الحد الأدنى للأجور في الولايات الهندية.

من السهل أن تجد في الهند حاويا للثعابين في الأسواق أو الشوارع سواء في الأماكن السياحية في العاصمة دلهي أو على الشواطئ في أحد المنتجعات السياحية أو خلال جولة في التلال الجميلة. سوف ترى هؤلاء الحواة وهم يرتدون عمامات ويحملون مزمارا من البامبو وسلة بها كوبرا.

طالما كان حواة الثعابين جزءا من الثقافات المتعددة التي تتسم بها شبه القارة الهندية.. كذلك كانت هناك معابد لعبادة الثعابين باعتبارها آلهة، ويحضر الناس الزهور وبعض أصناف الطعام مثل اللبن والعسل حتى اليوم للإله الثعبان.

كان أقدم حواة الثعابين يعملون كمعالجين. وفي إطار هذا العمل تعلموا كيفية علاج الناس من لدغة الثعابين. كذلك تعلم الكثير منهم كيفية التعامل مع الثعابين. وكان الناس يستدعونهم لتخليصهم من الثعابين التي توجد في منازلهم.

يمثل بداية القرن العشرين العصر الذهبي لحواة الثعابين، حيث دعمت الحكومات هذا العمل لتنشيط السياحة. وكان يتم إيفاد الكثير من الحواة إلى الخارج لعرض مهاراتهم في المهرجانات والحفلات الخاصة.. فضلا عن ذلك، كان الحواة موردين مهمين لسم الثعبان الذي يصنع منه مضاد الرعاف.

لكن الحاوي الآن رجل يناضل من أجل العيش في ظل قوانين حماية الحيوان الصارمة التي تجرم مهنته.. فقد صدر قانون حماية الحياة البرية عام 1972، ويستهدف القانون منع تصدير جلد الثعابين. وبموجب هذا القانون يعاقب من يمتلك أو يبيع الحيوانات بالسجن لمدة سبع سنوات. لكن في بداية التسعينات نجحت جمعيات حقوق الحيوان في إقناع الحكومة بتطبيق القانون على حواة الثعابين، مما أدى إلى اختفاء الحواة من المدن الكبرى، رغم وجود البعض في بعض الأماكن السياحية مثل نيودلهي وإن كانوا يخاطرون بالقبض عليهم وهم يتوسلون للسياح لالتقاط صور فوتوغرافية مقابل مبلغ زهيد من المال. يقول المدافعون عن حقوق الحيوان إنه قبل صدور القانون كان يقتل نحو 10 ملايين ثعبان سنويا من أجل الحصول على جلودها.

والجدير بالذكر أن هذه المهنة من المهن التي يتم توارثها، ففي عام 2007 جاء في أحد المقاطع المصورة رضيع يلعب مع كوبرا منزوعة الأنياب. من أسباب ذلك النظام الاجتماعي في الهند، حيث لا يوجد الكثير من الخيارات في الحياة أمام حواة الثعابين كأفراد في المجتمع. هناك مناطق بأكملها يقطنها حواة الثعابين وأسرهم في بعض أنحاء الهند والدول المجاورة.

يتعرف أطفال قبيلة «فادي» التي ينتمي إليها رادهو سابيرا بالثعابين وهم في الثانية من العمر. وعندما يبلغ كل أطفال القبيلة العاشرة من العمر يتم إخضاعهم إلى طقوس كاملة حتى يصبحوا حواة ثعابين عندما يكبرون. وتقتصر هذه المهنة على الرجال دون النساء، حيث يقتصر دورهن على العناية بالثعابين في غياب أزواجهن أو أشقائهن. يبدأ الطفل التدريب على المهنة منذ سن الثانية، حيث يتعلم الطرق القديمة التقليدية للتعامل مع الثعبان حتى يصبح مستعدا للقيام بدوره في القبيلة التي ربما يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام. لا تقيم قبيلة «الفادي» في مكان واحد لأكثر من ستة أشهر ولها علاقة سحرية أسطورية بالثعابين خاصة الكوبرا.

