رحيل عبد الله بن خميس قائد الحملات الصحافية الجريئة وغارس بذور اليقظة الاجتماعية والوطنية في السعودية

مؤرخون وأدباء وشعراء وصفوه بـ«أستاذ الأساتيذ» وصاحب جزالة امرئ القيس ولغة الجاحظ ونغمات سحبان وائل * عبد الله بن خميس.. «موسوعة الجزيرة» بعد ركض في مضمار الأدب خلال قرن

الشيخ عبد الله بن خميس «موسوعة الجزيرة» في مكتبته الخاصة
TT

بعد سنوات طويلة لامست القرن رحل صباح أمس الأربعاء في الرياض الشيخ عبد الله بن خميس، أحد رموز الأدب والشعر والجغرافيا والتاريخ في الجزيرة العربية، وأحد رواد صحافة الأفراد ومؤسس جريدة «الجزيرة» السعودية، مستريحا من عناء الركض في مضمار الحياة تاركا سفرا خالدا من المؤلفات والإنتاج الفكري والثقافي في مجالات عدة. ومع رحيله تنفست شجيرات في مزرعته عمورية في الملقى شمال الدرعية قلعة الأمجاد وعاصمة الدولة السعودية الأولى وكأنها تقول: آه لقد رحل موسوعة الجزيرة العربية بعد أن سجل حضورا في بلاده كأديب وشاعر وناقد وباحث ورمز ثقافي ورائد من رواد الصحافة في الجزيرة العربية، محققا سلسلة من النجاحات في المهام التي أوكلت إليه وتسنم إدارتها، وتاركا سفرا خالدا من المؤلفات والمعاجم تجاوزت ال- 24، بالإضافة إلى مئات الأبحاث المختلفة غطت جوانب مختلفة في مجالات الأدب والثقافة والجغرافيا والتاريخ والشعر وكتابات جريئة تناولت قضايا النفط والمياه في بلاده وعددا من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعددة مما يتوجب معه أن يطلق عليه لقب «موسوعة الجزيرة» وقائد الحملات الصحافية الجريئة وغارس بذور اليقظة الاجتماعية والوطنية في السعودية.

كتب ابن خميس في رحلته الطويلة مع الحياة الكثير وعاش هموم أمته ودافع عن آمالها بفكر واع ومعايشة وطنية صادقة لشؤون المجتمع وقضاياه. وقطع خلالها فيافي وصحارى اليمامة، وأدمت قدميه جبالها ووديانها بحثا عن مواقعها وأعلامها وتراثها وشعرها. كما وضع ابن خميس، الذي غادر والده مع جده الدرعية إلى ضرما (40 كيلومترا غرب الرياض) بعد تخريبها عام 1818م ليعود إلى بلدته الأصل بعدما عادت الأمور إلى مجاريها، في كل محطات حياته بصمات تدين له وتعترف بفضله وجهوده في خدمة جغرافيا وتاريخ وصحافة بلاده. قال الأستاذ الدكتور عبد الله العسكر عضو مجلس الشورى السعودي وأستاذ التاريخ ل- «الشرق الأوسط» في تعليقه على رحيل الشيخ ابن خميس: عبد الله بن خميس (1339هـ/ 1920م – 1432هـ/ 2011م) بدون ألقاب أو مقدمات، فهو أكبر من الألقاب. عاش مكافحا عاملا وطالبا وموظفا ومعلما وانتهى ليصبح «أستاذ الأساتيذ». له باع طويل في فنون كثيرة، رزقه الله ذاكرة واسعة، وأسلوبا رصينا يجمع بين الأصالة والتجديد، وجلدا على تتبع المعلومة في مضانها. وكان يرتحل ليدون المعلومة، ولا يكتفي بسماعها أو بنقلها من المصادر.

وأوضح العسكر: عرفته لأول مرة عندما زار المجمعة على رأس وفد صغير من منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا للجنة الشعبية لجمع التبرعات للفلسطينيين. كان ذلك في سنة 1384هـ وكنت أدرس في المرحلة المتوسطة. وبعد التحاقي بجامعة الرياض 1390هـ كنت أزوره بين الحين والآخر وآنس به وبجلسائه من المثقفين والمختصين في علوم كثيرة. على أن علاقتي القوية به هي عن طريق مؤلفاته البلدانية والتاريخية. لقد تتلمذت على نمير علمه فيما يخص كتاباته التاريخية عن منطقة اليمامة. ولقد لمست فيما تناوله حرصه على المعلومة، وضبطا لرسمها، وأعجبتني الخلطة السرية بين التاريخ والبلدانيات والأدب بنوعيه العربي الفصيح والشعبي المليح. وينزع في تناول القضايا التاريخية إلى المحلية. وهذا أمر غريب لم أجد مثيلا لهذا النزوع عند غيره. وقلما تجده لا يربط بين ماضي اليمامة وحاضرها.

وشدد العسكر على أن نزعة ابن خميس التاريخية إنسانية لا شك في ذلك. وهو لا يهتم بالمسائل التاريخية لذاتها، بل ليبين على وجه الدقة أثرها في المكان والإنسان. لهذا تراه يقدم بين يدي المعلومة الشعر المناسب أو المعلومة البلدانية. وهو يؤكد دائما على أهمية التاريخ المحلي، وأنه الطريق المعبد إلى العالمية. رحم الله أستاذي عبد الله بن خميس.

ووصف الكاتب السعودي حمد بن عبد الله القاضي الشيخ الراحل بالرمز الذي فقده المشهد الثقافي العربي وقال ل- «الشرق الأوسط» أمس «لم يكن الأديب الكبير عبد الله بن خميس رحمه الله رائدا سعوديا بل كان رائدا ثقافيا عربيا.. أعطى نضارة عمره وضوء عينيه لخدمة لغة الضاد، وأدب الأمة وتاريخ وجغرافية الجزيرة العربية، وديوان الشعر العربي، فمن يبكيه ليست «السعودية» فقط بل تبكيه اللغة العربية الخالدة التي كان الحفي بها كتابة ونطقا وتعليما».

مضيفا بالقول: الأديب بن خميس يذكرك وأنت تقرأ له بلغة الجاحظ ويسافر بك إلى جزالة امرئ القيس، ويرحل بأذنيك وأنت تستمع إليه وتطرب له ولنغمات صوته إلى سحبان وائل، وطه حسين.

