مهرجان كان السينمائي الدولي - 8: لا للتواضع

جوني ديب مع المخرج روب مارشال خلال تصوير «قراصنة الكاريبي»
TT

تنشر المجلات اليومية هنا عشرات الإعلانات السينمائية كل يوم، خصوصا في أيام الأسبوع الأول، أي من قبل أن تفتر السوق ويبدأ الموزعون والمنتجون في شراء صفحات إعلان جديدة.

ولا يحتاج الأمر إلى كثير من المراجعة قبل أن يلفت الاهتمام أن التواضع ذهب ولم يعد. صحيح أن ذهابه هذا ليس من فعل هذا العام وحده، لكنه بات أكثر وضوحا هذا العام مما كان عليه في الأعوام الماضية.

أتحدث عن تلك الإعلانات التي يعلوها اسم المخرج مثل «الأسياد: إخراج أوليفر داهان» أو «آفي.. فيلم لكونستانتين بوغانوف» أو «أوفيرادو غوت: (أيام النعم)»، وهذا الأخير علا اسم المخرج اسم الفيلم. ولو استمررت لاحتلت النماذج نصف هذه الصفحة.

الغاية من تسجيل هذه الملاحظة أننا نعيش اليوم وضعا يحاول كل منا فيه أن يطير قبل أن يمشي. في الأيام الحميدة التي - للأسف - لن تعود، كان اسم المخرج يأتي في مقامه الصحيح ظهورا. عنوان الفيلم أولا، ثم قائمة من الممثلين والفنيين، وبعد ذلك المنتج، وبعده المخرج.. هذا غالبا.. أما في الحالات الاستثنائية فكان اسم المخرج يلي مباشرة العنوان أو يسبقه أو يحاذيه إذا ما كان المخرج نجما فنيا مرموقا مثل جان لوك غودار أو فيدريكو فيلليني أو ديفيد لينش.

الآن كلهم، ما شاء الله، صاروا مرموقين، ليس لأنهم عملوا طويلا في السينما وقدموا أعمالا كبيرة ونالوا جوائز أكبر، بل نسبة لحالة تمزج بين حب الذات وحب الاستعراض والرغبة في الشهرة التي ليس من الضروري انتظار حدوثها في تطور طبيعي بل يجب - حسب ذلك المفهوم - فرضها.

فباستثناء أوليفييه داهان، الذي أنجز بضعة أفلام من قبل ليس منها ما كان عملا خالدا على أي صعيد، لم يسمع أحد ببوغانوف أو غوت أو بكثيرين سواهما. «فيلم من إخراج.....» تفقد معناها المقصود، وهو تقديم إعلان يفخر بمن يضمه مخرجا، مع تكرار ظهوره مقرونا بأسماء غير معروفة: ناتاليا ألمادا، ماركو ماك، كامن كاليف، آلان براون، بارتوش كونوبكا وسواهم.

ليس هناك من فيلم واحد لأي من هؤلاء سيُباع بناء على اسم مخرجه. الشاري، للأفلام الجماهيرية، سيشتري الفيلم الذي يعجبه بناء على تأمينه الغاية التي تبناها العمل: الضحك في الفيلم الكوميدي، النحيب في الفيلم التراجيدي، التشويق في فيلم الأكشن، إلخ.. ولن يهمه اسم المخرج حتى ولو جلس معه في المقهى القريب لساعتين.

لا يبقى من كل الغايات والدوافع التي كان يمكن أن تبرر هذه الظاهرة سوى الرغبة في الظهور وعدم التواضع.

جوني ديب: أعرف عن الحياة بعد فيلمي هذا أكثر مما كنت أعرف

* خلال تصوير الجزء الثالث من «قراصنة الكاريبي» قبل ثلاثة أعوام، تناهى إلى صحافة الإنترنت أن جوني ديب شكا من أنه لم يكن يعرف - في بعض الأحيان - ما الذي كان يدور من مشاهد. المسألة، قيل، كانت أن العمل على الفيلم كان متبعثر الاهتمام ومن دون تركيز وضائع الاتجاه، تماما مثل ما شاهدنا الفيلم عليه حين تم عرضه في ما بعد. جوني ديب نفسه صرح بأنه لم يكن يعرف أحيانا المشهد الذي كان يصوره وعلاقته العضوية بالفيلم.

