أوتسوتشي.. مدينة يابانية تصارع من أجل البقاء

كان يقطنها 15239 شخصا قبل أن تتعرض للزلزال والتسونامي

لا تزال عملية استئناف الاقتصاد المحلي بعيدة المنال وقد تأخرت محافظة إيواته الساحلية طويلا عن بقية اليابان («نيويورك تايمز»)
TT

دب الصدأ في السيارات المتهالكة وتحول الرماد والطين، نتيجة للأمطار في فصل الربيع وارتفاع درجات الحرارة، إلى لوحات ترابية صلبة تشبه الدروع. وعلى الرغم من هذا لا يزال ساتوشي واتانابي يأتي كل يوم بين الأنقاض المتفحمة التي كانت تشكل منزله ذات يوم، ليبحث عن رفات ابنته الرضيعة التي كانت تبلغ من العمر شهرين وجرفها زلزال تسونامي، الذي دمر كثيرا من هذه البلدة التي اشتهرت بصيد الأسماك، وقتلت زوجته ووالدته واثنتين من بناته الصغار.

ويقول واتانابي إنه سيغادر هذه المدينة والذكريات المؤلمة إلى الأبد بمجرد أن يجد رفات ابنته.

وقال واتانابي (42 عاما) الذي تحدث في جمل قصيرة تتخللها تنهدات طويلة: «لا أحد يريد أن يبني منزلا هنا مرة أخرى. هذا المكان مخيف جدا».

بعد شهرين من وقوع كارثة تسونامي، لا تزال المجتمعات الساحلية التي تم تدميرها مثل هذه البلدة غير قادرة على استعادة عافيتها، وربما تختفي في نهاية المطاف بعد أن هجرها الكثير ممن هم في سن العمل.

قام الكثير من السكان بالفعل بمغادرة البلدة لأنهم ليس لديهم ما يخسرونه، فهم لا يملكون وظيفة أو منزلا، ويشعرون بالخوف من حدوث موجات تسونامي أخرى. ويخشى مسؤولو المدينة الآن من فقدان الجزء الأكبر من الأسر في سن العمل، وأن يتركوا هذه البلدة للعجائز الذين قد يفتقرون إلى الطاقة أو الحافز لإعادة إعمار المدينة على المدى الطويل.

وهذه تشكل عقبة أخرى، حيث يقول الخبراء إن الأمر سوف يستغرق سنوات حتى تتم إعادة إعمار المدينة بشكل كامل ويعود معدل الوظائف إلى ما كان عليه قبل الكارثة، وهذا سبب آخر وراء قلق الكثير من الخبراء وسكان المدينة حول فرار السكان ممن هم في سن العمل.

وقال سيتشي موري، وهو عالم أحياء في جامعة جيفو كيزاي ويساعد في وضع خطط إعادة الإعمار: «يجب أن تتحرك أوتسوتشي بسرعة حتى تستطيع البقاء على قيد الحياة».

وكإجراء مؤقت، أعلنت أوتسوتشي في أواخر أبريل (نيسان) أنها تعتزم توظيف 270 فردا من سكان المدينة لإزالة الحطام، ولكن نتيجة لطول فترة إعادة الإعمار، يشعر الكثير من الخبراء وسكان المدينة بالخوف من نزوح السكان الشباب، الذين لا يستطيعون الانتظار لسنوات للبحث عن عمل.

ويقول مسؤولو المدينة إنهم يحاولون وضع خطط من شأنها أن تغري الشباب على البقاء بالمدينة. تأتي معظم الأفكار من طوكيو، وتطالب بوضع مخططات كبرى لتحويل المدن الساحلية إلى أماكن مرتفعة عن طريق بناء منصات ضخمة أو قطع قمم الجبال القريبة من هذه المدن، وهذه بعض من المشاريع العملاقة التي قد لا تكون اليابان قادرة على تنفيذها.

ولكن يقول مسؤولو المدينة إنهم مشغولون بمطالب أكثر إلحاحا، مثل نقل 2.247 من سكان المدينة الذين لا يزالون ينامون على أرضيات الصالات الرياضية للمدارس وغيرها من مراكز اللاجئين المكتظة بالسكان، إلى مساكن مؤقتة على المدى الطويل، أو العثور على 1044 شخصا ما زالوا في عداد المفقودين في هذه البلدة، التي كان يقطنها 15239 شخصا قبل كارثة تسونامي. تم العثور على جثث 680 شخصا حتى الآن.

ومن المحتمل أن تستغرق عملية تنظيف أكوام من الأنقاض التي خلفتها الأمواج التي كان وصل ارتفاعها إلى 50 قدما ودمرت أكثر من نصف المنازل والمباني في المدينة، نحو عام. كما تعاني الوظائف الإدارية في المدينة من شلل تام نتيجة للأمواج التي دمرت مبنى مجلس المدينة وقتلت رئيس البلدية ونحو 30 من الموظفين.