وشدد القاضي بالقول: أشعر أن مشهدنا العربي الثقافي فقد رمزا يصعب تعويضه فهو اتخذ الكلمة رسالة وتماهى معها فعاش لها وتعايش معها وأخلص لمجدها وما أبهى مجد الكلمة!.

ويتذكر القاضي موقفا يدل على الحضور الكبير واللافت للشيخ الراحل في لغة الضاد قائلا: لا أزال أذكر عندما أردت أن أعمل معه لقاء أدبيا تلفزيونيا في برنامج «رحلة الكلمة» بالتلفزيون السعودي أنني طلبت إيقاف التسجيل فقد كان رحمه الله يتكلم بلغة عربية جزلة، وكان يورد كلمات ينسجها من لغة العرب الأقحاح وينحتها في معينه اللغوي وقلت له: إن كثيرا من المشاهدين يا شيخنا قد لا يعرفون معاني بعض الكلمات فهلا شرحتها لهم وكان عندما يأتي بكلمة صعبة يتوقف ليشرحها وقد ألقى أبياتا من قصيدته عن «الرياض» وورد فيها وصفه للرياض «بالغادة الرعبوبة» فطلبت منه رحمه الله أن يشرح كلمة «رعبوبة» لأني أجزم أن بعض المشاهدين لم يفهمها فأوضحها رحمه الله بأنها «المرأة البيضاء الحسنة الحلوة».

أما الشاعر الشعبي راشد بن جعيثم فقد وصف ابن خميس بأنه موسوعة العرب وأستاذ الجيل، وقال: الأديب الراحل عبد الله بن خميس تناثر في تربة الجزيرة العربية بحثا وتدقيقا ومؤلفات وإصدارات، وبحكم التخصص فقد كانت إصدارته الشعبية بمثابة البنية والقاعدة الأساسية لانطلاقة الشعر الشعبي في كافة أغراضه ووجوهه. فإذا كان ابن خميس قد أبدع في الشعر العربي الفصيح فقد أبدع في كل ما يتعلق بالشعر الشعبي مثلما تعلمنا منه الوجه التاريخي والاجتماعي والجغرافي، موضحا أن معظم مهام الشعر الشعبي تناولها ابن خميس ليكون انطلاقة لإيجاد كرسي أكاديمي في الجامعات العربية، فقد استطاع الراحل أن يجمع معظم ما دار في الشعر الشعبي حتى أصبح الركيزة لكل دارس لهذا الأدب.

وشدد ابن جعيثم بالقول: عبد الله بن خميس هو علامة العرب وهو أستاذ لجيل تعلم منه فن الشعر وفن الصحافة وفن التأليف وأن موته فاجعة لا ينعيها نثر ولا شعر وسيظل بيننا وبين الأجيال المقبلة ما دام البقاء وما دامت الشمس تشرق وتغرب كما سيبقى أستاذا لكل جيل قادم. معتبرا أن كتابه «أهازيج الحرب» مؤلف لافت يردد ما فيه في كل مناسبة، إن فقد ابن خميس آهة الشعر سأكتبها لاحقا.

وسجل الدكتور عبد الرحمن الشبيلي الباحث والمؤلف المعروف في كتاب أصدره قبل سنتين سيرة الشيخ عبد الله بن خميس وجهوده في المجالات الإعلامية والثقافية والأدبية، وضمن كتابه حوارا تلفزيونيا أجراه معه قبل 35 عاما كشف فيه جوانب من تاريخ السعودية وصفحات موجزة من سيرة الملك المؤسس وشطرا من حياة الشيخ الثقافية والعملية.

وأوضح الشبيلي في حديثه عن سيرة الشيخ عبد الله بن خميس أن المنطقة الوسطى من السعودية ستظل تعترف بالفضل لجهود حمد الجاسر وعبد الله بن خميس في نشأة الصحافة والطباعة فيها. ففي أغسطس (آب) 1953م، أصدر حمد الجاسر (مجلة اليمامة)، وهي أول مطبوعة صحافية في هذه المنطقة، طبعت في بداية الأمر في القاهرة، ثم بادر مع مجموعة من المثقفين والمستثمرين إلى إنشاء شركة الطباعة والنشر الوطنية (مطابع الرياض) التي أنتجت أول إصداراتها سنة 1955م.

ثم نهض عبد الله بن خميس لإصدار المطبوعة الصحافية الأهلية الثانية، وهي مجلة «الجزيرة» الشهرية الأدبية الاجتماعية، التي ظهر عددها الأول في أبريل (نيسان) 1960م، وكان هو صاحب الامتياز ورئيس التحرير، وقد صدر بينهما مجلتان حكوميتان هما: «مجلة الزراعة» (ذو الحجة 1374هـ) و«مجلة جامعة الملك سعود» (ذو القعدة 1377هـ).

واستمرت هاتان المطبوعتان الصحافيتان الأهليتان في الصدور حتى اليوم، بعد أن تحولتا من صحيفتين يملكهما صاحبا الامتياز إلى مؤسستين عملاقتين يشارك في ملكيتهما مجموعة كبيرة من المثقفين والمستثمرين، وأصبحتا تنشران مجموعة أخرى من الإصدارات الصحافية والثقافية، وصار لكل واحدة منهما مطبعة خاصة بها.

وبرزت جهود الشيخ عبد الله بن خميس الإعلامية في كتاباته المبكرة، وإصدار مجلة «هجر» في الأحساء، والجزيرة: المجلة ثم المؤسسة، وعضوية المجلس الأعلى للإعلام، وأحاديثه الإذاعية، ومطابع الفرزدق، وكتاباته الصحافية ومؤلفاته.