هذا كله اختفى، أو كاد، بعدما تم جلب مخرج جديد، وأكثر موهبة من المخرج السابق غور فيربينسكي، هو روب مارشال الذي سبق له أن قدم «شيكاغو» و«تسعة»، وهما فيلمان موسيقيان يعكسان جهدا حميدا، و«مفكرة الغيشا»، دراما مزدانة أيضا بالثقافة والفن الشرقيين.

النقلة هنا تسببت - وقد تم عرض الفيلم رسميا خارج المسابقة – في إنعاش وتنشيط خلايا دم هذا الفيلم. يمكن ملاحظة أن الهوس بالحركة والمغامرة لا يزال موجودا، إنما مع تجديد في الشكل والأسلوب. أمر لا يبدو أن ممثل الفيلم الأول يمانعه كما يكشف حين يقول «أعتقد أن الوقت كان قد حان لإجراء مثل هذا التبديل وراء الكاميرا. المخرج السابق يحتفظ لنفسه بحبنا جميعا لإنجاح هذه السلسلة على النحو الكبير الذي حققته، لكن الوقت حان لهذا التغيير الذي حصل».

* ماذا عن التغيير الذي شهده هذا الجزء الرابع عبر تغييب كيرا نايتلي وأورلاندو بلوم؟

- لم يتم تغييب أحد. إذا كنت تذكر ما حدث فإن كلا من أورلاندو وكيرا أعلن رغبته في ترك المسلسل، وفعل ذلك برغبته. لكن السفينة كان لا بد لها أن تمضي.

* حين قررا ترك المسلسل قالا إنهما يتطلعان إلى التجديد.. والبعض انتظر أن تلحق بقرارهما ذاك..

- لم تكن لدي الدوافع ذاتها. أنا مستمتع بلعب شخصية القرصان جاك سبارو. فهي تعطيني الفرصة لكي أقدم شخصية غير مطروقة اليوم. كل ما كنت أريد تأمينه هو أن وجود قصة جديدة لا يجعلها الاستمرار نفسه لما سبقها. شعرت بأن هذا الاستمرار لن يكون في مصلحة المسلسل، وسعدت بأن هذا هو رأي الكثيرين فيه.

* بذهابهما وعدم مواصلة الشخصيتين بممثلين آخرين أصبحت وحيدا في البطولة.. هل توافق؟

- ليس تماما. هناك شخصيات جديدة بارزة كتلك التي تمثلها بينلوبي كروز مثلا أو ايان مكشاين. لكن إذا كنت تشير إلى أن هناك فراغا حدث في الفيلم بعد ذهابهما، فإن هذا الشعور ربما ناتج عن ترسيخ حضورهما في الأجزاء السابقة أكثر منه بسبب غيابهما في هذا الجزء الرابع. لقد كنت سعيدا بالعمل معهما طوال هذه المدة.

* حين التقيتك قبل بضعة أشهر وتحدثنا عن «السائح» سألتك عن أحد مشاريعك المقبلة وهو «لون رانغر».. أين أصبح الآن؟

- إنه أحد المشاريع التي ستخرج قريبا. أعتقد أنني ذكرت لك حماسي الكبير بالنسبة لهذا العمل.

* نعم، لكني لاحظت بعد ذلك أن تصويره لن يبدأ قبل عامين من الآن. هل هذا بسبب مشاغلك أم لأنك تنتظر سيناريو نهائيا؟

- كلاهما صحيح. مشغول وأنتظر السيناريو النهائي. لقد تمت كتابة ملخصات مقبولة استعرضتها مع المخرج فيربينسكي وتتم الآن كتابة السيناريو. لكن مشاغلي ليست وحدها التي تجعل التصوير متأخرا على هذا الفيلم، هناك الترتيبات والاستعدادات جميعا. حياة الفيلم هذه الأيام تستغرق سنوات كثيرة قبل التصوير. ربما ليس كل فيلم، لكن هناك أفلاما مكلفة وعليها أن تراعي العناصر الإنتاجية التي تجعلها مطلوبة بين المشاهدين.

