التقدم في العمر.. هل هو تعريف طبي أم مجرد مسميات اجتماعية؟

دراسة بريطانية: البريطانيون يرون أنهم يكبرون قبل 9 سنوات من غيرهم من الأوروبيين

يطالب وزير سن التقاعد ستيف ويب بأن يعاد تعريف التقدم في العمر عند البريطاني ولا يحدد بسن 59 لأن هناك 11 مليون بريطاني سيعيشون إلى سن الـ100 عام
TT

الشيخوخة والشبابية ليستا من المفاهيم التي لا تلاقي إجماعا بين الناس في الثقافات أو البلدان المختلفة على الرغم من الجانب العلمي أو الطبي الواضح في تعريفهما، إذ إن التدرج في العمر ينقل الشخص من مرحلة إلى أخرى في ترتيب تصاعدي، يصاحبه تقدم في العمر مع التغيير في التركيبة الجسمانية وما يصاحب ذلك من أمراض وتباطؤ في النشاط والقدرات، وهذا يلعب دورا مهما في هذا التعريف.

إلا أن هناك عوامل اجتماعية وقانونية مختلفة تلعب هي الأخرى في تحديد مفاهيمنا للشيخوخة والشبابية، وهذه ليست مجرد مفاهيم اعتباطية أو غرور، لقد أصبحت مؤخرا لها انعكاسات اقتصادية خصوصا على المجتمعات الغربية التي تعاني من مشكلة التقدم في العمر، والتي تتطلب استيراد الأيدي العاملة من الخارج وبالتالي التغيير في تركيبتها الديموغرافية.

هذه الاختلافات في تعريف وتحديد الشيخوخة أو الشبابية أصبحت معالمها متباينة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (28 دولة). وترى بريطانيا أن الثقافة السائدة فيها تهيمن عليها تعريفات سلبية جدا بخصوص الموضوع، ويرى البريطانيون أن الشخص يصبح متقدما في السن مع بلوغه سن الـ59، بناء على بحث جديد قامت به إحدى الجامعات البريطانية، وهو عمر أقل بتسع سنوات عن غيره من الدول الأوروبية الأخرى، التي ترى أن التعريف ينطبق على الشخص الذي يقارب عمره 70 عاما تقريبا.

واعتبر ستيف ويب، وزير سن التقاعد في الحكومة الائتلافية الحالية، أن هذه الثقافة السائدة السلبية التي تعتبر الشخص الذي يصل إلى سن الـ59 متقدما في عمره يجب أن تتغير.

الحكومة الائتلافية الحالية، التي تجمع حزبين بآيديولوجيات مختلفة، جاءت قبل سنة إلى الحكم على خلفية الأزمة المالية التي تأثرت بها اقتصاديات العالم، خصوصا العالم الغربي، أوروبا والولايات المتحدة، تحاول جادة أن تجد حلا للمشكلات الاقتصادية التي ورثتها عن حزب العمال. وتحاول من أجل ذلك رفع سن التقاعد إلى ما فوق 65، وبذلك رفع الإنتاجية والنمو الاقتصادي.

وفي خطابه الذي ألقاه أمس في لندن يطالب الوزير ويب بأن تتغير المواقف والسلوكيات ليس فقط اتجاه مفهوم الشيخوخة، وإنما أيضا اتجاه مفهوم وتعريف الشبابية. كما أن الوزير يتحدى في كلمته التي ألقاها في مناسبة الدراسة التي قامت بها جامعة كنت في جنوب شرقي إنجلترا بتكليف من وزارة العمل، العوامل الطبية اللازمة في تحديد الفئات العمرية المختلفة.

ويقول إن التقدم في الطب وإيجاد العلاج اللازم للكثير من الأمراض أطال في عمر الإنسان، وأطال من معدل عمر الشخص، مضيفا أن هناك 11 مليون شخص على قيد الحياة الآن في بريطانيا قد يعيشون 100 عام، حسب التقديرات الطبية، ولهذا يجب أن يكون هناك تعريفات جديدة للشيخوخة والشبابية.

وقال الوزير ويب في كلمته في المعهد الفكري «تشاتم هاوس» إنه يجب أن يكون هناك ثقافة جديدة في بريطانيا تتقبل أن الناس عليهم أن يزاولوا نشاطهم العملي والحياتي لفترة أطول. «الفكرة أن سن الـ59 هو سن الشيخوخة يجب أن تصبح ثقافة الماضي لا المستقبل. يجب أن نتحدى الإدراك السائد بخصوص التقدم في العمر». وقال الوزير في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام البريطانية: «أن يجلس الناس مرتاحين في بيوتهم وفي أماكن تقاعدهم معتبرين أنهم تقدموا بالسن، يجب أن ينظر إلى ذلك بأنه شيء من الماضي، وبدلا من ذلك علينا أن ننظر إلى المستقبل بأن له خيارات وفرصا جديدة».