ففي ما يخص كتاباته المبكرة أشار الشبيلي إلى أنه من المؤكد أن عبد الله بن خميس كان سعيدا وهو يرى الجريدة السعودية الأم «أم القرى» تنشر إنتاجه الشعري المبكر، وهو لا يزال دون الثلاثين من العمر، طالبا في دار التوحيد بالطائف، وأن يحظى وزميله الطالب عثمان بن إبراهيم الحقيل بالسلام على الملك عبد العزيز سنة 1367هـ، وأن يلقيا في حضرته قصيدتين بهذه المناسبة. أما بقية القصائد فقد ألقاها في مناسبات مختلفة لدار التوحيد، والمعتقد أن تلك القصائد كانت أول تجربة لنشر إنتاجه الفكري، في الصحف. وقد ذكر للمؤلف عمران بن محمد العمران أن ابن خميس كان منذ أواخر الستينات الهجرية وأوائل السبعينات يكتب أحيانا في جريدة (البلاد السعودية) عندما كان عبد الله عريف يرأس تحريرها. وذكر الدكتور عبد الله الوهيبي في مقال له عن عبد الله بن خميس في كتاب «النهضة الأدبية في نجد» لحسن الشنقيطي (صدر عام 1950م)، أن له قصائد نشرت في تلك الفترة في جريدة «المدينة المنورة»، ثم ذكر حمد الجاسر في ذكرياته الصحافية التي نشرها في «مجلة العرب» أن عبد الله بن خميس قد أشرف - أثناء دراسته في كلية الشريعة بمكة المكرمة - على أعداد «مجلة اليمامة» التي طبعت في جدة، كما كان ابن خميس يكتب فيها منذ أن بدأت في الصدور في أواخر (1953م)، وأخبر المؤلف عبد العزيز المسند أنه وعبد العزيز الرفاعي وعبد الغني قستي شاركوا عبد الله بن خميس في تصحيح جريدة «البلاد» في صيف عام 1954م، بعد تخرجهم في كلية الشريعة.

أما مجلة «هجر» في الأحساء التي تعد تجربة صغيرة في حجمها، كبيرة في قيمتها فقد تمت في الأحساء على يد طلاب المعهد العلمي في الهفوف، تحت إشراف مديرهم آنذاك عبد الله بن خميس وتأبى إلا أن ترفع رأسها شاهدا على التاريخ الصحافي للأحساء، وعلى السجل الإعلامي لابن خميس، وهي مجلة لم يصدر منها إلا عدد واحد، لتكون مع ذلك أول مجلة صدرت في الهفوف وأول عمل صحافي قام هو برعايته، قبل صدور «مجلة الجزيرة» بثلاثة أعوام.

فلقد عمل عبد الله بن خميس فور تخرجه في كلية الشريعة في مكة المكرمة عام (1954م) مديرا للمعهد العلمي بالهفوف لمدة عامين، ويذكر عدد ممن عاصر ذلك أن المعهد شهد في عهده نشاطا فكريا ملحوظا في المجال الثقافي والأدبي.

كان في المعهد مجموعة من الطلاب النابهين، الذين قادوا فيما بعد النهضة الأدبية الصحافية في المنطقة الشرقية فعملوا على نشر إنتاجهم الفكري في صحيفة حائطية سميت «الضياء الجديد»، صدرت منها بضعة أعداد، ظهرت كلها في سنة (1375هـ). ثم خطوا خطوة أخرى نحو نشر المتميز من إنتاجهم في مجلة أدبية اجتماعية مطبوعة أصدرها النادي الأدبي في المعهد.

صدرت مجلة «هجر» في شهر محرم 1376هـ (أغسطس 1956م)، بتشجيع من أستاذهم ومديرهم الذي كتب افتتاحيتها، بوصفه رئيسا للتحرير. وتولى عبد الله شباط سكرتارية تحريرها، وشارك في الكتابة فيها مجموعة من أساتذة المعهد مثل: مناع القطان وعثمان بن سيار ومحمد زايد وعطية محمد سالم، ومجموعة من طلبة المعهد، منهم: عبد الله بن عبد الرحمن النعيم (سكرتير النادي) وعبد الله شباط ومحمد بن الشيخ عبد الله المبارك، الذي زود المؤلف بنسخة من هذا العدد اليتيم من المجلة، وأحمد بن محمد النعيم وعبد الرحمن بن عثمان الملا ومحمد أحمد الإسماعيل وإبراهيم المبارك وسعود النعيم، كما كتب في المجلة عدد من مشايخ الأحساء، مثل: محمد بن عبد القادر (قاضي المبرز) وعبد اللطيف أبو بشيت (إمام جامع الخبر).

وقد طبعت المجلة على «مطابع المصري» في بيروت، وكانت عالية الجودة طباعة ومحتوى وإخراجا، ولعل سبب صدور عدد واحد منها فقط يعود إلى انتقال ابن خميس إلى موقع وظيفي آخر.

ولم يكد ابن خميس يستقر في الرياض عائدا من مكة المكرمة والأحساء، حتى أصبح مديرا لكليتي الشريعة واللغة العربية سنة (1956م)، ثم مديرا عاما لرئاسة القضاء سنة 1379هـ. ثم داعب خياله تحقيق حلمه القديم بإصدار مجلة شهرية أخرى، تعنى بخدمة الأدب والثقافة في الجزيرة العربية، وتشد من أزر شقيقتها (اليمامة).

وبخصوص صحيفة «الجزيرة» فمن دارته في شارع الخزان بالرياض أشرقت الفكرة، بتشجيع من محبيه وزملائه وتلامذته الذين كانوا يلتقون عنده كل مساء، ومن بينهم: عثمان الصالح وعبد العزيز المسند ومحمد بن عبد الله المسيطير (الشاعر) وعبد الرحمن المعمر، كما عمل معه في التحرير كل من: علي العمير وعبد العزيز الربيعي ومحمد بن عباس ومحمد الحمدان وإبراهيم السيف وغيرهم.

ثم اتخذت الجريدة من أحد دكاكين شارع السويلم مقرا لها، كما اختارت مطابع الرياض، التي كان يديرها حمد الجاسر، لطباعة أعدادها، إذ لم تكن لمجلة «الجزيرة» هذه أي علاقة بمطابع الجزيرة التي كانت قد أسست في الرياض بعد أقل من عام، (شوال 1380هـ - أبريل 1961م).

ومع انتقاله إلى عمله الجديد وكيلا لوزارة المواصلات، أسند إدارة التحرير وسكرتاريته إلى بعض تلاميذه الصحافيين، مكتفيا بالإشراف العام عليها بوصفه صاحب الامتياز ومستمرا في كتابة افتتاحيتها.