* لديك عدة أفلام جديدة: «ظلال داكنة» للمخرج تيم بيرتون، «21 جمب ستريت» مع شانينغ تاتوم، «المفكرة الهاربة».. كيف تجد الوقت لكل ذلك؟

- هذا لم يعد أمرا جديدا بل أقوم به على نحو تلقائي. لكني أؤكد لك أنني لا أمثل فيلمين في وقت واحد. ما أقوم به هو أنني أطلع على المشروع المقبل حتى ولو كنت في تصوير المشروع الحالي. ثم أطلب أن يكون وقت التصوير بفاصل لا يقل عن أسبوعين أو شهر في بعض الأحيان. لكل فيلم بعد ذلك حياته المختلفة. بعضها يتم إنجازه في فترة زمنية أقل من بعضها الآخر.

* في «المفكرة الهاربة» و«21 جمب ستريت» سنشاهدك في دورين عصريين.. أنت صحافي في الأول ومحقق في الثاني..

- أريد تمثيل المزيد من هذه الأدوار التي تظهرني على حقيقتي من دون «ميك أب» أو تغيير شكل أو مؤثرات كبيرة.. لكني أمضي حيثما تشاء المشاريع التي أوافق عليها أن تذهب بي.

غياب للسينما الفلسطينية هذا العام

* على غير عادتها، غابت السينما الفلسطينية عن الحضور سينمائيا على أي من شاشات «كان» هذا العام. وعلى ذلك، فإن ما سجلته خلال سنوات التسعينات والعقد الأول من القرن الحالي كان ملحوظا وجديدا على أكثر من وجه، كما استقبل جيدا. قبل ذلك، لم تكن السينما الفلسطينية والسينما الفلسطينية المنتجة بتمويل تشترك فيه الدولة الإسرائيلية معروفة لدى أحد.

ففي الستينات والسبعينات، كانت الأفلام الفلسطينية المصنوعة تنتج في كل مكان ما عدا فلسطين نفسها. السينمائيون كانوا من مهاجري الأجيال السابقة أو من أبنائهم. مجموعة آلت على نفسها تحويل الكاميرا إلى سلاح «يطلق 24 صورة في الثانية» كما حلا للبعض القول. لكن الغضب الكامن في صدور هؤلاء، نتيجة الحرمان ونتيجة أوضاعهم داخل المخيمات، كما نتيجة اعتداءات إسرائيلية عليهم، دفعهم لتحقيق أفلام خطابية لإثارة الحماس العاطفي الذي لم يأت بنتيجة.

كثير من هذه الأفلام كانت وثائقية تسعى لتعريف العالم بنتائج الغارات الإسرائيلية، لكنها كانت من المباشرة في التعبير والضعف في التنفيذ بحيث لم تستطع تحقيق غاياتها حتى على الصعيد العربي، فما البال على صعيد دولي من خلال المهرجانات التي اشتركت بها؟

هذا الوضع تغير تماما بعد حين. لقد اكتشف السينمائيون الفلسطينيون أنه بالإمكان الحديث عما يريدون وتضمين الأفلام الرسالات الانتقادية التي يبحثون عنها، من خلال أفلام ذات مستوى فني جيد وبعيد عن الصراخ والهتافات وتصوير جثث القتلى والجرحى لتأثير لا يرتفع عن التعاطف العام. وهذا الإدراك صاحبه تقدم في الوضع السياسي، بحيث بات لفلسطين كيان على الرغم من أن السلام نفسه لا يزال وشيكا، لكنه غير محقق منذ عقد أو عقدين حتى الآن.

قائمة بالأفلام الفلسطينية التي اشتركت رسميا في مهرجان كان 1981: «الذاكرة الخصبة» - ميشيل خليفي (أسبوع النقاد) 1987: «عرس الجليل» - ميشيل خليفي (نصف شهر المخرجين) 1990: «نشيد الحجر» - ميشيل خليفي (نظرة خاصة) 1994: «حتى إشعار آخر» - رشيد مشهراوي (أسبوع النقاد) 1995: «حكاية الجواهر الثلاث» - ميشيل خليفي (نصف شهر المخرجين) 1996: «حيفا» - رشيد مشهراوي (نظرة خاصة) 2001: «سايبر بالاستاين» - إيليا سليمان (نصف شهر المخرجين) 2002: «يد إلهية» - إيليا سليمان (المسابقة) 2002: «عرس رنا» - هاني أبو أسعد (أسبوع النقاد) 2003: «كعشرين مستحيلا» - ماري آن جاسر (سينيفونداسيون) 2004: «عطش» - توفيق أبو وائل (أسبوع النقاد) 2008: «ملح هذا البحر» - آن ماري جاسر (نظرة خاصة) 2009: «الوقت الذي يبقى» - إيليا سليمان (المسابقة) أخبار «كان»