وجاءت الدراسة التي قام بها فريق من جامعة كنت تحت اسم «توجهات وتوقعات في أوروبا»، لتبين أن البريطانيين يرون أن «التقدم في السن» يصل إلى الشواطئ البريطانية قبل غيرها في الاتحاد الأوروبي بمقدار 10 سنوات تقريبا. وفي المقابل يرى اليونانيون أن التعريف ينطبق على الشخص الذي يصل إلى سن 68.

الغريب في الأمر أنه على الرغم من التفاوت بين الثقافتين في تعريف من هو متقدم في العمر ومن هو ما زال يانعا في العمر وقادرا على العمل، فإن الناس في بعض الدول الأوروبية الجنوبية مثل إسبانيا واليونان والبرتغال وفرنسا يطالبون في التقاعد في سن مبكرة حتى يكون هناك متسع من الوقت للناس للتمتع بعمرهم لأطول فترة ممكنة.

هذه التعريفات والتوجهات عكست نفسها على المفاوضات بين الدول الأوروبية المختلفة، خصوصا بين الدول الشمالية الأكثر ثراء وبين الدول الجنوبية الأقل ثراء، والتي في حاجة للمساعدة مالية وإعادة جدولة ديونها. سن التقاعد أدت إلى اشتباكات ومظاهرات في فرنسا، وكانت حجر عثرة في المفاوضات بين صندوق النقد الدولي وألمانيا صاحبة الاقتصاد القوي بخصوص ديون اليونان. وتطالب ألمانيا بأن تفرض الحكومة اليونانية حزمة من التغييرات الاقتصادية بما في ذلك رفع سن التقاعد.

الدراسة بينت أن تعريف التقدم في العمر في الدنمارك مثلا يحدد بـ64 عاما، و63 في فرنسا. وفقط في تركيا، التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، يرى الناس أن من ينطبق عليه مفهوم التقدم في العمر هو من يصل إلى سن الـ55.

كما أن الناس في بريطانيا لا يطلقون على شخص أنه في سن الشباب عندما يتعدى سن الـ35، أما بالنسبة للألماني فإنه لا يصبح شابا بعد أن يتعدى سن الـ43، أما في قبرص فحتى يتخطى سن 51.

وتطالب الحكومة الائتلافية في ضوء التوقعات بالعمر المديد للأشخاص بأن تجري تغييرات على قوانين العمل والتقاعد وجعله أقصر، وأن تضاف بعض السنين إلى الحياة العملية للشخص، حتى يستمر في دفع الضرائب لخزينة الدولة ويقل اعتماده عليها. ويطالب الوزير ويب، الذي ينتمي إلى حزب الديمقراطيين الأحرار في الائتلاف الحاكم وعمره 45 عاما، بأن ترتفع سن التقاعد إلى 66 عاما مع حلول 2020. كما يتوقع أن ترتفع أيضا لتصل إلى 60 عاما مع وسط القرن الواحد والعشرين.

وقال في كلمته التي وزعت على وسائل الإعلام قبل إلقائها أمس «سوف نعمل ما بوسعنا من أجل أن نعالج مشكلة التقدم في السن، وسوف نعمل من أجل إيجاد حلول للواقع الجديد، ونشجع الناس على الادخار لأنهم سيعيشون أطول من قبل، ونتأكد أن يكون هناك راتب تقاعدي من الدولة يتناسب مع المعطيات الجديدة والتغييرات الذي يشهدها العالم».

ويقول تقرير آخر نشرت نتائجه أمس إن 60 في المائة من البريطانيين من الذين تتخطى أعمارهم سن الـ50 يعتقدون أن جودة حياتهم تدهورت خلال العام الماضي.

وقالت مؤسسة «ساغا» التي تعني بأمور الشيخوخة إن ملايين من المتقدمين في السن يرون أن حياتهم شلت بسبب التضخم في مستوى المعيشة وأسعار البنزين وزيادة الضرائب وتدهور الرواتب والأجور. واستخدمت «ساغا» 12 ألف عينة في تقريرها ممن فوق سن الخمسين. وقال الدكتور روس التمان، مدير «ساغا» إن مستوى المعيشة لدى هؤلاء تدهور كثيرا في السنوات الأخيرة القليلة.

وقال في تصريحات للوسائل الإعلام: «الأعباء المالية لمن فوق سن الـ50 تدهورت مع ارتفاع تكاليف الحياة.. إننا نرى الآن كيف يحاول هؤلاء تقليل مصاريفهم رغم الإمكانيات المحدودة، لهذا هناك تداعيات خطيرة على اقتصاد البلد بشكل عام».

وخلال العام الماضي قال 61 في المائة من العينات إنهم تخلوا عن شراء الأشياء غير الضرورية، والتقشف هذا تضمن عدم استخدام السيارة وشراء الملابس إلا في الحالات الضرورية وكذلك تناول الطعام خارج البيت.