ثم استمرت الجريدة في الصدور بانتظام مدة أربع سنوات حتى توقفت مع صدور العدد السادس من السنة الرابعة، جمادى الأولى 1383هـ، مفسحة المجال لتطبيق نظام المؤسسات الصحافية الجديد.

كان مجلس الوزراء قد قرر إلغاء الامتيازات الفردية للصحف السعودية، وتحويلها إلى مؤسسات يشارك في ملكيتها وإدارتها مجموعة من رجال الصحافة والثقافة والأعمال، وعلى إثر ذلك توقفت (اليمامة والجزيرة والقصيم والبلاد وعكاظ والمدينة والندوة والرائد وقريش والرياضة)، ثم أصدر نظام المؤسسات الصحافية في 24/8/1383هـ، وبصدوره دعا مؤسس «الجزيرة» مجموعة من كتاب مجلته ومن رجال الثقافة والأعمال إلى اجتماع عقد في إحدى أمسيات شهر رمضان المبارك في دارته الجديدة في شارع جرير بحي الملز بالرياض، وتقدموا بتاريخ 14/9/1383هـ بطلب إلى وزارة الإعلام وقعه ثلاثون مؤسسا (يمثلون ضعف الحد الأدنى لقيام أي مؤسسة صحافية بموجب النظام في ذلك الوقت) لإنشاء مؤسسة تصدر جريدة يومية تحمل الاسم القديم نفسه «الجزيرة» ومجلة شهرية باسم «المجتمع»، فوافقت الوزارة بتاريخ 10/11/1383هـ.

في اليوم التالي، عقدت الجمعية العمومية اجتماعها الأول، لوضع تصوراتها حول مجمل الأمور المالية والإدارية والتحريرية والفنية للمؤسسة، وتم انتخاب عبد الله بن خميس مديرا عاما للمؤسسة وعبد العزيز بن حمد السويلم رئيسا لتحرير «الجزيرة»، واختير مقر المؤسسة في مبنى تجاري بالصفاة، تعود ملكيته لبلدية الرياض.

وقد صدر العدد الأول من «الجزيرة» صباح يوم الثلاثاء 30/6/1964م، ومرة أخرى حدد عبد الله بن خميس وعبد العزيز السويلم في الصفحة الأولى سياسة «الجزيرة» في عهدها الصحافي الجديد، واستمرت تصدر (كل يوم ثلاثاء) بشكل أسبوعي ولمدة ثمانية أعوام ونصف، حتى سمحت لها الظروف بالصدور يوميا بدءا من يوم الأربعاء (20/12/1972م).

أما مجلة «المجتمع»، فكانت المشروع المؤجل، الذي لم يقدر له الصدور في حدود المدة التي يسمح بها النظام. لكن مناسبة انعقاد مؤتمر القمة الثاني لدول مجلس التعاون الخليجي بالرياض في محرم 1402هـ (نوفمبر/تشرين الثاني 1981م) أعطت فرصة لرئيس تحرير «الجزيرة» آنذاك (خالد المالك) أن يبدأ ملحقا مسائيا للجريدة قدر له أن يستمر ويتطور بطريقة تلقائية ليصبح جريدة مسائية موازية لشقيقتها «الجزيرة» دام صدورها بين نجاح وإخفاق، مدة عشرين عاما. وقد قررت المؤسسة أن توقفها بتاريخ 19/4/2001م على أمل أن تصدر مطبوعة تعنى بالأسرة، وتكون بديلا لـ«المسائية»، وبعثا لفكرة مجلة «المجتمع».

المهم في الأمر، أن المؤسسة وإصداراتها ظلت تعترف بالفضل لمؤسسها الذي استمر يحظى بتقدير كل المؤسسين، وباختياره عضوا في كل مجالس الإدارة المتتالية حتى يومنا هذا، كما قامت المؤسسة بتكريمه في حفل افتتاح مقرها الجديد يوم الثلاثاء 18/3/1997م، وأطلقت اسمه على مبنى المطابع عرفانا بدوره في رعايتها في مهدها وشبابها. وبقيت «الجزيرة» و«المسائية» على مدار هذه الأعوام وعاءين يختصهما مؤسس الجزيرة بنشر إنتاجه الفكري من بحوث أو مقالات أو افتتاحيات أو شعر أو دراسات نقدية أو ردود. وقد أورد الكتاب الوثائقي الذي أصدرته مؤسسة الجزيرة الصحافية عام 1997م تفاصيل أوسع عن قصة صدور الجزيرة (الأم) وقيام المؤسسة الصحافية التي اقترن اسمها، بعاطفة وحميمية، مع عبد الله بن خميس.

وقبل الحديث عن الوجه الصحافي للراحل ابن خميس، وعن كتاباته الصحافية في «الجزيرة» و«المسائية» أو غيرهما، وعن منهجه التحريري في افتتاحياته والحملات الصحافية التي قادها، تجدر الإشارة إلى ثلاث محطات مهمة في حياته الإعلامية هي:

عضوية المجلس الأعلى للإعلام، وبرنامجه الإذاعي الشهير «من القائل» ومطابع الفرزدق.

فمن المعروف أن المجلس الأعلى للإعلام، قد مر بثلاث مراحل رئيسية في تشكيلته:

- الأولى: في عام (1967م) عندما تكون برئاسة وزير الإعلام آنذاك (جميل الحجيلان) في شكل لجنة لتخطيط السياسة الإعلامية، لم تدم طويلا.

- الثانية: في عام (1976م) عندما شكل باسمه الحالي (المجلس الأعلى للإعلام) برئاسة وزير الإعلام الأسبق (د. محمد عبده يماني) وكان عبد الله بن خميس أحد أعضائه، وقد عقد المجلس في تشكيله آنذاك ما يقرب من (20) اجتماعا.

- الثالثة: في عام (1981م) عندما شكل برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز (وزير الداخلية) وهو التشكيل الذي استمر نحو ربع قرن مع بعض المتغيرات، فكان ابن خميس أحد أعضائه حتى (30/10/1983م) عندما قدم اعتذارا عن عدم الاستمرار في العضوية، بسبب عارض صحي ألم به في ذلك العام. وقد اختير الدكتور راشد المبارك محله عضوا في المجلس، كما كان ابن خميس عضوا في لجنته التحضيرية التي كانت تعقد جلساتها في فترات متقاربة، وقد شارك من خلال عضويته في التشكيلين وفي اللجنة التحضيرية في إعداد مشروع السياسة الإعلامية التي أقرت قبل ثلاثة عقود، وبدراسة العديد من الموضوعات التي مرت بالمجلس.