* عرض المخرج اللبناني سليم الترك أول عمل روائي له وعنوانه «القصة الحقيقية لهوية مزورة»، والمثير فيه هو التالي: هذا أول فيلم عربي بالأبعاد الثلاثة. لكن هذه الأسبقية ليست الوحيدة: هذا أول فيلم ذي نص تجريبي وأسلوب فني يتم تصويره بنظام الأبعاد الثلاثة في العالم وذلك إذا استثنينا فيلم المخرج الألماني فيم فندرز «دونا» كونه حاك قصة حياة معتمدا على قدر كبير من إعادة التسجيل، وفيلم مواطنه فرنر هرتزوغ الوثائقي بالكامل «كهوف أحلامنا المنسية» عن كهوف تحوي رسومات من العصر الحجري كان تم اكتشافها قبل بضع سنين. ومن السهل استثناء هذين الفيلمين كون فيلم الترك هو دراما خيالية بكامله تتحدث بأسلوب بصري نافذ عن حياة امرأة تعرض قصة حياتها مباشرة إلى الكاميرا، بينما تتولى الخلفية شرح التفاصيل المذهلة التي أودعها المخرج في النص.

* عرض الممثل المصري العالمي عمر واكد نحو أربع دقائق «برومو» من فيلم «ما بعد الثورة»، الذي يقوم المخرج إبراهيم البطوط بتصويره حاليا. الدقائق المذكورة تظهر فريقا من الرجال المقبوض عليهم يساقون صوب قاعة انتشرت فوقها المكاتب، حيث يتم إجلاس كل منهم على كرسي في مواجهة المحقق المختار للغاية. وتقوم الكاميرا باستعراض نماذج من الأسئلة والتحقيق مع ملاحظة أن بعضهم مصاب برضوض أو جروح في الوجه. هذا مع أن أحدهم لا يزال يحمل صندوق بيتزا تحت إبطه، مؤكدا أنه لم يكن مشتركا في المظاهرة بل ألقي القبض عليه في جملة من تم القبض عليهم، خاشيا من أن تكون البيتزا قد بردت.

لكن الضحكة تختفي سريعا في غمار جدية الطرح. ويقول عمر واكد الذي يشارك في التمثيل والإنتاج «ما قمنا به هو صرف أموالنا الخاصة بغية تحقيق هذا الفيلم، بعدما تقدم المخرج لي بالمشروع، وبل بدأنا التصوير».

* قرر الأردن الدخول في ميدان تشجيع المواهب السينمائية الشابة كما أعلن في مؤتمر صحافي أقامه مكتب «الهيئة الملكية للأفلام» في مهرجان «كان»، وجاء في سياق هذا الإعلان أن الوقت حان لتقديم منح، ولو كانت محدودة، للسينمائيين الأردنيين وأولئك الراغبين في التصوير في الأردن. ولم يستبعد القائمون على المكتب، وبينهم ندى دوماني وجورج داوود، أن يتم التعاون بينه وبين المؤسسات العربية الأخرى الداعمة في قطر أو الإمارات.

* ألا يحق للمخرج أن يرفض الحديث للصحافة إذا ما أراد؟ هذا هو السؤال الذي لم يتبنه أحد حيال موضوع غياب المخرج ترنس مالك عن حضور المؤتمر الصحافي الذي أقيم له، أو حيال قيامه بإجراء أي مقابلات فردية. هذا على الرغم من أنه كان موجودا في مهرجان «كان» حتى قبل يومين من عرض الفيلم. الإعلام هاجم قرار المخرج بعدم الظهور، مما ترك أثرا إعلاميا بليغا على الفيلم.