شائعات في باريس تهمس إلى دور «سي آي إيه» في اغتيال الرئيس الأميركي أثناء الزيارة

في الذكرى الخمسين لزيارة جون كيندي لها

جاكي التي قال زوجها إنه الرجل الذي جاء لمرافقتها في الرحلة
TT

تمر السنوات كطرفة العين، وها هو نصف قرن قد مر على الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الأميركي الأسبق جون كيندي إلى فرنسا في الحادي والثلاثين من مايو (أيار) 1961. وإذ يحتفل الباريسيون اليوم بالذكرى الخمسين لتلك الزيارة، فذلك لأنها كانت حدثا شعبيا كبيرا، بسبب مشاركة سيدة أميركا الأولى، آنذاك، جاكلين كيندي، فيها، ووقوفها بكل أناقتها أمام القامة المديدة للرئيس الفرنسي، الجنرال شارل ديغول.

يعرف الفرنسيون أن جاكي، الصحافية التي ذهبت لإجراء مقابلة مع كيندي فخطفها السيناتور الشاب من الصحافة إلى بيت الزوجية، فرنسية الأصل وأن اسمها قبل الزواج كان جاكلين بوفيه. وهي قد أدخلت الذوق الباريسي الرفيع إلى البيت الأبيض الأميركي، وبلغت من الشهرة ما جعلها تتفوق في شعبيتها على زوجها. لذلك، ما زالت عبارة الرئيس كيندي محفوظة في الذاكرة الشعبية، يوم قدم نفسه لوسائل الإعلام في فرنسا قائلا «أنا الرجل الذي جاء يرافق جاكي في رحلتها إلى باريس».

ما زال في الذاكرة، أيضا، ذلك الموكب الرئاسي الذي قطع جادة «الشانزليزيه» بسيارة مكشوفة وقف فيها ديغول وضيفه يردان تحية الحشود التي اصطفت على الجانبين. ولم يكن الباريسيون في حاجة لمن يحرضهم على الخروج إلى الشارع، كما يحدث في دول العالم الثالث حين تفرض السلطات على الموظفين وتلاميذ المدارس الوقوف في الشمس، لساعات طوال، تحية لهذا الضيف أو ذاك. لقد سبقت شهرة جاكي وصورها وفساتينها وتسريحتها وصولها إليهم في تلك الزيارة الرسمية فخرجوا لكي يروها رؤية العين. لقد كان هناك، على طريق المطار 150 ألف شخص ينتظرون أن تحط الطائرة التي تحمل علامة «إير فورس 1». وبمجرد ظهور الأميركية الأولى على سلم الطائرة مرتدية بدلة كحلية من الحرير وقبعة صغيرة سوداء، حتى تدافع المصورون وحدثت جلبة وفوضى. وفي الطريق، عندما ظهرت السيارة الثانية التي تقل مدام ديغول وضيفتها الأميركية، تعالت الهتافات «تعيش جاكي». ولم يغضب زوجها، ولا الجنرال العجوز، من استئثارها بالاهتمام، بل قال ديغول، بعد أن حادثته بلغتها الفرنسية الطليقة، إنه وجدها «لامعة ومثقفة».

في الأيام التالية، كان المئات يتبعون بدراجاتهم النارية موكب الضيفة الحسناء وهم يلوحون بأعلام أميركية وفرنسية صغيرة. كما استنفرت المجلات مصوريها للفوز بصور جاكلين كيندي، وهي تلبي مع زوجها حفلة العشاء الرسمية في قصر «الإليزيه»، لكي يركزوا على فستان السهرة الذي سترتديه. وقد جلست الضيفة بجوار ديغول وتبادلت معه الحديث حول الملك لويس السادس عشر، وسلالة بوربون، وجغرافية فرنسا. ولم يتمالك الجنرال نفسه فالتفت نحو الرئيس كيندي وقال له «إن زوجتك تعرف تاريخ بلدنا أكثر من أي سيدة فرنسية». ولم يرفع ديغول عينيه عن جاكي طيلة العشاء.