أما بالنسبة لبرنامجه المعروف (من القائل؟)، فعلى الرغم من أنه لم يستمر سوى ثلاثة أعوام (في الفترة من (1402هـ إلى 1405هـ)، فإنه كان من البرامج الثقافية الشهيرة التي قدمتها إذاعة الرياض، وأكثرها شعبية، ذلك أنه كان يجيب عن أسئلة المستمعين حول قائل بعض الأبيات في الشعرين العربي والشعبي، وعمن تنسب إليه بعض الأمثال المشهورة في التراث العربي، ثم حرص على تدوين ما تضمنه البرنامج في كتاب مطبوع من أربعة أجزاء تزيد صفحاتها على (2500) صفحة كما تم تنسيقها وطبعها في تسجيلات إذاعية بصوته، وذلك بالطبع إلى جانب ما كان يشارك فيه من أحاديث إذاعية أو تلفزيونية في مختلف المناسبات الوطنية.

أما عن «مطابع الفرزدق»، فقد أسسها سنة (1977م) وهي لا تزال إحدى دور النشر والطباعة المتميزة في الرياض، وأسهمت منذ تأسيسها في طبع المئات من الإنتاج الفكري المحلي، فضلا عن طباعة مؤلفات مؤسسها التي بلغت قرابة العشرين مؤلفا، بعضها متعدد الأجزاء، مع إعادة طبع ما تنفد طبعاته، وهنا لا بد لمن يراقب إنتاج هذه المطابع أن يسجل بالتقدير له ذلك التشجيع الذي كانت تلقاه منه إبداعات الشباب لنشر إنتاجهم وكتابة مقدمات لمؤلفاتهم.

وإذا عد أن عبد الله بن خمس قد بدأ الشعر والنقد والكتابة مبكرا، فإن الباحث لا يكاد يجد له إسهامات صحافية كبيرة في الصحف الصادرة في الستينات والسبعينات الهجرية، مما يدل على أنه لم يلج إلى عالم الكتابة الصحافية المحترفة إلا بعد صدور مجلة «الجزيرة»، لكنه ما إن برز اسمه كاتبا وشاعرا وأديبا وباحثا حتى انتشرت كتاباته وأبحاثه في عدد كبير من المجلات المحلية والعربية، ومن أبرزها: (اليمامة والمنهل والعرب والمجلة العربية والدارة والفيصل والحرس الوطني ومجلة مجمع اللغة العربية والقافلة، وغيرها)، وقد رصدت مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية (العدد الأول من سنتها السادسة، محرم - جمادى الآخرة 1421هـ) قائمة ببليوجرافية بأبرز آثاره.

لكن عبد الله بن خميس يريح الباحث عن عناء العودة إلى قواعد المعلومات وكشافات الدوريات للبحث عن كتاباته، فهو قد جمع معظم ما كتبه من أبحاث ومقالات في سلسلة «من جهاد قلم - ثلاثة أجزاء» بما فيها فواتح الجزيرة بالذات التي ضمنها الافتتاحيات التي طالعتنا بها مجلة «الجزيرة» في عهده، ثم أحصت الباحثة هيا السمهري - في كتابها عنه - ما يزيد على مائتي بحث ومقال لم يتضمنها كتبه التي أصدرها.

وقد اعترف في مقابلة أجرتها معه «المجلة العربية» في عدد (1999م) أنه كتب أحيانا تحت اسم رمزي مستعار، كما أخبر المؤلف عمران بن محمد العمران أنه كان يكتب بتوقيع «فتى اليمامة» عندما كان طالبا في دار التوحيد.

وربما يكون رأيه في الصحافة وما ينبغي أن يكون عليه منهاجها، الذي أبداه في أول كتبه «شهر في دمشق» 1955م هو أول وأوضح رأي يطرحه ابن خميس قبل أن يبدأ في ممارسة الصحافة. حيث حدد الخط الأمثل للصحافة بقوله: «إن الصحافة التي لا تتسم بالرزانة، والتثبت مما تنشره، وبالاستقلال الذاتي وعدم الخضوع للمؤثرات الخاصة والأغراض والأنانيات والنعرة الطائفية، صحافة لا تليق بالحياة ولا تستحق الوجود».

ويبدو أن عبد الله بن خميس قد تأثر بمجلة «الرسالة» وبأسلوب صاحبها أحمد حسن الزيات، حيث يذكر محمود رداوي في كتابه عن ابن خميس وآثاره الأدبية أن «صلته بالزيات صلة قديمة، صلة قراءة ولا صلة لقاء وصداقة أدب لا صداقة أرب» وكانت مجلته «الرسالة» هي المفضلة والصديق له من بين سائر المجلات، ولقد كان الزيات أستاذه الأول والأخير في تكوين قلمه.

ثم ينوه محمود رداوي بدور ابن خميس في الحركة الصحافية السعودية وبدور مجلته الشهرية في ازدهار العمل الصحافي أولا. وفي خدمة قضايا المجتمع، والإرهاصات التي كان يستشرف بها المستقبل الأفضل، فيواصل ويقول إنه «يعي جيدا أهمية الصحافة في نهضة الشعوب»، وفي غرس بذور اليقظة الاجتماعية والوطنية، وكان يعي أنها وجه من وجوه الفكر المعاصر ولون من ألوان الثقافة، وأنها أصبحت علما من العلوم، كما هي فن من الفنون.

وإن من يدرس تاريخ الصحافة في المملكة لا يمكن أن يتجاهل دور مجلة «الجزيرة» وصاحبها في فترة من الفترات الحرجة والحاسمة في تاريخ المملكة.

ثم يصف محمود رداوي كيف يتعامل ابن خميس الأديب مع قضايا السياسة من منظور صحافي فيقول: «على أن تحليله السياسي يظل مصبوغا بألوان أدبية بلاغية، فهو يحيل النص السياسي إلى نص أدبي والرؤية السياسية تستحيل إلى رؤية نقدية».