ويقول ماساكي توباي (66 عاما) نائب رئيس البلدية الذي تدخل لقيادة المدينة، والذي نجا بعد نجاحه في الصعود إلى سقف المبنى المحلي للبلدة: «عملية إعادة الإعمار صعبة للغاية، حيث تم تدمير الخدمات الطبية، والإدارة، والتعليم، والشرطة، والمطافئ، ومحلات البيع بالتجزئة، والفنادق، والجمعيات التعاونية لصيد الأسماك، والزراعة والصناعة، وفرص العمل».

هناك بالفعل علامات على انتعاش المناطق الأخرى التي تضررت بشدة، لا سيما حول مدينة سنداي، وهي المدينة الرئيسية في المنطقة، حيث تتم عملية تنظيف الأنقاض على قدم وساق، وتم استئناف خدمة القطارات السريعة بصورة كاملة، ولكن ما زال الكثير من المجتمعات النائية مثل أوتسوتشي، التي تقع على الساحل الوعر في الشمال، بعيدة كل البعد عن عملية إعادة الإعمار.

وفي حين تم التغلب على مشكلة نقص الغذاء ومياه الشرب التي كانت موجودة في الأسابيع الأولى، لا تزال البلدة تمتلئ بالمنازل المهدمة وأكوام السيارات، حيث لا يزال الجنود يقومون بسحب الجثث من تحت الأنقاض كل يوم.

ولا تزال عملية استئناف الاقتصاد المحلي بعيدة المنال وقد تأخرت محافظة إيواته الساحلية طويلا عن بقية اليابان. يبلغ متوسط الدخل السنوي في أوتسوتشي 1.7 مليون ين ياباني أي ما يعادل نحو 21.000 دولار، أي نحو 60 في المائة من المتوسط المحلي. ويتركز معظم العمل في هذا الميناء إما على قوارب الصيد التي تعمل على المحار المحلي والأسقلوب ومزارع الأعشاب البحرية، أو في مصانع التعليب ومصانع تجهيز المأكولات البحرية على طول أرصفة الميناء. وقد تم تدمير جميع هذه الوظائف من جراء كارثة تسونامي.

وفي الشهر الماضي، أجرت الغرفة التجارية بالمدينة استطلاعا لآراء أصحاب الأعمال التجارية المحلية، وقال نصفهم إنهم خططوا لإعادة بناء أعمالهم في أوتسوتشي.

ومع ذلك، لم تتمكن الغرفة سوى من استطلاع رأي 114 فقط من أصحاب الأعمال، وهو ما يمثل 25 في المائة من عدد أعضائها قبل كارثة تسونامي. وبعد تدمير مقرها نتيجة للكارثة، نقلت الغرفة مقرها إلى كوخ في مدرسة ابتدائية محترقة ولا تزال تحاول تحديد مكان نحو 300 عضو آخرين.

وقال تشيكو أوتشيهاما، وهو مسؤول بالغرفة التجارية: «إننا نعلم أننا بحاجة لخلق فرص عمل، ولكن كيف يمكن القيام بذلك ونحن لا نعرف حتى من بقي على قيد الحياة؟».

وهناك مهمة أخرى تتمثل في البحث عن رفات من تم تصنيفهم على أنهم في عداد المفقودين في مدينة أوتسوتشي. يقوم الناجون، وكان من بينهم واتانابي، بعد الظهيرة بتمشيط الأنقاض بحثا عن أحبائهم.

كان واتانابي هو وعائلته في المنزل عندما اجتاحت الموجة غرفة المعيشة فجأة، وضربته باتجاه السقف قبل أن يتمكن من الصعود إلى الطابق الثاني من المنزل، الذي بدأ يطفو بعيدا عن أساسه. وتمكن من القفز على سطح مبنى مجاور مصنوع من الخراسانة، ولكن أفراد الأسرة الآخرين لم يكونوا محظوظين أو أقوياء بالقدر الكافي.

وقد ترك واتانابي وظيفته في محرقة القمامة التي لا تزال تعمل في المدينة، ولذلك يأتي كل يوم للبحث عن ابنته الصغرى، ميكوتو، أو أي متعلقات شخصية، مثل الحقيبة الحمراء التي كان قد اشتراها لابنته الكبرى هيناتا التي كانت في السادسة من عمرها وكانت متحمسة لدخول الصف الأول في المدرسة قريبا.

وقال واتانابي إنه سيتحرك في نهاية المطاف للعثور على عمل جديد، والبدء في حياة جديدة بطريقة أو بأخرى. وأضاف واتانابي، الذي كان يحدق في حطام منزله: «من الصعب جدا البقاء هنا، إذا رأيت المكان الذي كنا نتسوق فيه في عطلة نهاية الأسبوع، سوف أتذكر ما حدث».

- ساهم في كتابة التقرير ماكيكو اينو

* خدمة «نيويورك تايمز»