اليوم التالي من الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام كان مخصصا لزيارة قصر «فيرساي». وقد أرادت جاكي أن تبدو في أبهى طلعة وهي تتجول في قاعة المرايا. لكن ذلك لم يتحقق لها لأنها عانت من داء الشقيقة ونوبات الاكتئاب التي كانت تهاجمها منذ أن اضطرت لإجهاض جنينها، قبل ذلك التاريخ بستة أشهر. كما أن زوجها الرئيس كيندي لم يكن في تمام صحته. لقد عاودته آلام الظهر التي كان قد حسب حسابها فجاء معه بالدكتور ماكس جاكوبسون، وهو معالج معروف في نيويورك كان يحقنه بحقنة سحرية مضادة للألم، عند الحاجة.

رغم كل شيء، ارتدت جاكي كيندي فستانا من تصميم جيفنشي في حفل العشاء الراقص في قاعة المرايا، وكان جاكوبسون، قبل الحفل، قد مر على كيندي في الغرفة الفخمة التي خصصت للضيف في القصر التاريخي لوزارة الخارجية الفرنسية والمؤثثة بأثاث يعود إلى القرن التاسع عشر. وبعد تدليك بمرهم خاص، حقنه بالحقنة المخففة للألم قبل أن يأخذ طريقه إلى الغرفة المخصصة لجاكي. وروى الطبيب، فيما بعد، أنه وجد السيدة الأولى تجلس أمام مرآة طاولة الزينة ومعها مصفف الشعر الفرنسي الشهير ألكسندر وعدد من مساعديه. أما على السرير فقد كان هناك فستانان للسهرة، الأول من تصميم الأميركي أوليغ كاسيني والثاني من تصميم الفرنسي هوبير جيفنشي. لقد كانت تريد ارتداء ثياب من تصميم خياطي بلدها لكنها لم تكن واثقة من قرار اللحظة الأخيرة. غادر مصفف الشعر وفريقه الغرفة بعد انتهاء مهمته وترك المكان للمعالج لكي يقدم لها حقنته السحرية التي كانت خليطا من المنشطات والفيتامينات والمهدئات، فطردت ألمها الطارئ وجعلتها جاهزة لسهرة «فيرساي». بعدها ألقت نظرة على الفستانين الراقدين على سريرها وامتدت يدها إلى ذاك الذي صممه الفرنسي. وغني عن القول إنها كانت ملكة الحفل.

ماذا حدث لتلك السيارة الرئاسية المكشوفة المخصصة للجنرال ديغول، من نوع «سيمكا»، التي قطعت به «الشانزليزيه» مع ضيفه الرئيس الأميركي قبل 50 عاما؟ لقد بيعت، قبل أشهر، في مزاد علني في باريس وحققت مبلغا قياسيا وصل إلى 118 ألف يورو. أما صاحب السيارة، فقد خرج من الحكم، بقرار منه، بعد استفتاء شهير على سياسته، ثم انعزل في قريته لكي يموت، بهدوء، عام 1970. وكان جون كيندي قد سبقه في الرحيل، عام 1963 برصاص قناص في دالاس وهو في السادسة والأربعين من العمر. وتزوجت جاكلين كيندي، من بعده، بالثري اليوناني أرسطو أوناسيس قبل أن تفارق الحياة، متأثرة بالمرض الخبيث، عام 1994.

مضى الشخوص وبقيت الحكايات. ومنها ما رواه الكاتب كاميل جيل في تحقيق صحافي جاء فيه أنه قابل بالمصادفة شخصا في أحد مطاعم باريس، عام 1972، وقال له ذلك الشخص إنه يعرف شخصا ثانيا حصل على مبلغ 400 ألف دولار من عملاء مفترضين لوكالة الاستخبارات الأميركية، مقابل أن يغتال الرئيس جون كيندي أثناء زيارته للعاصمة الفرنسية.