ثم يقول «.. لذلك كانت كتابات ابن خميس الصحافية تخرج عن نطاقها الرسمي والآني الصحافي لتحلق في أجواء سامية وأبعاد متألقة للفن الأدبي والنثر الرفيع».

وإذا ما تصفح الباحث في «فواتح الجزيرة»، والمقالات الصحافية التي كانت يحررها في مجلته، يجد أن ابن خميس تبنى قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية متعددة ومهمة وفي مقدمتها شؤون فلسطين. كما أفسح المجال واسعا للقلم النسائي بالتوقيع الصريح ولمناقشة قضايا المرأة، وقاد حملات صحافية جريئة من بينها موضوعات الزيت والماء وشؤون العمل والحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية للمجتمع بأسلوب ينبض بالصدق والحماسة والوطنية والأصالة والتراث، ولقد قال لي ذات مرة: إنه كتب في موضوعات المياه ما قد يصل حجمه إلى كتاب، ويظل كتاب «فواتح الجزيرة»، رغم مرور عقدين على جمعه وإصداره، يتجدد ويزداد قيمة ووزنا، وإن كان لا يتضمن كل المقالات التي كتبها في مجلته بسبب جرأتها.

ولم يكن ابن خميس ناقدا اجتماعيا وسياسيا وأدبيا فحسب، لكنه كان منظرا إعلاميا، يدعو «لقيام صحافة ناضجة تسيرها الأفكار المستنيرة، وتحررها الأقلام النزيهة الواعية المتحررة من الأهواء، والمبتعدة عن الأغراض، ذات الفقه السياسي والثقافي والاجتماعي، المدركة لمصائر الأمم والعالمة برسالة الصحافة ودورها البناء».

إن عبد الله ابن خميس، الذي كتب الكثير، وعاش هموم أمته، ودافع عن آمالها بفكر واع، ومعايشة وطنية صادقة لشؤون المجتمع وقضاياه، لا يكتفي بالتعبير النثري عن آرائه، وتقديم أمثلة حية لزملائه وتلاميذه في كيفية الكتابة والمعالجة، بل يطرح هذا النموذج بأسلوب شعري مبتكر، يحدد فيه رسالة الصحافة ومسؤولياتها.

معاجم ودواوين وجهاد قلم وفيما يلي قائمة بأسماء الكتب التي ألفها الشيخ عبد الله بن خميس، وقد بلغت (24) عنوانا يتكون بعضها من أجزاء عدة:

الأدب الشعبي في جزيرة العرب، الشوارد (ثلاثة أجزاء)، المجاز بين اليمامة والحجاز، شهر في دمشق، على ربى اليمامة (ديوان شعر)، الديوان الثاني (ديون شعر)، راشد الخلاوي، بلادنا والزيت، من أحاديث السمر، معجم اليمامة (جزءان)، من جهاد قلم (في النقد)، من جهاد قلم (محاضرات وبحوث)، من جهاد قلم (فواتح الجزيرة)، الدرعية، أهازيج الحرب أو (شعر العرضة)، معجم أودية الجزيرة (جزءان)، من القائل (أربعة أجزاء)، تاريخ اليمامة (سبعة أجزاء)، معجم جبال الجزيرة (خمسة أجزاء)، رموز من الشعر الشعبي تنبع من أصلها الفصيح، جولة في غرب أميركا، رمال الجزيرة (الربع الخالي)، تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات (تخريج وتقديم)، أسئلة وأجوبة من غرائب آي التنزيل (إعداد).

وفي حديث تلفزيوني تم تسجيله قبل 35 عاما ضمن برنامج «شريط الذكريات»، الذي عرض منه ثلاث حلقات ثم توقف لظروف رقابية، تناول الشيخ عبد الله بن خميس في حديثه الذي ظل حبيس المكتبة الخاصة للدكتور عبد الله الشبيلي مدير عام التلفزيون في ذلك الوقت جوانب من تاريخ السعودية وصفحات موجزة من سيرة المؤسس الراحل الملك عبد العزيز.

وتقديرا لما تضمنه الحديث من معلومات تاريخية مهمة خاصة أنها لم تعرض من قبل فقد وثق الدكتور الشبيلي هذه المقابلة في كتابه عن ابن خميس ونقتطع من الحوار الذي تم قبل 35 عاما ونشر في كتاب قبل سنتين ما يلي:

* لعلكم، شيخ عبد الله، تعطون المشاهدين فكرة عن جغرافية وادي حنيفة، وامتداده وطرفيه.

- وادي حنيفة، يبدأ من أعلاه باتجاه شعاب تسمى الخمر وأبالهشم وبويضة مما يلي وادي سدوس ووادي حريملاء، ومما يلي رأس قمة طويق من الناحية الغربية، ويأخذ منحدرا، تصب فيه روافد كثيرة، وأول ما يرد، يصل إلى العيينة ثم الجبيلة ثم التوصيل ثم الملقى ثم العلب ثم العودة ثم الدرعية ثم عرقة ثم الرياض، ثم الحائر فالخرج، ثم يفضي إلى السهباء، ثم يستمر إلى البجادية، حيث ينتهي إلى نفود الدهناء.

وكان في سابق العصر يخترق الدهناء، ويمر بما يسمى الآن وادي حرض ويشق الصلب وينتهي بالبحر بجوار قطر، كان ذلك في الماضي، وربما مرت جدوب، وأحوال جوية جعلت الرمال تحجز بينه وبين المضي نحو البحر، فصار يقف في البجادية هناك مما يلي السهباء.

* إذا أردنا شيخ عبد الله، التفريق بين مسمى اليمامة ومسمى طويق ومسمى العارض، ماذا يكون الفرق جغرافيا بين الأسماء الثلاثة؟

- وادي حنيفة جزء صغير من مسمى اليمامة، اليمامة تمتد من نفود (رمال) الثويرات شمالا فيما يلي الزلفي، وتأخذ مقبلة نحو الجنوب باتجاه الربع الخالي بمسافة تقدر بنحو (1000كم)، وتنتظم جانبا من وادي الدواسر، والسليل، وجزءا من الأفلاج والحوطة والحريق والخرج والرياض ونواحيها، والمزاحمية والشعيب والمحمل وسدير وطويق والغاط والزلفي.