يقول أريانثا، شيخ القبيلة الذي يقدم عرضا في فندق «دلهي» في إطار برنامج تنشيط السياحة: «نعلم أطفالنا كيف يبعدون الثعبان عن بيئته الطبيعية لمدة سبعة أشهر على أقصى تقدير، فإذا زادت المدة عن ذلك سيضر بالثعبان خاصة بعد أن تربط علاقة من الود والألفة بين الثعبان والحاوي. كلاهما يضع حياته أمانة في يد الآخر».

تتغذى الكوبرا على الأعشاب التي تقضي على المفعول السام للثعبان. يقول أريانثا: «نحن لا ننزع أنياب الثعابين لقسوة الأمر. نحن لا نؤذيها لأنها مثل أطفالنا. طوال تلك السنوات التي قضيتها مع الثعابين منذ كنت طفلا صغيرا لم أسمع سوى عن لدغ الثعبان لشخص واحد، وذلك لأنه أبقى الثعبان معه لأكثر من سبعة أشهر».

يقول لالان ناث إن هذه هي المهنة الوحيدة التي يعرفونها، مشيرا إلى سفره إلى الخارج لعرض مهاراته في مهرجانات الحكومة الهندية. وقال إنه قدم أحد عروضه في نيويورك، مبينا صورة فوتوغرافية جماعية معلقة على الحائط.

يضيف ناث البالغ من العمر 52 عاما: «من المفارقة أن تظل الحكومة عازمة على أن تظهرنا كسفراء للثقافة الهندية في الخارج، بينما يحاولون القضاء علينا في الهند!». لقد تعامل ناث مع الثعابين السامة مثل الكوبرا والكريت، لكنه الآن يحمل أسطوانات الغاز، حيث يعمل مندوب توصيل أنابيب في شركة غاز. وبات الشيء الوحيد الذي يتعامل معه أسطوانات الغاز زرقاء اللون التي يوصلها بالموقد. كثيرا ما يتساءل إن كانت الأسطوانات ستتحرك وترقص على أنغامه! كثيرا ما ينظر إلى حواة الثعابين باعتبارهم معالجين وسحرة، خاصة في المناطق الريفية. ويعد هؤلاء الحواة ويبيعون كل أنواع الجرعات الدوائية والمراهم لشفاء كل الأمراض بدءا من نزلات البرد وصولا إلى إحياء الموتى. كذلك يعملون في مكافحة الآفات، حيث يستعين بهم سكان القرى والمدن ليخلصوهم من الثعابين التي توجد في منازلهم، رغم زعم البعض أنهم ينشرون ثعابينهم للحصول على أجر الإمساك بهم.

زرع عاملون في إدارة الغابات في دلهي مؤخرا رقاقات صغيرة داخل الثعابين التي يمتلكها الحواة في محاولة لتنظيم عمل الحواة الذين يفضلهم السياح منذ زمن طويل. ويوضح ديباك شوكلا، رئيس إدارة الغابات بدلهي، أن كل شريحة تحتوي على كود تعريفي مميز مما يتيح للمسؤولين معرفة ما إذا كانت الثعابين مسجلة من قبل أصحابها.

عرضت حكومة ولاية دلهي عام 2003 العفو عن حواة الثعابين، ومع ذلك لم يتقدم سوى عشرة لتسجيل الثعابين التي يمتلكونها والتي لا تتعدى الأربعين ثعبانا. رفض الكثير من الحواة فترة السماح وستتم معاقبتهم إذا تم القبض عليهم ومعهم ثعابين لا تحتوي على هذه الشرائح. كانت فكرة هذا البرنامج منع حواة الثعابين من اصطياد ثعابين جديدة على نحو عشوائي.

رغم أن هذا الإجراء يمثل خسارة لهذا التقليد، لا تزال الحكومة الهندية تحاول إعادة تأهيل حواة الثعابين في بعض القرى والسماح لهم بتقديم عروضهم في المناسبات. لا تعرف أجيال عديدة من حواة الثعابين سوى هذه المهنة، ولن يتخلوا عنها بسهولة.