بعض هذه البلدان يضمها جبل اليمامة الذي هو جبل طويق، في جوفه، وبعضها يوجد شرقا وغربا حوله، وتنحدر أودية طويق لمسافة طويلة على هذه المدن والقرى، وعلى كل حال، الاسم الحقيقي الأول له هو اليمامة، يقول عمرو بن كلثوم:

فأعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بأيدي مصلتينا ويسمى طويق أيضا، ويسمى العارض، ولو أن هناك تقسيمات ربما تكون حديثة، وهي: العارض، والعرض، والعويرض وما إلى ذلك.

* هل يمكن استعمال تعبير طويق رديفا لاسم اليمامة أو جزءا منها أو بديلا؟

- لا، هي جزء من اليمامة، ولا أعتقد أن كلمة العارض كلمة أثرية قديمة، وإنما هي كلمة حديثة تطلق على منطقة الرياض والشعيب والمحمل والدرعية وضرما والخرج.

* ما هو السبب في رأيكم في تسمية العارض؟

- لعله من باب تسمية الكل باسم الجزء والبعض، ويمكن أن يكون العارض هذا الجبل المعترض على مسافة (1000كم) في جزيرة العرب، والممتد من الشمال إلى الجنوب.

ولا شك أنه معترض وعارض، فعله - كما ذكرت - من باب تغليب الجزء على الكل، ولا أجد له تعليقا أو تفسيرا أو تعليلا أكثر من هذا.

* وماذا عن الأعشى صاحب منفوحة؟

- الأعشى هذا (أبو بصير) صناجة العرب، ومن بني حنيفة من بني قيس بن ثعلبة من أهل منفوحة. وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكي يسلم وأعد له قصيدة جيدة يمدحه فيها، فاعترضته قريش في أثناء الطريق، وقالوا يا أبا بصير: مالك ولمحمد فإنه ينهاك عن الخمر؟ قال: بقيت لي صبابة في ركن مهراس في منفوحة أرجع وأشرب وأتوب، مالي وما الخمر؟ قالوا: ينهاك عن الزنا، قال: لقد تركني وتركته، قالوا: ينهاك عن القمار، قال: لأني إن لقيته وجدت منهم عوضا عن القمار، قالوا: هل لك في (100) ناقة حمراء تأخذها وتنصرف إلى بلادك، ونحن الآن مع محمد في هدنة إما أن يظهر علينا وتأتيه فيما بعد، وإما أن نظهر عليه وتكون قد حفظت خط الرجعة معنا، كما يقولون؟ فأخذ المائة ناقة وانصرف، ولما أقبل على منفوحة سقط من على ظهر ناقته ودقت عنقه فمات!

* طال عمرك، بالنسبة للحركة التعليمية في منطقة الرياض والدرعية قبل 40 سنة (الحديث تم قبل 35 عاما)، وأعني الحركة التي عشتموها أنتم أو عاصرتموها؟

- في الحقيقة، لم يكن يومئذ حركة تعليمية بالمعنى المفهوم اليوم، الذي كان سائدا في البلاد أو غير هذه البلاد، كان التعليم حينئذ على قسمين: قسم يتألف من الكتاتيب، وكانت هناك ثلاثة كتاتيب في الرياض، واحد للمفيريج، كان يؤتى بالأطفال عنده لتعليمهم الخط والقرآن الكريم، وكان هناك ابن مرزوق، وابن حيان، وكان عندنا شخص في الدرعية، الله يوفقه ويحيينا وإياه حياة طيبة، وهو عبد الرحمن الحصان وهو موجود الآن، وهو من علمنا في كتاتيب الدرعية، نشيط ولا يزال عنده استعداد وقوة والحمد لله.

وكذلك حمود بن حمود في الدرعية، وإبراهيم الطويل، كانوا يعلموننا على نحو ما يعلم غيرهم من أصحاب الكتاتيب، لوح وشعر ومبادئ الكتابة وحفظ القرآن (جزء عم) حفظا وبقية الأجزاء مجرد قراءة من المصحف.

لا أنسى أيضا أن هناك المجال الآخر، مجال المشايخ، إذ يندر أن توجد بلدة في نجد إلا ويوجد شيخ يقضي من ناحية ويعلم من ناحية أخرى، وكان لآل الشيخ هنا في الرياض وآل عتيق مواقف مشرفة في تعليم الكثير من أهل نجد، وكذلك آل سليم في القصيم، وهم الآن لا يزالون ولله الحمد يتمتعون بالعلم والفضل، أنجبوا علماء وفضلاء، ويشكرون على مواقفهم.

* ما هي أول مدرسة حديثة؟

- أول مدرسة حديثة تقليدية هي المدرسة الموجودة في البطحاء، بناها أهل الرياض حين زار الملك عبد العزيز، رحمه الله، مصر وعاد، فجعلوا ذكرى عودته بناء هذه المدرسة وسميت بالمدرسة الأهلية، أمام البلدية.

* من أبرز من قام ببنائها؟

- لا أستطيع أن أذكر أحدا، ولكن أهالي الرياض كلهم قاموا ببنائها بجد ونشاط كما أذكر.

* ألا تذكرون من كان أول مدير لها؟

- أتذكر ابن سليم كان أول مدير لها من آل سليم أهل بريدة.

* لو نظرنا إلى العمران في مدينة الرياض، هل تذكرون حدود الرياض؟

- في الحقيقة، هي إلى زمن قريب منذ نحو (40) سنة، حال الرياض لا يكاد يتصورها متصور كما هي الآن (منذ 35 عاما وقت تسجيل المقابلة)، كانت محاطة بسور وكانت لها أبواب: باب الثميري، وباب القري، وباب الظهيرة، وباب آل السويلم، وباب المذبح، وباب دخنة، وباب البطيحاء، وباب القري الآن مقابل للمعهد العلمي، ودروازة الثميري بجوار مبنى بنك الرياض أمام البلدية، وباب الظهيرة أقرب ما لها المقبرة في شارع الملك فيصل، وكانت الصفاة والمقيبرة تمثلان قلب الرياض ولا تكاد أي بوابة ودروازة تبعد عنهما أكثر من مئات الأمتار، وكانت الصفاة مجلب الإبل، وكان الضيوف والمراكيب الذين يأتون إلى الملك عبد العزيز يجتمعون في الصفاة ومجلب الإبل، وتنام الخيل التي تأتي من قريب وبعيد، وفيها السوق والصناعات، وكثافة البيوت كانت في الظهيرة والمعيقلية ودخنة والحلة الداخلية، والمياه كانت تنقل بواسطة القرب على الظهور وتزود بها البيوت، وكانت المياه تأتي من الآبار الموجودة المحفورة في الرياض وتسمى المساقي وتحمل أسماء مثل فضة وفلانة وفلانة، كان السقاة يسحبون المياه بالدلاء ويوزعونها على البيوت ويقوم السقاة بهذا العمل. وكان السوق به مجلب البرسيم وبه الرجال والحريم، وأيضا أصحاب الصناعات والجلود والخراريز وأهل البز وأهل الحراج، كلهم يجتمعون في السوق القديم، وكان النور لا يوجد في الليل قطعيا إلا شيئا يسيرا حيث توجد بعض الفوانيس في آخر الدهاليز وبعض المنعطفات، إنما كان هناك سراجان كبيران يوضعان في رأس القصر بالصفاة جعلت لهما الحبال وتوضع فوق القصر بالصفاة، وكان الناس ينامون مبكرين.

* هذا القصر الذي في الصفاة من أول من بناه؟

- أصله قصر دهام بن دواس، ثم تعاقب عليه آل سعود، ثم بني من جديد، وقصر المصمك قديم بناه الإمام عبد الله بن فيصل.

* إذن هو قديم؟

- القصر الذي بناه يعد أحدث، إنما القصر الذي في الصفاة هدم ثم بني عدة مرات إنما هو قصر دهام بن دواس صاحب الرياض على عهد إمارة الدرعية.

* شيخ عبد الله، من الكلمات التي تتداول وتورد في القصائد (أهل العوجا)، ما هو أصلها وكيف جاءت؟

- قال عنها الناس كثيرا، ولكن يبدو وأوثر أنا هذا الرأي، وهو أن الجزيرة العربية على وجه العموم، بعد القرون المظلمة التي مرت فيها، نستطيع أن نقول بعد القرن السابع (الهجري) فما فوق، أصبحت الجزيرة في حالة مظلمة، خصوصا نجد، أصبحت تحكمها شريعة الغاب، حيث إن معتقداتها تأثرت وكذا عاداتها وتقاليدها. وتأثر فيها كل شيء، فدخلت عليها الخزعبلات والخرافات وما إلى ذلك.

وربما كانوا يعظمون القبور ويحجون إليها، ويعظمون الأموات والأولياء والصالحين، والأشجار والأحجار وما إلى ذلك، فلما انتشل الله هذه الجزيرة وغيرها بخروج الداعية المصلح الزعيم محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، قوبلت دعوته أول ما قوبلت بالرفض، وبشيء من الاستنكار والنفور، لأن أصعب ما يكون على الناس أن يقتلعوا أو أن يصرفوا عن المجال الذي ألفوه، وألفه آباؤهم وأجدادهم، فبطبيعة الحال سوف يستنكرون هذا كما استنكروا من قبل دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان أول من لبى دعوته وناصره وآزره الأسرة السعودية، في ذلك الوقت الإمام محمد بن سعود رحمه الله. مع أهل الدرعية، فمال كثير من الناس، بادية وحاضرة، عن دعوة الشيخ محمد وربما أوحى بذلك علماء السوء الذين لا خلاق لهم وإنما قصدهم أن يكونوا على كراسيهم وزعامتهم، وقالوا: إن هذه الدعوة عوجاء.

فقال آل سعود وأهل الدرعية معهم: نحن أهل العوجاء، إذا كنتم تزعمون أن هذه الدعوة عوجاء فنحن أهل العوجاء، ومن ثم أصبحوا يسمون بهذا الاسم ويدعون، وينتخون بهذه النخوة.

فهذه واحدة من التفسيرات والتأويلات، وقيل غير هذا القول، إن قبلتهم حينما تأتي في الوادي ليست في الاتجاه الصحيح، لأنه ينحدر بشكل متكسر، ومتعرج يمنة ويسرة، وحينما تأتي في الدرعية أو في أحد منعطفات هذا الوادي تشعر أنك حين تكبر تصلي على غير قبلة، فقيل إن أهل هذا الوادي قبلتهم عوجاء، وما إلى ذلك من هذه التفسيرات، ولكنني أؤثر هذا، وقيلت أيضا عن السيف إنه أعوج، لكنني أفضل التفسير الأول.

* ما هي الركائز التي تعتقد أن توفيق الملك عبد العزيز قام عليها؟

- الملك عبد العزيز، رحمه الله، أستطيع أن أقول إن الركائز أو الخصائص التي يمكن أن تكون من مجالات عبقريته أو نجاحه هي:

أولا: أن علاقته بربه علاقة إخلاص دون شك ولا غبار عليها، فالرجل الذي استطاع أن يكون من الجزيرة أشياء من لا شيء، وأن تمر عليه هذه المشكلات والأرزاء والمصائب والنكبات والمعارك، ثم يخرج منها في النهاية منتصرا رافع الرأس، ووحد هذه الأمشاج وجعلها أمة واحدة تحت راية واحدة تتناسى أحقادها وضغائنها وحزازاتها، وتحمد الله أن ألف بينها، وجعل هذه الجزيرة في حالة من الرفاه والاطمئنان والأمن والرخاء يضرب فيه المثل ولم يتحقق شبيه له في عصورها السابقة، بمثل ما صار في هذا العصر أمد الله فيه، وبارك فيه، وجعل الخير فيه إلى يوم القيامة، فعلاقته بربه كانت علاقة إخلاص.

الشيء الثاني أن الزعيم، وقد تكون فيه أحيانا مجالات ضعف ومجالات قوة ويشتهر ويمتاز بمجالات قوة كما يحدثنا التاريخ عن العظماء والقادة والزعماء، ولكن أعتقد أن شخصية الملك عبد العزيز يوجد فيها جوانب الطموح والقوة والعظمة متوازية.

فهذا الذي أستطيع أن أقوله في تعدد جوانب شخصية الملك عبد العزيز: العبقرية وإخلاصه وصلته بربه.